الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
موسم "مولاي عبد الله أمغار"

الجديدة - أحمد مصباح

شكل موسم مولاي عبد الله أمغار (10 كيلومترات جنوب مدينة الجديدة)، منذ مئات السنين، موعدا سنويا وقبلة لقبائل دكالة، للاحتفاء بالولي الصالح، دفين رباط تيط، والذي يعتبر امتدادا لسند أبي شعيب أيوب سعيد (السارية)، والجنيد، ثم الشاذلي، بواسطة أبي يعزى، فأبي مدين، فعبد الرحمن المدني الرزيات وابن مشيش. واشتهر الشيخ مولاي عبد الله بغزارة علمه، وسعة اطلاعه. وكانت الوفود تتقاطر عليه من كل حدب وصوب، لاستشارته، والتزود بنصائحه وموعظته، في رباط "تيطنفطر"، ويقال اختصارا "تيط"، وهي لفظة بربرية تعني عين الفطر.
هذا، وجرت العادة أن يقام موسم مولاي عبد الله، في الأسبوع الثالث من شهر يوليو/تموز، غير أن رمضان أجل استثناء تنظيمه إلى شهر آب/اوغسطس المقبل.
ويعتبر موسم مولاي عبد الله أمغار أهم تظاهرة "شعبوية" في شمال إفريقيا، تتعدد تجليات الأنشطة فيها، وتتوزع بين دينية، تقام في ضريح الولي الصالح، والمسجد التابع له، واحتفالية وترفيهية وتراثية، تحتضنها فضاءات الموسم، سيما الصيد بالصقور، و"التبوريدة"، التي يشارك فيها أزيد من 1000 فارس مقدام، من مناطق دكالة، وعبدة، والشاوية، والحوز، وغيرها من جهات المملكة، يشدون إليهم أنفاس السياح وزوار الموسم، المتوافدين من داخل وخارج أرض المغرب، والذين يزيد عددهم عن 400 ألف زائر، يحطون الرحال في خيام، يزيد تعدداها عن 22 ألف خيمة، مقامة على أرض خلاء، تمتد على زهاء كيلومترين، على طول الشاطئ الساحلي لمركز مولاي عبد الله.
ولم يمنع كون موسم مولاي أكبر تظاهرة في شمال إفريقيا، من استشراء بعض تجليات الانحراف، والانحلال الخلقي، والشعوذة، التي تتخلل فضاءاته، ومن انتشار خيام العرافين والعرافات، والمشعوذين الذين يعرضون أعشابا ل"فسخ السحر"، حسب الزعم والاعتقاد السائدين، والتي من شأن استهلاكها إحداث تسمم غذائي، قد يفضي إلى موت محقق، أو إلى قسم الإنعاش.
وعرف الموسم، مع تعاقب السنين، تغييرات جعلت الطابع الفلكلوري، يطغى عليه، بعد أن كان رباط "تيط"، مهدا للعلم ومحجا للعلماء والمريدين، الذين كانوا يتوافدون عليه من مختلف البقاع الإسلامية. كما أن فضاء الموسم بات يطغى عليه طابع التخييم والاصطياف، سيما أن إقامته تصادف شهر يوليوز أو غشت، ناهيك عن كونه لا يبعد عن عاصمة دكالة، إلا بحوالي 10 دقائق. ما أفقده طابع الأصيل المتأصل، والمتمثل أساسا في إبراز الصورة النمطية لعيش قبائل دكالة، من خلال فنون الطبخ واللباس الدكالي، ناهيك عن العادات والتقاليد، التي من شانها أن تشكل منتوجا سياحيا متميزا، وتظهر خصوصيات المنطقة، الثقافية والاجتماعية، والمعيشية.
ويظل موسم مولاي عبد الله بعيدا كل البعد عن المساهمة في الإقلاع السياحي لإقليم الجديدة، الذي يحتضن بالمناسبة بنيات سياحية ضخمة، من قبيل "المحطة السياحية مزغان" و"الكولف الملكي"، علاوة على مشاريع تنموية وسياحية، ستعرف قريبا النور، على امتداد الساحل الشاطئي لإقليم الجديدة، وفق الاستراتيجية الجهوية، والتصور العصري، اللذين اعتمدهما عامل الإقليم معاد الجامعي.
تجدر الإشارة إلى "أن موسم مولاي عبد الله، عرف، في دورته الأخيرة، ضعفا في التنظيم، وارتجالية في تحديد فضاءات الإشهار، تجلت في استغلال سطوح بعض المرافق العمومية، كالمقاطعة الثانية، لعرض منتوج الشاي. وهذا ما وثقت له "المغربية" بالتقاط صور فوتوغرافية، ناهيك عن الارتجالية التي شابت تحديد منصات الأمسيات الفنية، التي أحدث تمركزها على طول الشارع الرئيسي، وتقارب بعضها من البعض، فوضى عارمة، شلت حركات السير والجولان، وحدت من الفرجة."
ومن جهة أخرى، فإن بعض الأعيان من ذوي الجاه والمال، باتوا يسخرون موسم مولاي عبد الله، كفضاء للدعاية الانتخابية السابقة لأوانها، ويقيمون لهذه الغاية، الولائم والمذوبات، داخل خيماتهم الكبيرة والعريضة (...). ويشوب هذه التظاهرة "الشعبوية"، بتراب جماعة مولاي عبد الله، التي تعتبر من أغنى الجماعات المحلية بالمغرب، ضعف التنظيم، وهشاشة البنيات التحتية الأساسية، ومحدودية المرافق الصحية، سيما المراحيض، وانعدام قنوات الصرف الصحي (الواد الحار). ما يضطر زوار الموسم إلى رمي النفايات، وقضاء حاجاتهم، في الخلاء المجاور للمخيمات، وعلى الشاطئ الصخري. وضع يزداد تأزما في ظل سكوت السلطات الوصية، التي تسمح للمواطنين الوافدين من مختلف جهات وأقاليم المملكة، و حتى من قاطنة الجديدة، الذين يكترون بيوتهم، خلال فصل الصيف، بإقامة مخيمات عشوائية، بتراب جماعة مولاي عبد الله، بأسابيع، قبل الانطلاقة الفعلية لفعاليات الموسم. ما تترتب عنه مشاكل جمة، من قبيل الاكتظاظ المهول، وعدم التحكم في تدبير شؤون المصطافين "غير القانونيين"، واستتباب الأمن والنظام العام، وتوفير الخدمات العمومية الأساسية، علاوة على التلوث البيئي، والذي تحمل الرياح آثاره حتى إلى عاصمة دكالة.
وحسب تقرير صحي سابق ، فإن لجنة مختصة حجزت، خلال فترة الموسم القانونية، مواد غذائية فاسدة، عبارة عن كميات من الأسماك، واللحوم، ومشتقات الحليب، والمأكولات والفواكه. ونبه التقرير إلى انتشار النفايات في بعض النقاط بالموسم، والفتح المتأخر للسقايات الماء، والمرافق الصحية، وعدم الاعتناء بها.
وأوصى تقرير وزارة الصحة العامة، بتحسين الوضع في الموسم، تفاديا لخطر انتشار الأوبئة. وأفاد مسؤول صحي رفيع المستوى، "أن مجزرة موسم مولاي عبد الله، والتي استهدفتها لجنة مختلطة بعمليات مراقبة وتفتيش، تطرح إشكالا صحيا حقيقيا، وأضاف أن الذبيحة السرية تشتري بداخلها، ويستحيل ضبطها، لأن بعض الجزارين يعرفون كيف ومتى ولمن يسوقونها، سيما بعض المقاهي والزبناء من طينة خاصة، دون عرضها للعموم، فوق طاولاتهم الخشبية. وشبه المسؤول الصحي هذه التجارة المحظورة، بنشاط "الكرابة"، الذين يروجون الخمور".
ووفق معطيات رقمية، تضمنها تقرير صحي سابق، "فإن 1869 شخصا، خضعوا لفحوصات طبية، بالمركز الصحي بجماعة مولاي عبد الله، فيما خضع 5871 شخصا للعلاجات التمريضية، وخضع للعلاج داخل مصلحة المستعجلات، 307 شخصا، ضمنهم مرضى، ومصابون في حوادث عرضية، واعتداءات، وتعرض 5 أشخاص للسعات العقارب". وقد أحالت السلطات الصحية 51 شخصا، في حالات صحية حرجة، على أقسام ومصالح المركز الاستشفائي الإقليمي في الجديدة.
وبالرغم من التعزيزات الأمنية، والتعبئة الكبيرة في صفوف رجال الدرك الملكي والقوات المساعدة، فإن فعاليات موسم مولاي عبد الله، كانت تخللتها نازلات إجرامية، تمثلت في اعتداءات بالضرب والجرح، وحيازة مسكر ماء الحياة والمخدرات، والفساد، والسكر العلني، وغيرها، ناهيك عن عرقلة واختناق حركات السير والجولان، والتي امتدت على بعد العشرات من الكيلومترات، وفي جميع الاتجاهات. ما نجم عنه وقوع حوادث سير متفاوتة الخطورة.
وبات تدخل السلطة الإقليمية الأولى، ممثلة في معاد الجامعي، عامل إقليم الجديدة، في إطار الاستراتيجية العامة للتنمية السياحية والثقافية بالإقليم، أكثر إلحاحا، بغية رد الاعتبار إلى موسم مولاي عبد الله، هذه التظاهرة الأصيلة والمتأصلة، والتي فقدت الكثير من بريقها وإشعاعها، الذي كان يصل صداها إلى أبعد نقطة جغرافية، على وجه البسيطة، وذلك بالعمل على إعادته إلى طبيعته الأصلية، على اعتبار أنه موسم ديني، يجب أن تتخلله برمجة أنشطة دينية وعلمية، من دروس ومحاضرات وندوات، تكون الغاية منها، خلق فضاء للحوار والمناقشة في أمور الدين والدنيا، مع اعتماد أسلوب حداثي، في اختيار المواضيع وطريقة المعالجة، ناهيك عن الاهتمام بالجوانب التراثية للموسم.

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

"معبد الأقصر" يتزين بلوحة فنية تعود إلى عام 1800…
فنان يحول منازل قرية مصرية مهجورة منذ عشرات السنوات…
بسّام الحجار يجسد منحوتات فخارية وحجرية شخصيات تاريخية عربية
مصري يفوز بجائزة أفضل كتاب في التاريخ الاجتماعي من…
الاحتفاء بعيد الموسيقى العالمي بحفل فني من طراز الزمن…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة