الرباط - المغرب اليوم
وقّع محمد الأشعري، الشاعر والروائي وزير الثقافة الأسبق الرئيس السابق لاتحاد كتّاب المغرب، آخر رواياته "العين القديمة" التي صدرت عن منشورات المتوسّط بإيطاليا في السنة الجارية 2019. وقدّم مجموعة من النّقّاد المغاربة لرواية الأشعري، الذي حصلت روايته "القوس والفراشة" على "جائزة بوكر" في عام 2011.
نقلة في تجربة الرواية العربية
عبد الحميد عقار، ناقد أدبي رئيس سابق لاتحاد كتّاب المغرب، قال في سياق مشاركته في لقاء تقديميّ بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط لـ"العين القديمة"، إنّ هذه رواية نَقْلَةٌ أخرى في تجربة الكتابة بالعربية في المغرب والعالم العربي، وأضاف أنّه وجد فيها "سلاسة روائية أدبية إبداعية بالغة الشَّغَف والجاذبية".
وأورد عقار أنّ "العين القديمة رواية من زمَننا عن زمننا، وبحث عن غدنا المُحتمَل الذي يريد الأشعري عبر الحكاية أن نعبُرَه وندركه في أبعاده واحتمالاته، في فترات منذ ستّينات القرن الماضي، ونعبر سبعيناتِه، وثمانيناتِه، والألفية الثالثة اليوم، وصولا إلى آنِ الكتابة، وآنِ القراءة".
وتسبح في هذه الرّواية، وِفْقَ قراءة عقَّار، شخوص كثيرة متنوِّعَة مليئة بالنّشاط، والسِّجال، والجِدال، وهي شخصيّات تبحث عن شرطِها الإنساني في الغد، وتجعل من بعضها مرايا متقابلة تتلاقى وتتصادم وتتباين غالبا، وهي شخوص روائية يراها "ممتلئة كثيفة".
ويرى النّاقد المغربي ذاته أنّ "العَين القديمة" ليست رواية سرديّة يسردها السّارد أو الشّخوص، فهي رواية تنبني أمام القارئ وهو يقرأها، أو عندما يسترجع ما قرأَه، وسمّاها "روايةً إبداعا مسرحيّا دراميّا". كما وجد عقّار فيها وجها آخر لما يحضر في جميع روايات الأشعري، من تمجيد وتمسّك بالحياة، والحقّ في الاستمتاع بها، وتمجيد لمراجعة الذّات، ولو أنّ شخصيّاتها في مرحلة الإحباط والهزيمة ومراجعَة الذّات.
عمل استثنائي
شرف الدّين ماجدولين، أستاذ جامعي ناقد، ذكر بدوره، في اللقاء التّقديمي للرواية، أنّ "العين القديمة نصّ متقَن وجذّاب بعمق معنوي آسر"، وقال: "عشتُ مع نصوص الأشعري في لحظات صدورِها، وعشت معها المدارج المعنويّة واللُّغَوية التي ارتقاها؛ وهذا نصٌّ مختلِف، وعملٌ استثنائيٌّ في مسار الكتابة الرّوائية لمحمّد الأشعري".
ووضّح ماجدولين أنّ هذه الرواية تقوم على لُعبَة شخصٍ له وجهان؛ أحدهما حقيقيٌّ والآخر افتراضي، وتقدّم الرواية منذ الجملة الأولى إيحاءات بأنّه شخصٌ واحد ثم يكتَسب ملامح، وعائلة مختلفة عن البطل الرّئيس. وأضاف أن "هذه من الروايات المغربية النّادِرَة التي تستَثمِرُ بنجاح حادثة واقعيّة، إضافة إلى قراءتها للرّاهن، انطلاقا من ذاكرة ما وقَع منذ الاستقلال إلى اليوم".
من جهته، قال عبد الفتاح الحجمري، ناقد مغربي، إنّ "العين القديمة" نصٌّ بديع، ورواية أعجبته بالحكايات الصّغيرة لشخصيّات لا تريد التخلّص من الزّمن، فتستبدل الأحلام أوهاما، بتصييرها ملحمة، وأضاف أنّ "سيرة مسعود، البطل، التي حكاها بشجاعة، كانت بديلا عمّا عاشَه من خيبات وانكسارات"، ورأى فيها مثالا على أنّ "الحياة التي نرتِّبُها بمشيئتنا لا بدّ أنّها تضحَك علينا، وتُرَتِّبُ لنا أشياء لا تخطر على بال".
مناخٌ كابوسيٌّ
في سياق تفاعله مع تدخّلات قُرّائِه، قال محمد الأشعري إنّه حاوَل ترك ظلٍّ من الشّكّ لدى القارئ، في لعِبٍ يشكّل جزءا أساسيا من القصّة ولذّة النّصّ، حتى يتساءل: هل الآخر شخصيّة حقيقية أم افتراضية؟ وهل تنتهي الحكايات أم لا تنتهي؟ ثم استدرك: "لكن مع جرّاحين ماهِرين مثل النّقّاد الحاضرين، لا يبقى سرّ بين الرواية والقارئ".
ووضّح الأشعري أنّه مُهتَمٌّ كثيرا بالازدواجية الموجودة في شخصيّتنا المغربية، التي سمّاها "رياضتنا الأولى"، ثمّ عدّد تقابلات يعيشها المغاربة يوميّا، بين "المتدَيِّن والمتمرّد، والوَرِعِ والفاجر، والنّظيفِ والوَسِخ، والمحافِظِ واليساري التقدّمي..."، وأضاف: "هذه الازدواجية الخطيرة تلغِّمُ حياتَنا ومصائرنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، متعجّبا من ضمّ الشّخص الواحد هذه الازدواجيات في نفسه.
ويرى وزير الثّقافة الأسبق أنّ النّظام السياسي أكبر تعبير عن هذه الازدواجية السّاكنة والصّادمة بالمغرب، قبل أن يتحدّث عن رياضة وطنية أخرى هي "الوقوف في منتصف الطّريق"، بعد خلق الحماس، والكلام، والخطاب، ثم تركه والانسحاب إلى شيء آخر.
وأعطى الأشعري مثالا على هذه "الرياضة الوطنية" بـ"الانتقال الديمقراطي الذي نعيشُه للأبد، ولن يتمّ"، وأضاف مستنكرا: "انتقل النّاس من منازل إلى منازل، ومن مدن إلى مدن، والديمقراطية لا تريد أن تنتقل". كما أعطى مثالا بـ"إرادة مراجعَة حياتنا، وإصلاح الحقل الدّيني الذي بدأناه بحماس ثمّ حوَّلناه لإرهاق جديد نُرهِقُ به حياتَنا".
وتحدّث الروائي ذاته عن النّدوب التي يعيشها من حَمَلوا أحلامَ التّغييرِ والانتقالِ من واقع إلى آخر، من أجيال مختلفة، نتجَت عن التّحوُّل السّريع إلى شيء كابوسيّ، وهو ما اختار معه "مناخا كابوسيّا" في روايته، ووحشا يبدو أحيانا شخصيّة حقيقية، وأحيانا أخرى رُهابا يطارِدُنا بشكلٍ مستمرّ.
وختم الأشعري كلمته متمنّيا أن يلتقط قرّاء رواية "العين القديمة" "شيئا من المُتعَة الفنية والأدبية"، وزاد: "إذا حصَل سأكون سعيدا أنّني كتبتها من أجلكم".
قد يهمك ايضا
محمد الأشعري يؤكد أن الجمود السياسي يعكس فشل الانتقال الديمقراطي في المغرب
الأشعري ينتقد "خطيئة" مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة العثماني