الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
الفنان الأميركي إيراني الأصل علي بني صدر

واشنطن - المغرب اليوم

يجلس الفنان الأميركي إيراني الأصل، علي بني صدر، بهدوء في انتظار بداية الحوار معي في أحد مطاعم “غراند باليه” (القصر الكبير) في باريس، الحديث معه شيق ومليء بالمعاني والأفكار والذكريات والفن البحت الذي يأخذك معه إلى أعماق الفنان، لنستكشف كيف تكونت الرؤية الفنية المدهشة التي تميز لوحاته.

بني صدر موجود في باريس لحضور افتتاح معرضه السادس مع غاليري “ثاديوس روباك” تحت عنوان “الفوضى المنظمة”، ووجد الفرصة أيضًا للتجول في صالات عرض كعرض “فياك” للفنون الذي أقيم مؤخرًا في العاصمة الفرنسية.

بداية، علي بني صدر ينتج اللوحات المرسومة بألوان الزيت أو بالفحم، وهو أمر يميزه عن غيره من الفنانين المعاصرين الذي اتجهوا لأشكال أخرى من التعبير الفني مثل “الفيديو آرت” والأعمال المفاهيمية. في لوحاته دائمًا هناك حركة مستمرة، زحام من شخوص وأشكال وضربات فرشاة قصيرة أو طويلة، محملة بالألوان، أجدني أسأله عن الشعور الذي يراودني عند رؤية لوحاته بأني أشهد نوعًا من الانفجار الذي سرعان ما يخفت لينتهي بلون واحد هادئ مثل اللون الأزرق. يجيب بهدوء ليزيد حيرتي: “هل يمكنك رؤيتها كحالة هدوء تنتهي بعاصفة أو انفجار؟ أو ربما هي دائرة من الحركة والهدوء، فأنا لا أفكر في الخطوط المستقيمة”.

في كل الحالات، لا يمكنني إلا التوقف أمام لوحاته، التي يعرض لي بعضًا منها على هاتفه، وكأنما هناك أصوات عالية تتمازج ما بين الشخوص المختلفة التي يمكننا تبين ملامحها، أو حتى خطوطها العريضة، هل نرى هنا رجلًا يمسك بيده ما يشبه العصا؟ أم هل هذا رسم لطفل يقف أمام ما يشبه حطامًا ودمارًا؟ كل ذلك ممكن، فالفنان الذي ولد في إيران، وعاش فيها طفولته المبكرة، قبل أن يغادرها لنيويورك، حيث يعيش الآن، عاصر الكثير من الأحداث في وطنه الأم، ممثلة في الثورة الإسلامية والحرب الإيرانية العراقية.

يذكر في أحد أحاديثه التلفزيونية أن أعماله تعبر عن الأصوات التي عاصرها، وتساعده في تكوين لوحاته، وفي اختيار الألوان. وربما يمكن فهم الارتباط بين الأصوات والأشكال لدى الفنان، إذا عرفنا أنه يعاني من حالة طبية تربط بين أكثر من حاسة، وفي حالة فناننا هنا، فالارتباط لديه بين المسموع والمرئي. يذكر تأثير صافرة الإنذار وأصوات الانفجارات ضمن العوامل التي ترسخت في ذاكرته، يذكر أيضًا تأثير ارتجاج الأرض جراء الانفجارات، ونتيجة القصف الجوي، ويقول إن الطريقة الوحيدة التي كان يمكنه بها فهم ما يدور حوله، أو حتى التعامل معه، كانت عن طريق الرسم. وربما هنا يمكننا رؤية كل تلك الألوان والشخوص وحركات الفرشاة كتعبير عن تلك الأصوات، هل تشبه تلك الخطوط المتقاطعة، في فوضى جميلة مقلقة، تأثير الانفجارات على الأرض؟ في أحد لقاءاته الصحافية قال إن ذكرياته أثناء حياته في إيران كانت خليطًا من الصور؛ نصفها مجرد، ونصفها الآخر أشكال يمكن تحديدها.

أسأله عن تحضيراته لعملية الرسم، هل هناك طقوس لعمله؟ ويجيبني بقوله “أنا لا أحضر ما أريد رسمه، أضع ما يدور بذهني في اللوحة، وحتى الأشخاص الذين ترينهم، أو يمكنك تحديد خطوطهم العريضة في اللوحات، هم أقرب للإشارات منهم للأشخاص الفعليين، فقط هياكل لأشخاص، قد يكونون أشخاصًا من الحقيقة أو خيالًا لشخصيات مستقبلية”.

لبني صدر نظرية خاصة في تكوين موضوعاته، يرى اللوحة وكأنها خشبة مسرح تتفاعل عليها شخصيات الممثلين، التي تتفاعل بدورها مع الألوان ومستويات الرؤية ما بين القريب والبعيد. في لقطة من أحد الأفلام الوثائقية، نراه وهو يدور في شوارع نيويورك بحثًا عن الإلهام، أو عما يشد بصره، يتوقف أمام باب حديدي بثنيات عرضية مثل أبواب المحلات، يقف قليلًا، ويلتقط صورة له، ولاحقًا نرى أنه استخدم تلك الخطوط في إحدى لوحاته شارحًا أنها تمثل حاجزًا ما بين مقدمة اللوحة وما خلفها.

في معرضه بغاليري “ثاديوس روباك” بباريس، يقدم الفنان عددًا من أعماله المميزة بضربات فرشاته التي تتحرك بعنفوان، لتخلق الانفجارات، وأيضًا الهدوء والفوضى المعبرة بجمال وعمق. يقول في تقديمه للعرض: “عندما أبدأ في رسم إحدى لوحاتي أعتمد دائمًا على صوت داخلي، بمجرد أن أضع الفرشاة على القماش يبدأ الصوت، وأشرع في تكوين العمل معتمدًا على الأصوات التي أسمعها خلال الرسم. (الأصوات) هي القوة التي تقف خلف اللوحة وتمنحني القدرة لتكوين عناصرها، وتجمع بين عناصر العمل كلها”.

في “الفوضى المنظمة”، يقدم بني صدر مجموعة من الأعمال الجديدة التي تعبر عن حالة عدم الاستقرار في العالم الآن، وإن كانت لا تعتمد على التشخيص، أو حتى على التجريد المطلق. في لوحاته تنطق الأسطح القلقة، وتتعاكس مع المساحات الهادئة، خالقة مناطق من اللوحة، حيث يسود النظام والهدوء يعبر عنها بضربات فرشاة واثقة وثابتة، لتواجه أجزاء أخرى تتسم الحيوية، وكما يشير عنوان المعرض “الفوضى المنظمة”، فالفنان يحاول من خلال لوحاته أن يفهم الفوضى الكامنة في العالم.

يتحاشى بني صدر التركيز على جانب معين في تشكيل اللوحة، فلا يوجد هنا عامل أساسي أو شخصية بارزة، وإنما نجد أن أشخاصه وأشكاله في حركة مستمرة تتداخل وتتماوج، وتغلب على بعضها الآخر، ولعل تلك الحركة المستمرة هو ما يخلق الطاقة التي تتفجر من اللوحات، وتجذب الناظر ليقع في أسرها محاولًا حل أسرارها.

يذكر بني صدر أنه يتعامل مع لوحاته من منظور عين الطائر، من أعلى يرى العالم وينقل رؤيته على اللوحة، لتخرج لنا بتموجات من الأشكال والألوان والخطوط يجب الوقوف أمامها لفترة من الوقت لتفكيك ذلك العالم العبقري والمجنون الذي يقبع داخلها.

 

قد يهمك ايضا
تفاصيل أفضل8  أماكن سياحية للاستمتاع بجولة فى باريس

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

"معبد الأقصر" يتزين بلوحة فنية تعود إلى عام 1800…
فنان يحول منازل قرية مصرية مهجورة منذ عشرات السنوات…
بسّام الحجار يجسد منحوتات فخارية وحجرية شخصيات تاريخية عربية
مصري يفوز بجائزة أفضل كتاب في التاريخ الاجتماعي من…
الاحتفاء بعيد الموسيقى العالمي بحفل فني من طراز الزمن…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة