الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
كتاب "التأريخي والسردي في الرواية العربية"

الجزائر - المغرب اليوم

صدر عن داري "ابن النديم" في الجزائر، و"الروافد" في بيروت كتاب "التأريخي والسردي في الرواية العربية" للناقد فاضل ثامر، وقد ضمّ الكتاب 40 مادة نقدية من ضمنها المقدمة التي تُبيّن طبيعة الكتاب والهدف من إصداره، ولو شئنا الدِقة لقلنا إن هناك 9 مقالات عن روايات عربية و30 مقالة عن روايات عراقية بضمنها دراسات نقدية عن الوصف وتمثلاته، والحكاية الإطارية، والتبئير الفلسفي، وسرد الذات، وشعرية الماء وما إلى ذلك.

تتأسس فكرة الكتاب برمته على "مشاكسة" التاريخ الرسمي بوصفه سجّلًا مُزيّفًا للطغاة والمستبدين والمنتصرين، والتركيز على معاناة المهزومين والمسحوقين والمقهورين، وقبل أن يلج المؤلف إلى دراساته النقدية التطبيقية يُذكِّرنا بعدد من كُتاب الرواية التاريخية العالمية أمثال والتر سكوت وألكسندر دوما وسرفانتس، ثم يعرِّج على جُرجي زيدان والمويلحي وأبي الثناء الآلوسي لكن تركيزه انصبّ على زيدان الذي أعطى الأولوية للتاريخ على حساب الفن، أي أنه جعل الفن خادمًا للتاريخ وليس العكس.

وعلى الرغم من الفرق الهائل بين المؤرخ والروائي، فإن المفكر الفرنسي بول ريكور اعتبر التاريخ سردًا، ومع ذلك فإن خطاب السلطة يتجلى في التاريخ الرسمي، بينما تتجلى سلطة الخطاب في الرواية التي يكتبها المبدعون الذين ينتصرون للتواريخ المهمشة والمُبعَدة والمُقصاة، ولهذا عدّ إنجلز "روايات بلزاك أكثر صدقية وموضوعية من التاريخ الرسمي المدوَّن".

تتمحور الدراسات الخمس الأولى على تاريخ الأندلس بشكل عام، حيث يتم استدعاء غرناطة أو بقية المدن الأندلسية الأخرى من رحم التاريخ، فقد كتب أمين معلوف رواية "ليون الأفريقي" ولعل أهم ما في هذه الرواية أن بطلها رفض الانتساب إلى أي من الهويات القومية أو الدينية أو الوطنية أو الإقليمية أو الثقافية، وهذا الموقف المتسامح سوف يتجلى في رواية "البيت الأندلسي" لواسيني الأعرج، فالعمّ مراد باسطا يعترف لماسكا بكل صراحة وأريحية "إلى اليوم لا أعرف إذا كان جدي مسيحيًا أم مسلمًا، ولم أسأل أحدًا لأتأكد من ذلك".

وفي إطار هذا التسامح يمكن أن نضع رواية "أوراق معبد الكتبا" للأردني هاشم غرايبة الذي أفاد من تاريخ مملكة الأنباط، وقدّم البتراء كمدينة متسامحة أيضًا، أما الروائي العراقي جابر خليفة جابر فقد استدعى التاريخ الأندلسي في "مخيم المواركة" التي اعتبرها ثامر "رواية استثنائية في السرد لخصوصيتها الميتاسردية"، بينما كشف ربيع جابر في "رحلة الغرناطي" عن قدرته على تشكيل عالمه السردي التخييلي من دون أن يتوسل بالتاريخ أو يتكئ عليه، وهذا الأمر ينطبق على "ثلاثية غرناطة" للمصرية رضوى عاشور التي تذكّرنا برواية الأجيال كما هو الحال في ثلاثية نجيب محفوظ.

تناول الناقد فاضل ثامر روايات عربية أخرى مستوحاة من التاريخ ولعلها مُستنطِقة له كما في رواية "رواق البغدادية" للمصري أسامة السعيد، وهي رواية تتمحور على الإنسان المقهور الرافض للاستسلام، خصوصًا المرأة التي تمتلك صوتًا عاليًا في هذا النص الروائي المحرِّض ضد العبودية والاستغلال.

وقد أفاد ثامر من ثنائية "الوعي القائم" و"الوعي الممكن" للناقد لوسيان غولدمان، وطبّقها على كثير من الروايات العراقية والعربية باعتبار الأول وعيًا سكونيًا ومتخلفًا، والثاني باعتباره وعيًا متمردًا ورافضًا و"ثوريًا" في بعض الأحيان.

تعتبر خماسية "مدن الملح" و"ثلاثية أرض السواد" لعبد الرحمن منيف من روايات الأجيال، لكن المؤلف وقف ضد مفهوم البطولة الفردية مستعيضًا عنها بمفهوم البطولة الجماعية، ويرى ثامر أن صاحب الخماسيّة قدّم درسًا للكُتاب العرب في كيفية استنطاق وقراءة وفهم التاريخ القديم والحديث لكنه عابَ عليه تجميل صورة داود باشا، لأن الاحتلال العثماني كان يعامل العراقيين كرعايا وليس كمواطنين، أما روايتا "الخبز الحافي" و"الشُطّار" لمحمد شكري اللتان عدّهما البعض "أدبًا مكشوفًا"، أو "بورنوغرافيًا"، فهُما أقرب إلى أدب الصعلكة منهما إلى أدب الشطّار والعيّارين، كما يرى ثامر.

وفيما يتعلق برواية "جنوب غرب طروادة - جنوب شرق قرطاجة" لإبراهيم الكوني فهي بنظر ثامر "موسوعة تاريخية وحربية وثقافية" يتنازع فيها التاريخي والسردي، وإن بدا الأول ضاغطًا على الثاني ومُضيّقًا عليه الخناق، وقد قرأ الناقد هذه الرواية من خلال ثنائية "النيئ والمطبوخ" لكلود ليفي شتراوس، وتكشف رواية "ظلمة يائيل" لليمني محمد الغربي عمران عن بنية ميتاسردية، شأنها شأن الروايات السابقة التي يتجاور فيها التاريخي مع السردي، وقد حضرت المخطوطة كدلالة ميتاسردية في الخطاب الروائي.

أما بخصوص الرواية العراقية، فيرى الناقد أنها تعالقت مع التاريخ، وأفادت منه، فـ"الوليمة العارية" لعلي بدر تنهل من التاريخ وتستقطر ما تراه منسجمًا مع وجهة نظر المؤلف الذي سخر من الزهاوي لأنه كان يتقلّب في مديحه من العثمانيين إلى الإنجليز، ولعله اجترح هذه الشخصية متأثرًا بقراءاته العميقة لكتابات علي الوردي فيما يتعلق بالشخصية العراقية المزدوجة، لكنه نجح، في خاتمة المطاف، بتصوير معاناة الشعب العراقي في ظل الاحتلالين المقيتين للعراق، أما رواية "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، فقد أثارت جدلًا واسعًا لأنها فازت بجائزة البوكر العربية، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر مان وكانت مرشحة للفوز، لكن الروائية البولندية أولغا توكارتشوك وقفت حائلًا أمام وصوله إلى هذه الجائزة العالمية المُعتبرَة.

وقد نجح فاضل ثامر في الإشارة إلى التعالق النصي بينها وبين رواية "فرانكشتاين" لميري شيلي، التي وصفها كنصٍّ غائب أو مرجعي أو موازٍ لنص أحمد سعداوي الذي اعتمد على مفهوم التناص وامتصاص الفكرة الأساسية، وكتابة نص جديد تمثّله جيدًا و"شغّله" مثلما شغّل برناردشو "بجماليون"، لكن الناقد رأى في رواية سعداوي نصًا غروتسكيًا غير أن بطله المركزي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، وخلص إلى القول إن "من حق المبدع إعادة إنتاج الأنماط والنماذج البدائية المركبة".

ثمة روايات عراقية سلّطت الضوء على الشريحة المسيحية العراقية، مثل "جثث بلا أسماء" لإسماعيل سكران، و"سابرجيون" لعامر حمزة، و"طشّاري" لإنعام كجه جي، وبالمقابل لم تنل بعض المواقف الفكرية للروائيين العراقيين رضا الناقد فاضل ثامر، مثل "مقامات إسماعيل الذبيح" لعبد الخالق الركابي، و"صيد البط البري" لمحمود سعيد، و"رماد الممالك" لعبّاس لطيف وغيرها من الروايات التي لم تغادر "الوعي القائم" وتصل إلى "الوعي الممكن" الذي يحرض على التاريخ الرسمي ومَنْ يمثله من حُكام ومتجبرين.

ركزت بعض الدراسات على أنماط الحكاية الإطارية، كما التفتت دراسات أخرى إلى الوصف، والتبئير، وشعرية الماء، ولعل أبرز ما فيها رواية "الصليب حلب بن غريبة" لفهد الأسدي الذي كرّس نفسه للهور على الرغم من أن هذه الرواية تنتمي إلى الواقعية النقدية، وأن بطلها ينتقم من كل المظالم التي يتعرض لها الإنسان المسحوق عبر التاريخ، وفي الختام لا بد من القول إن هذا الكتاب يشكِّل إضافة نوعية للتعالق الإيجابي بين التاريخ والسرد بأشكاله المتعددة.

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

"معبد الأقصر" يتزين بلوحة فنية تعود إلى عام 1800…
فنان يحول منازل قرية مصرية مهجورة منذ عشرات السنوات…
بسّام الحجار يجسد منحوتات فخارية وحجرية شخصيات تاريخية عربية
مصري يفوز بجائزة أفضل كتاب في التاريخ الاجتماعي من…
الاحتفاء بعيد الموسيقى العالمي بحفل فني من طراز الزمن…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة