مراكش_ثورية ايشرم
بدأ الملك الراحل الحسن الثاني، خطابه الموجه إلى الشعب المغربي من مدينة أغادير في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، بكلمات يتردد صداها إلى اليوم قائلًا: "شعبي العزيز غدا ستطالون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من أراضي وطنكم العزيز".
ودعا الملك الحسن خلال خطابه، كل أبناء الشعب المغربي إلى التوجه في مسيرة سلمية هي المسيرة الخضراء المظفرة في اتجاه الصحراء المغربية في اليوم الموالي أي يوم سادس تشرين الثاني 1975 من أجل تحرير الأقاليم الصحراوية، وهو الحدث الأبرز بعد حدث الاستقلال الذي قام به الشعب المغربي بقيادة ملك البلاد لتجديد العزيمة الكبرى من أجل استرجاع الأقاليم الصحراوية من المستعمر الاسباني".
وتعتبر المسيرة الخضراء حدثا غير عادي بل هي فرصة ذهبية أتيحت للشعب المغربي الذي أظهر من خلالها مدى التعلق بوطنه وتشبثه بصحرائه، كما أنها نموذج مهم يبرز الرغبة القوية التي ميزت المغاربة آنذاك من أجل استكمال وحدتهم الترابية مهما كلف ذلك من تضحيات وخسائر بشرية ومادية، فالعزيمة كانت قوية أمام كل التحديات والعراقيل وغير آبهة بأي شيء قد يحدث في ذلك الوقت.
ولم تكن سوى صورة الأقاليم الصحراوية السلبية أمام أعينهم وخطاب العاهل المغربي الحسن الثاني تزيدهم قوة ورغبة من أجل التقدم للأمام واسترجاع ما هو حقهم وملك لهم من أيادي المستعمر .
وجاءت المسيرة الخضراء لتكون حدثا هاما وكبيرا شارك فيه 350 ألف مغربي ومغربية، 10 في المائة منهم من النساء، هو الحدث الذي يعلن للعالم أن الشعب المغربي متماسك ومتحد حتى وإن اختلفت الأفكار والاتجاهات فلطالما الأمر يتعلق بالوحدة الترابية الوطنية إلا وسرعان ما يتحدون للوقوف صفا واحدا والصمود جنبا إلى جنب أمام كل من يعرقل مصالح الوطن واستجابة لداعي الوطن وتجاوبا مع المصلحة العامة لبلادهم العليا، وتلبية للنداء الملكي في كل مكان وزمان.
ولمناسبة الاحتفال بمرور أربعين عاما على ذكرى المسيرة الخضراء التي يخلدها الشعب المغربي اليوم الجمعة 6 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، قام "المغرب اليوم" بجولة اكتشاف لأجواء الاحتفالات الخاصة بهذه الذكرى المجيدة التي يحتفل بها المغاربة قاطبة داخل المغرب وخارجه.
واستقى "المغرب اليوم" بعض الآراء من مجموعة من المواطنين المغاربة الذين قادهم حب الوطن وعشقهم للحدث الأبرز إلى الخروج رفقة أبنائهم للاحتفال بهذا العيد الوطني الذي يعتبر من ابرز الأحداث التي تحققت على الأرض المغربية بمسيرة سلمية خالية من السلاح ودون سفك دماء معتمدين على القرآن الكريم والعلم المغربي والتوجه نحو الأقاليم الصحراوية لاسترجاعها.
وفي هذا الصدد كشف عبد الكريم عزوز رجل في بداية عقده الخامس يعمل تاجرا في أحد الأسواق في مدينة مراكش إلى "المغرب اليوم"، أن "عيد المسيرة الخضراء هو عيد وطني مجيد يحتفل به المغاربة أينما كانوا سواء داخل أرض الوطن أو خارجها وهو حدث يؤكد أن المواطن المغربي سواء كان رجلا أم امرأة يشعر بواجبه الوطني اتجاه بلاده كيفما كانت الظروف فإذا تعلق الأمر بالبلاد ووحدة الوطن كل شيء يزول ويبقى الوطن ولا شيء يهم سوى تلبية نداء الوطن وهذا ما تعبر عنه المسيرة الخضراء".
وأضاف عزوز أن "هذا الشعور لا يمكن أن يحسه الشخص الذي عايش أحداث المسيرة الخضراء فقط بل هو شعور مشترك بين الشيوخ والكهول والشباب والأطفال، كما يحسه المثقف والأمي والموظف والعامل والوزير والزعيم وكافة أفراد المجتمع المغربي وهذا ما يؤكد التلاحم وحب المغاربة فيما بينهم، وعشقهم لوطنهم وتعلقهم به إلى أقصى الحدود".
وتابع: "رغبتي كانت قوية للمشاركة في المسيرة الخضراء إلا أن سني لم يكن بذلك لكني عشت بعض الأحداث المميزة بعد تحرير الصحراء من استغلال المستعمر الاسباني، حيث عمت أجواء الفرحة والسعادة كل أرجاء المملكة المغربية ودامت الحفلات أياما وليالي وكان شعورا رائعا مازلنا نعيش كلما حلت الذكرى إلا ويحل معها الشعور الكبير بالنصر والأعتزاز الكبير والانتماء للوطن، وهو نفس الإحساس الذي نعيشه اليوم رفقة أبنائنا وأحفادنا وأصدقائنا".
كما أكدت نعيمة بنحمو موظفة ثلاثينية في تصريح إلى "المغرب اليوم"، أن "هذا الحدث الوطني مهم جدا بالنسبة لي كامرأة ومواطنة مغربية أعشق بلدي وأفتخر بها وأفتخر بأبناء بلدي الذين قدموا الكثير من التضحيات في سبيل تحرير الوطن واسترجاع الأقاليم الصحراوية التي نتعز بها ونعتز أننا ننتمي إليها رغم البعد عنها بحكم ظروف العيش إلا أننا نعشق الأقاليم الصحراوية من العيون إلى كلميم إلى الداخلة والكويرة وطرفاية وغيرها من المدن الصحراوية".
وزادت بنحمو: "رغم أنني لا أذكر حدث المسيرة الخضراء لأني لم أكن قد ولت بعد إلا أنني عشت هذا الحدث الذي بصمه التاريخ ببصمة من ذهب وبقي محفورا وراسخا في التاريخ المغربي والعالمي ككل، كما أننا نعيشه كل عام منذ طفولتنا بفضل ترسيخ مبادئه في عقولنا في المؤسسات التعليمية وكذا من قبل أبنائنا وأجدادنا الذين عايشوا الحدث ونقلوا إلينا شعورهم وإحساسهم وتعلقهم بهذا الحدث المميز وتعلقهم بحب الوطن والتشبث به في كل المحافل والسعي إلى حمايته والحفاظ عليه بشتى الطرق".
واسترسلت: "اليوم نحتفل بمرور أربعين عاما على المسيرة الخضراء التي تعتبر من الأحداث التي بصمت التاريخ وتغنى بها كل فنان مغربي وعربي معتزين بها ومتشبثين بها إلى آخر العمر".
وأوضح أشار حسن المصطفاوي أستاذ في سلك التعليم الإعدادي في تصريح إلى "المغرب اليوم"، أن "حدث المسيرة الخضراء هو هام بالنسبة لي لسببين أولهما انه عيد وطني مجيد نسعد بالاحتفال به كل عام ونكون في غاية الفرح ونحن ننظم مختلف الأنشطة الوطنية والفنية التي تتخللها مجموعة من الفقرات لفائدة التلاميذ من اجل ترسيخ مبادئ هذا اليوم في عقولهم وتشجيعهم على التشبث بها والتعلق بها إضافة إلى السعي لاحتفال بها وتخليدها دائما،ثانيا انه عيد مولدي الذي يشاركني فيه المغاربة قاطبة من داخل المغرب وخارجه حيث ولدت في هذا اليوم السعيد يوم 6 تشرين الثاني / نوفمبر 1975 هو اليوم الوطني الهام الذي انطلقت فيه المسيرة الخضراء وأطلقت علي أمي اسم حسن على اسم العاهل المغربي المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه".
واستدرك: "هو أمر أعتز وأفتخر به جدا، وحدث المسيرة هو شعار إسلامي سلمي يهدف إلى الالتقاء الأخوي بين المغاربة أينما كانوا ومن جميع جهات المملكة للمشاركة في هذه المسيرة التي كان تسودها العزيمة الكبيرة و الإيمان القوي بالله، وسلاحها كتابه العظيم والعلم المغربي الذي يرفرف في العلالي، رغبتهم هي تحرير الأقاليم الجنوبية وتوحيد وحدة الوطن بقيادة رشيدة ملكية ناجحة".
واستكمل أنَّ "اليوم نخلد الذكرى الأربعين على مرور هذا الحدث المميز الذي كان وسيبقى خالدا على مرور الزمان ونحن في غاية الفرح وافتخار بأبناء وطننا الحبيب نساء ورجالا واعتزازا بملكنا حامي حمى الوطن والدين مجندين وكلنا رغبة في الحفاظ على بلدنا وحمايتها من كل شر بإشراف من جلالة ملكنا المحبوب محمد السادس، فذكرى المسيرة الخضراء مناسبة للوقوف على أمجاد التاريخ المغربي الذي ترك بصمة ذهبية ساهم فيها الكبير والصغير وستبقى مناسبة نحتفل بها وكلنا فخر على مر الزمان".
وكانت المسيرة الخضراء وستبقى من بين أهم الأحداث البارزة في المملكة المغربية والتي تم تنظيمها بنداء من الملك الحسن الثاني إلى الشعب المغربي من اجل إعادة الاعتبار للأقاليم الصحراوية واسترجاعها من يد المستعمر الاسباني.
وجاءت لتضع حدا فاصلا مع منطق الحرب وأسلوب المغامرة بالأرواح وسفك الدماء رغبة من الحسن الثاني في إبعاد المنطقة والشعب المغربي عن العنف واستبداله بالحوار الناجح من اجل تسوية الأوضاع وفك النزاعات وإعادة الصحراء إلى الوحدة المغربية الوطنية دون قطرة دم واحدة، وهذا ما استطاعت المسيرة الخضراء التي انطلقت في مثل هذا اليوم أن تحققه لتنضم الأقاليم الصحراوية إلى الوحدة الترابية المغربية .