الدار البيضاء - جميلة عمر
شهد العالم تحولات مهمة عدة، بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وهي التحولات التي جعلت من المغرب يفكر في إعادة هيكلة مؤسسته الأمنية، والتفكير في عمل ورش تنظيمية وهيكلية؛ لمواجهة كل أشكال التطرف والتشدد، مع العلم أنّ حراس المملكة عيونهم لا تنام؛ من أجل حماية الوطن من التطرف والتشدد والجريمة المنظمة، ولولاهم لكان المغرب أحد بؤر التوتر.
وبالرجوع إلى الحرب "الأفغانية السوفياتية" ، تطوع عدد من الشباب المغاربة من أجل الحرب جنبًا إلى جنب مع الأفغان، وهي الحرب التي فرخت خلايا متطرفة تشبعت بأفكار متشددة، بعيدة كل البعد عن الدين، وهم الخلايا الذين باتوا يشكلون خطرًا عند عودتهم إلى أرض الوطن.
ومن خلال بنك "المعلومات" الذي تتوافر عليه المؤسسة الأمنية؛ تمكنت كل من: الاستعلامات العامة، والمخابرات المغربية، من تتبع تحركات "الهجرة الجهادية" من دون أن يكون هناك أي تدخل أمني؛ ليبقى الأمر على ما هو عليه إلى أن ظهر أشخاص يكفرون الدولة والمجتمع؛ بل يكنون عداءً كبيرًا لأبناء بلدهم الأبرياء.
وكانت أخطر خلية ظهرت في بداية العام 2000، خلية "أمير الدم" الذي ظل ينفذ جرائمه من دون الكشف عن هويته وهوية مرافقيه، ووقتها باشرت الاستعلامات العامة و"الديستي" في فتح ملفات السلفيين، وكان أخطر هذه الجماعات تلك التابعة ليوسف فكري وعبد الوهاب الرباع.
كل هذه العوامل جعلت من حراس البلاد تشكل تكوينات عدة؛ من خلال الاستفادة من دول متقدمة جدًا في هذا المجال، وبالفعل تمكنوا من الإبداع، إبداع أشكال متطورة جدًا؛ لمواجهة الخطر التطرفي، وذلك عن طريق القدرة الفائقة والسياسة الاستباقية التي تبنتها مديرية مراقبة التراب الوطني، والاستعلامات العامة، حيث تم في فترة وجيزة، تفكيك خلايا متطرفة خطيرة.
وشكلت الضربة المتشددة التي هزت مدينة الدار البيضاء، أو ما يعرف بأحداث "الـ 16 من آيار/آيار/مايو" من سنة 2003؛ بداية نهاية الاستثناء المغربي على مستوى الاستقرار الأمني، حيث وجدت المؤسسة الأمنية نفسها في مواجهة سلفيين فجروا أنفسهم، معتبرين أنفسهم يجاهدون في سبيل الدين، فإذا بهم يحاربون أنفسهم ويقتلون أبرياء.
ويزيد الخطر أكثر بعد ظهور تنظيم "داعش" الذي يُعتبر رماد "القاعدة" الذي ناره انطفأت بعد موت أسامة بن لادن، ما جعل من المغرب يكون سبّاقًا لوضع استراتيجية قوية لحماية أمنه القومي، وذلك بوضع دستور جديد بمنطوق الفصل 54 من الدستور.
كما لعب الجدار الأمني في الجنوب دورًا رئيسيًا في الوقوف كسد منيع ضد كل تسلل للجماعات المتطرفو.
في هذا الملف سنتحدث عن حراس المملكة الذين اعترفت بهم هيئات دولية ومراكز للأبحاث، وذلك لما أحدثوه من سبق ريادي في مواجهة التطرف.
رئيس مديرية الدراسات والمستندات، ياسين المنصوري:
"لا دجيت" أو مديرية الدراسات والمستندات، جهاز يعود تاريخ إحداثه إلى عام 1973، وجاء إحداثه بعد تحويل جهاز "الكاب1" إلى مديرتين: مديرية الدراسات والمستندات، ومديرية مراقبة التراب الوطني، وهذه الأخيرة قبل أن يتولى عليها عبد اللطيف الحموشي، تولاها ياسين المنصوري الرجل الهادئ، والزميل السابق للملك أثناء الدراسة، الرجل الذي ترك بصمته بين العاملين في هذا الجهاز.
وقبل أن يعمل رئيسا لــ"لادجيت" كان يعمل في ديوان وزير الدولة و الداخلية الراحل، إدريس البصري، وهي الفترة التي جعلته يحتك بالعديد من الملفات الساخنة، كما استفاد خلال التسعينات من التدريب في مقر المكتب "الفيدرالي" الأمريكي، بعد ذلك تولى مسؤولية وكالة "المغرب العربي للأنباء".
وشارك في الحرب الاستباقية ضد التطرف، والجريمة المنظمة، إلى جانب عبد اللطيف الحموشي.
وخلال عام 2005، عيّن على رأس مديرية الدراسات والمستندات "لادجيت"، ومنذ تعيينه؛ تمكن من إعطاء استراتيجية ناجحة جدًا للجهاز، خصوصًا فيما يتعلق بمحاربة التطرف العالمي، وذلك عبر تفكيك شبكات عدة التي تسيّرها عن بعد قيادات تابعة "للقاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، أهمها خلية "فتح الأندلس".
عبد اللطيف الحموشي، الرجل الذي أخرج الخلايا المتطرفة من بؤرها:
حين تسمع بجهاز "الديستي" ينتابك الخوف، جهاز أنشأ عام 1974، اختار مقره وسط غابة تمارة، وهو المكتب الذي يتم فيه التصنت على المكالمات الهاتفية، ورصد الرسائل الإلكترونية، هذا الجهاز عرف انفتاح على وسائل الإعلام بعد إقالة مديره السباق، أحمد الحراري، وتعيين المدير الشاب عبد اللطيف الحموشي صاحب الابتسامة العريضة، متحفظ، ويحافظ على الصلاة، ذكي وجدي، ومهمته تحليل المعطيات، ومهتم بالجماعات الإسلامية.
على الرغم من أنّ الحموشي رجل غير معروف كثيرًا لدى الرأي العام؛ لكنه يوصف بـ"كاتم أسرار المملكة"، والرجل الذي يفضل العمل في الظل.
دخل الحموشي مبكرًا إلى أقسام الشرطة، عام 1993، وعمره لا يتجاوز (27 عامًا)، بعد تخرجه من كلية الحقوق عام 1990؛ ولج إلى معهد الشرطة، وبقدرته على التحليل والمتابعة، تم توجيهه مباشرةً بعد تخرجه إلى مديرية مراقبة التراب الوطني "الديستي"، وهو الجهاز الذي كان تابعًا حينها لإدريس البصري، وزير الداخلية القوي في عهد الراحل الحسن الثاني، وبعد عام من توليه منصبه في جهاز المخابرات، واجه عبد اللطيف الحموشي أول امتحان أمني، يتعلق بأحداث "أطلس أسني" في مراكش عام 1994، بعد أن أطلقت عناصر مسلحة النار، على سياح في فندق "أطلس أسني" في مراكش، مما أدى إلى وفاة سائحين، وعلى الرغم من عدم مشاركته في التحقيقات؛ إلّا أنّه بدأ يهتم منذ ذلك الحين بنشاط الجماعات الإسلامية.
احدث الملك محمد السادس، تغييرات كبيرة على رأس جهاز "الديستي"، أبرزها إعطاء فرص أكبر للأطر الشابة لتحمل المسؤولية، وكان ضمن هذه الأطر عبد اللطيف الحموشي، وعشية أحداث "16 آيار/مايو 2003"، وبسبب اهتمامه بظاهرة الإسلاميين، شارك الحموشي فعليًا في التحقيقات الميدانية، وبعد شهرين من الأحداث، عيّن مسؤولًا في الخلية المكلفة بمحاربة التطرف في الجهاز؛ ليتم تعيينه مديرًا على "الديستي" في كانون الأول/ديسمبر 2005، وعمره لا يتجاوز (39 عامًا)، لذا يعتبر الشخصية الأصغر في تاريخ الجهاز.
وبعد تعيينه ارتفعت عمليات تفكيك الخلايا، مثل خلية "أنصار المهدي"، عام 2006؛ ولكن التحدي الأكبر الذي واجه الحموشي بعد عامين تعيينه، كان التفجيرات التي عرفتها الدار البيضاء في عام 2007، حيث وقعت ثلاثة تفجيرات خلال شهرين، التي أسفرت عن قتل أصحابها، ورجل أمن، وإصابات في حق مواطنين مغاربة، هذه الأحداث دفعت الحموشي إلى التفكير في منهجية أخرى لمحاربة التطرف، وعدم الاقتصار على المقاربة الأمنية فقط، ومن هنا بدأ الحديث عن حوارات تجري مع شيوخ السلفية في السجون.
وبعد اندلاع أحداث ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وجد جهاز "الديستي" نفسه في قلب الجدل من طرف حركة "20 فبراير"، وخصوصًا فيما يتعلق بمعتقل "تمارة" الذي يوصف بـ"السري"،والحركة طالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسين فتم إطلاق 190، منهم شخصيات سياسية في خلية بلعيرج، وعدد مهم من السلفيين، منهم شيوخ السلفية الفيزازي، والحدوشي والكتاني، وأبو حفص.
كما أنه في عهده فتحت أبواب مقر "الديستي" للبرلمانيين من مختلف الفرق، حيث استمعوا لشروحات الحموشي حول مهام هذه المديرية، وتم تكريمة علانية من طرف الملك محمد السادس على الإنجاز، بـ"وسام العرش" من درجة "ضابط"، وذلك لمناسبة الذكرى الثانية عشرة لاعتلائه العرش.
كما تم تكريمه من طرف إسبانيا، بوسام رفيع إلى جانب إطارين في المديرية ذاتها، خلال حفل نظم في العاصمة مدريد عام 2014، وفي مبادرة رمزية منها كرمته فرنسا؛ بوسام شرف كاعتراف من الجمهورية الفرنسية بخطئها الذي ارتكبته عقب إرسال فرقة أمنية مكونة من سبعة رجال شرطة مسلحين إلى مقر إقامة السفير المغربي في باريس؛ من أجل استدعائه، على خلفية اتهامات كاذبة ولا أساس لها من الصحة، وفي مخالفة صارخة للأصول الاتفاقات المشتركة "البروتوكولية" المتعارف عليها دوليًا، وهو ما جعل المغرب يُعلق التعاون القضائي الثنائي مع فرنسا.
مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام:
عبد الحق الخيام هو الرئيس السابق للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وهي شرطة خصوصًا، تتكفل بقضايا معقدة وحساسة جدًا، عيّن في 20 آذار/آذار/مارس، مديرًا على المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
عبد الحق الخيام ذو (57 عامًا)، هو ابن حي شعبي ولد وترعرع في حي درب السلطان في الدار البيضاء.
عمل في عدد من مصالح الأمن؛ ليتم تعيينه في الفرقة الوطنية، وخلال فترة عمله فيها تسلق مراتب عدة إلى أن وصل إلى منصب المساعد الأول لرئيس الفرقة الوطنية يونس جمالي، قبل أن يحل محل رئيسه، وفي عهده ظهرت الفرقة الوطنية في قضايا من العيار الثقيل، خصوصًا في المال والرشوة والمواد المخدرة.
وفي كانون الثاني/يناير 2015 تم ترقيته مديرًا للأمن، وهي الرتبة التي أريد من ورائها؛ إتاحة الطريق له؛ ليصبح في 20 آذار/مارس 2015 مديرًا للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، نظرا للكفاءة و الخبرة التي اكتسبها وهو على رأس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، في تدبير عدد من الملفات الكبرى، أسندت له رئاسة الجهاز بمساعدة طاقم كفء من العمداء و الضباط الذين برهنوا كذلك على قدراتهم و نجاعتهم في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
فترقية رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عبد الحق الخيام إلى رتبة والي للأمن و تكريمه بوسام "الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة"، هو اعتراف بالجهود التي بذلها في أداء مهمته؛ في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار والسهر على حماية وضمان سلامة الأشخاص والممتلكات.
عبد الحق الخيام أشرف على التحقيقات في ملفات ثقيلة لأطراف نافذة، تتعلق بمختلف الجرائم، خصوصًا تلك التي ترتبط بالجرائم الاقتصادية والمالية، ليرحل إلى موقع أخطر؛ لتقديم خبرته في ميدان مكافحة التطرف، بعد أن قرر المغرب بحسب المراقبين، استنساخ مجموعة من التجارب الأمنية الأميركية، في مقدمتها مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آى"، مهمته لن تكون سهلة لأسباب يطول شرحها، منها ما يتعلق بتقرير سري أمريكي يتهم شخصيات مغربية بدعم الحركات المتطرفة.
ميلاد أكبر هرم أمني في البلاد:
في حي السلام في مدينة سلا، وخلف ملحقة محكمة الاستئناف في سلا، المتخصصة في قضايا التطرف، وبجوار السجن المركزي "الزاكي"، توجد الإدارة العامة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، المتخصص في التحقيق والتتبع لجرائم التطرف، وجرائم أمن الدولة.
أنشأ هذا المركز، وفقًا لقرار مشترك وقعه وزير الداخلية، محمد حصاد، ووزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، منذ أربع أعوام، في عام 2011، معززًا بذلك يقظة الأجهزة الأمنية المدنية بفرقة وطنية للشرطة القضائية، تابعة لمصالح مديرية مراقبة التراب الوطني التي كان لها فضل كبير في تتبع وتفكيك العديد من الخلايا التطرفة النائمة والناشطة على السواء، أخيرًا ما أعلن عنه الخيام، في ندوة صحافية، من معطيات بالأرقام حول حجم التهديدات التطرفية، وحصيلة عمل الأجهزة المكلفة بمكافحة التطرف منذ 2002.
وكشف المسؤول الأمني أنّ الأجهزة الأمنية تمكنت من إفشال، بمساعدة متميزة من مديرية مراقبة التراب الوطني، 109 عمليات اغتيال لشخصيات مدنية مغربية، و119 تفجيرًا لمرافق عمومية، كما أحبطت 41 هجومًا مسلحًا، واعتقلت، إلى حدود الاثنين، حوالي 2720 شخصًا متورطين في أعمال متطرفة، فضلًا عن اعتقالها 156 عائدًا إلى المغرب؛ كانوا يحاربون لصالح متطرفين تابعين لتنظيم "داعش" المتطرف في بعض بؤر التوتر الدولية، أهمها العراق وسورية.
ويختص المكتب المركزي للأبحاث القضائية بمواجهة الجريمة المتطرفة، وكل الجرائم التي تمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، والجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، التي تسمح له بالتقاط المكالمات، والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس بأمن الدولة، أو جريمة تطرف، أو تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو بالقتل والتسميم، أو بالاختطاف، وحجز الرهائن، كما يختص بالبحث والتحري في جرائم صنع أو حيازة أو نقل أو ترويج أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة، وفي قضايا الاتجار بالمواد المخدرة.