الرباط ـ وسيل العسري
في خضم تصاعد الصراع حول منطقة الصحراء بين المغرب من جهة وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر من جهة أخرى، دعا العاهل المغربي محمد السادس برلمانيي بلده إلى رفع درجة التأهب القصوى للدفاع عن الصحراء لتكون خاضعة للنفوذ المغربي، بعدما دام الصراع حولها عدة عقود وطالب محمد السادس برلمانييه في الخطاب الذي ألقاه، اليوم الجمعة، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية لــ2015 في قبة البرلمان باليقظة للتصدي لمن اعتبرهم "خصوم المغرب".
وجاءت هذه الدعوة بعدما اتهم المغرب، قبل أسابيع، "خصومه" بمحاولة إفشال مفاوضات الصيد البحري مع الاتحاد الأوربي باستعمال ملف الصحراء في القضية، كما تم استعمال قضية حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية للمغرب، من خلال ترويج صورة عن الوضع الحقوقي بهذه الأقاليم، وهي صورة يعتبرها المغرب مغلوطة وغير صحيحة، كما أشار إلى ذلك خطاب العاهل المغربي.
وبدا ملك المغرب راضيًا عن أداء برلمانيه في مجال الدبلوماسية الموازية التي يقوم بها هؤلاء في المحافل الدولية، بعدما سبق له أن وجه خطابًا مماثلًا السنة الماضية في قبة البرلمان بلغة قوية طالبهم فيها بالتحرك، بعدما انتقد أداءهم الدبلوماسي في الدفاع عن "صحرائهم".
وخلال ذات المناسبة انتقد العاهل المغربي الخطاب والممارسة السياسية للأحزاب المغربية في الآونة الأخيرة، واعتبر أن السلوك السياسي للفاعلين السياسيين المغاربة أصبح يقدم مصالحه الخاصة على مصالح المواطنين.
ودعا ملك المغرب أحزاب بلاده إلى مراجعة سلوكهم السياسي والابتعاد عن التقاطبات الايديولوجية، معتبرًا أن هذه التقاطبات تعيق تقدم البلاد، وخاصة في القضايا المصيرية المرتبطة بالتنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف أن الخطاب السياسي للأحزاب السياسية المغربية، لا يرقى دائمًا إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن، معتبرًا أن هذا الخطاب شديد الارتباط بالحسابات الحزبية والسياسية.
وأضاف أنه ليس من حق أي حزب سياسي أو أي برلماني أن يفكر في مستقبله السياسي وفي كسب ثقة الناخبين على حساب القضايا الوطنية الكبرى والانشغالات الحقيقية للمواطنين.
وشدد على أن التصرفات والسلوكيات التي يقوم به بعض المنتخبين تسيء لأنفسهم ولأحزابهم ولوطنهم، وللعمل السياسي، بمعناه النبيل.
وأكد ملك المغرب أنه على الأحزاب المغربية أن تتعامل بالصدق مع المواطن، وأن تكون موضوعية في التحليل.
تردي الخطاب والممارسة السياسيين دفع العاهل المغربي إلى دعوة الفاعلين السياسيين إلى اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي.
وجاءت هذه الدعوة بعدما رأى ملك المغرب أن السنة التشريعية المقبلة (2015)، سنة حاسمة في المسار السياسي للمغرب، بالنظر لأنه تنتظره استحقاقات انتخابية حاسمة، والمتعلقة بانتخابات المقاطعات والجهات والأقاليم والانتخابات المهنية.
وأشار العاهل المغربي إلى أن الخيار الديمقراطي، الذي ارتضاه جميع المغاربة، يعتبر ثابت لا رجعة فيه.
وتابع "بل إننا ملتزمون بمواصلة ترسيخه". لكنه في المقابل قال إن هذا الثابت الديمقراطي لم يتم مواكبته من طرف جميع الفاعلين السياسيين، على مستوى الخطاب والممارسة ؟".
وأبرز ملك المغرب أن هذه السنة التشريعية التي اعتبرها حاسمة بالمغرب لترسيخ الخيار الديمقراطي تتطلب تغليب روح التوافق الإيجابي بين جميع الأحزاب والفاعلين المغاربة، وخاصة خلال إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الدستورية والإصلاحات الكبرى.
ودعا ملك المغرب إلى ضرورة إعطاء الأسبقية لإخراج النصوص المتعلقة بإصلاح القضاء، وخاصة منها إقامة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وإقرار النظام الأساسي للقضاة، معتبرا أن هذا القطاع هو الذي يضمن أمن وسلامة المواطنين، وهو الذي يحفز التنمية والاستثمار.
ودعا العاهل المغربي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب إلى إعادة النظر في منظور ومضمون إصلاح منظومة التربية والتكوين. وفي ذات الوقت حذر محمد السادس من الصراع الأيديولوجي في هذا الموضوع، مشددا على ضرورة إيجاد حل لإشكالية لغات التدريس، التي كان قد أثير حولها السنة الماضية جدل كبير بين المحافظين وتيار آخر تزعمه مقرب من القصر الملكي يدعى نور الدين عيوش، بعدما أعلن هذا الأخير في ندوة على ما يشبه إستراتيجية جديدة وضعها عيوش من أجل إدخال العامية أو الدارجة المغربية كلغة للتدريس في المقررات الدراسية لتحل محل اللغة العربية في التدريس.
واعتبر محمد السادس أن تطوير لغات التدريس بالمغرب يقتضي من جميع الفاعلين تجاوز الخلافات الإيديولوجية، لأنها حسب المتحدث تعيق الإصلاح.
كما دعا إلى اعتماد البرامج والمناهج الملائمة لمتطلبات التنمية وسوق الشغل بعدما أصبح الخبراء المغاربة ينتقدون بشدة المناهج الحالية المعتمدة في المغرب، واعتبرها عدد منهم بأنها أحد الأسباب في تخلف التنمية بالمغرب.