الرئيسية » أخبار محلية وعربية وعالمية
قافلات محملة بالملابس

الرباط - المغرب اليوم

في بردٍ قارسٍ تنطلقُ سيارات رباعية الدفع واحدة تلو الأخرى..أربع عشرة سيارة محملة بالملابس والأغطية والمواد الغذائية والأدوية. في هذه الأرض الرطيبة التي يميل لونها إلى السواد، تحولت السيارات التي تحملُ السُياح إلى عربات تحملُ الدفء الإنساني.هنا السيارات رباعية الدفع لا يشق لها غبار، تتكبد العناء لتخترق الأحجار والرمال المتواجدة طيلة المسالك الوعرة بمنطقة المعيدر، لتجد خيام الرحل القابعة في كل مكان حول سيدي علي تافراوت بإقليم الرشيدية.

سياراتٌ تأتي للمرة الرابعة على التوالي حاملةً معها جرعات من السعادة تُنسي الرحل وأطفالهم معاناة الفقر وقهر الطبيعة وقسوة المناخ الجاف، البارد شتاءً والحار صيفاً..تلفيهم يقاومون مكر الحياة بقلة حيلتهم، ينتظرون قافلة جمعية المعيدر للثقافة والتنمية ككل سنة، لتغدق عليهم بالعطايا والهبات وترسم البهجة على وجوهم وتخبرهم بأن الأمور لازالت بخير وبأن الإنسانية تقاومُ النُّضوبَ بقوة.

رجاء..فقيدة القافلة

قبل أن تنطلق القافلة، تم رفعُ الأيادي إلى السماء قراءةً للفاتحة ترحماً على روح الفقيدة رجاء أيت الحاج، التي ساهمت بكل السبل الممكنة خلال دورات القافلة السابقة.. شهاداتُ في حقها من هنا وهناك، ودعواتٌ لها بالرحمة والمغفرة.

لحسن تغلاوي، مقترح فكرة التأبين، يقول بلكنة عربية دارجة تغلب عليها اللهجة الأمازيغية، ونحنُ ملتفون حول النيران وهو جامعٌ يديه إلى صدره، إن الفكرة راودتهُ وهم عائدون من مراسيم دفن الفقيدة التي توفيت بتركيا شتنبر المنصرم، وأكد على أعضاء الجمعية بضرورة أخذ المسألة بمحمل الجد، "لأن ما قدمته للرحل، في الدورات الماضية، من حب وبهجة عن طريق اللعب مع أطفالهم ومعانقتهم، عطاء روحي لا يضاهيه كل ما قدم من أمور مادية"، حسب تعبيره.

نزهة بوعلام، المنحدرة من قيادة ألنيف، وهي تشارك في القافلة للمرة الثالثة، ترثي صديقتها رجاء والدموع تنهمر على خديها وبريق النيران ينعكس في مقلتيها، معترفة بالفراغ الذي تركته الفقيدة هذه الدورة، وتضيف أن مكانتها لازالت حاضرة وأن الذكريات لا تنتهي، مردفة: "رجاء إنسانة رائعة وأسعدني كثيراً أن هذه الدورة ستتضمن حفل تأبين لروحها"، وختمت حديثها وهي تمسح دموعها متمنيةً لها الرحمة والمغفرة.

قافلة السعادة

وضعت الجمعية في برنامجها خمسين خيمةً في نواحي منطقة المعيدر بسيدي علي. بمجرد أن تتوقف السيارات أمام خيام الرحل، لا شيء غير السعادة يبدو على وجوههم، يقبلون بخطى ثابتة للترحيب بالزائر.. يتهافتون بفرح حول العطايا، ويركضون لوضعها داخل الخيمة.

خدودهم حمراء وبشرتهم خشنة بفعل البرودة الشديدة، القبلُ والعناق تطاردهم من كل جانب، الحلويات توضع في أياديهم الصغيرة التي تلتهمها بقايا التراب الذي يلعبون فيه..الآباء والأمهات يبتسمون جميعاً كعربون عن السعادة البالغة..الشكر وعلامات الامتنان أقوى من كل شيء في أحاديثهم.

 

الكرامة لأطفال الرحل

حمو أيت القايد، رئيس جمعية المعيدر للثقافة والتنمية، بعيون براقةٍ ويدين متشابكتين، يستنكرُ ما يعانيه أطفال الرحل من تهميش وإقصاء، ويقول بفخرٍ إنه عاش تجربة الترحال عندما كان طفلاً، وهو يحسُّ بهؤلاء الأطفال أكثر من أي شخص آخر، ويضيف أن وضع الرحل كفئة مستهدفة بالدرجة الأولى هو اعتبار لأطفالهم، وطريقة للفت انتباه المسؤولين ليتمتع الرحل وأبناؤهم بحقوقهم الكاملة كأفراد داخل المجتمع، "لأن كرامة الإنسان أول ما يمكن الحديث عنه لنمر من خلالها إلى الحقوق الأساسية الأخرى"، وفق تعبيره.

أحد الرّحل بالمنطقة، الذين حطت عندهم القافلة، بلحيته المهملة وعلامات الذهول تطغى على قسمات وجهه دائري الشكل، يبذلُ جهداً مضاعفاً ليتواصل باللهجة الدارجة، يتحدث وأنفه يسيلُ من شدة البرد ورأسه ملفوفٌ بقطعة من الثوب (يتحدث) عن رغبته الجامحة في تمدرس أبنائه لكي تضمن لهم الكرامة.

"بغيت ولادي تا أنا يعيشو بحال ولاد الناس ويمشيو للمدرسة يقراو ويتعلمو"؛ لكنه يضيفُ بنوع من الانهزامية أن سبيل المدرسة صعب، لأنه يحتاج إلى نوع من التنقل، رغم أن بعض فعاليات المجتمع المدني وفرت مدارس متنقلة لأبنائهم.

الواقع المزري والأفق المسدود

الوسائل البدائية في السكن والطبخ والتنقل متواجدة في كل مكان. لا أثر للتمدن في خيم الرحل.. الملابس رثة ومتسخة.. التطبيب غير وارد في قاموسهم. صعوبة العيش تبلغ الذروة نواحي سيدي علي تافراوت.. ملامح الرحل أثقلها العياء وعبث بها الدهر.. الكلأ بالنسبة لهم موردٌ أساسي للعيش، لأن حياتهم رهينة بماشيتهم، وغالبية أطفالهم لا يعلمون إلا أسماءهم، ولا يعرفون في أي جهة توجد المدرسة.

"بغينا الحكومة تتدخل باشما كان، المهم تتدخل"، بهذه العبارة الصارمة، يتحدثُ أحد المشاركين، واصفاً واقع الرحل بـ"جهنم"، ويضيف بمرارة: "لا يمكن تخيل يوم واحد من أيام الرحل دون عناء"، وأردف رافعاً يديه: "الحمد لله لي كانين هاد ولاد الناس لي عندهم غيرة على الرحالة، وكاينضمو هاد القافلة كل عام، تبارك الله عليهم وخلاص"؛ ثم ختم حديثه بتشاؤمٍ: "ولكن راه هاد الجمعية ماتقدرش دير كلشي، لا بقا الأفق مسدود والحكومة مامسوقاش".

تعلقُ إلهام الشبلاوي، الطالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، التي تشارك في القافلة للمرة الأولى، بأنها تأثرت جداً بواقع الرحل ومأساتهم وفظاعة المشاهد.. "لم أتوقع أنني قد أصادف في حياتي واقعاً مزرياً بهذا الشكل"، تقول وبريق عينيها يبعث التأسف بشكل جلي.

تعلقُ إلهام الشبلاوي، الطالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، التي تشارك في القافلة للمرة الأولى، بأنها تأثرت جداً بواقع الرحل ومأساتهم وفظاعة المشاهد.. "لم أتوقع أنني قد أصادف في حياتي واقعاً مزرياً بهذا الشكل"، تقول وبريق عينيها يبعث التأسف بشكل جلي.

"ربي كايقول وجعلنا من الماء كل شيء حي"، بهذه العبارة المباشرة، يتحدث رئيس جمعية المعيدر للثقافة والتنمية عن فكرة توفير الطاقة الشمسية، التي أضحت ضرورة ملحة لتسهيل عملية الري لدى الرحل بمنطقة سيدي علي، وضخ المياه بشكل آلي دون عناء الحبل الذي كان يستعمل لجلب الماء من الآبار.

وزاد بجدية أن المشروع لم تفكر فيه أي حكومة من قبل.. "يأتي المجتمع المدني كمكمل للعمل الحكومي، ولكنه لا يمكن أن يحتل المكان كليةً ويتحمل صلاحيات السلطة التنفيذية كاملةً"، يورد وعيناهُ نصف مغمضتين وبابتسامة عريضة تنم عن الفخر بنجاح المشروع عملياً.

 

 

الإبداعُ في رحم الخيمة!

بدة يوسف، البالغة من العمر ما يربو عن الستين سنة، مرض السكري أضعف بصرها، تجاعيدها تصرخ لفك العزلة ورفع الحصار عن الرحل بالجنوب الشرقي، تنسج الخيوط بإبداع وتريث لتنتج زربية تفترشها في الخيمة، فلا شيء هنا منتظرٌ من السوق لأن سبيل الوصول إليه صعب جداً، بل ومستحيلٌ أحياناً.. تقول بلهجة أمازيغية سريعة إنها تبرعُ في النسيج إرثاً عن والدتها التي علمتها الحرفة منذ أن كانت تبلغُ من العمر تسعَ سنوات.

تتوقفُ عن عملية النسيج، تُخرج صور أبنائها من غشاء بلاستيكي، لتعرضها أمامنا ممسكةً إياها بيديها العجوزين اللتين تعلوهما قشرة سوداء بفعل قسوة البرد، تحكي لنا كيف تقاوم الوحشة ووجع النسيان بالتطلع إلى تلك الصور بين الفينة والأخرى.. بدة يوسف تنتظر أبناءها مثلما ينتظر الجميع الالتفات إلى الرحل بالمنطقة وتحسين أوضاعهم المزرية وضمان الكرامة لأبنائهم.

قد يهمك ايضا:

البرلمان المغربي يُوافِق بالإجماع على مشروع قانون لترسيم الحدود البحرية
ناصر بوريطة يستقبل وزير خارجية غينيا الإستوائية حاملا رسالة إلى الملك

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

سلطات طرابلس تكافح فيروس "كورونا" بمراقبة "الإجراءات الاحترازية" في…
تسجيل 939 إصابة بفيروس "كورونا" في بني وليد خلال…
أنقرة تستدعي باشاغا والنمروش والمشري وقادة المليشيات في إجتماع…
الكهرباء تعلن توصيل خط جنوب طرابلس بعد تعطله سنة…
رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج يبدأ زيارة إلى إيطاليا…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة