تونس - أزهار الجربوعي
كشفت مصادر خاصة لـ"المغرب اليوم" أن المفاوضات الجارية بين الطرف الحكومي والمعارضة التونسية بلغت أشواطها الأخيرة، وأعلن ائتلاف "الترويكا" الحاكم (النهضة، التكتل،المؤتمر)، قبوله حل حكومة علي العريض في 29 أيلول/سبتمبر المقبل وتشكيل حكومة غير حزبية ترأسها شخصية مستقلة، في حين أبدت جبهة "الإنقاذ" المعارضة التراجع عن مطلب حل المجلس التأسيسي،
وسط انقسام داخلها بشأن "العصيان المدني" الذي تدعو له "الجبهة الشعبية" وترفضه حركة "نداء تونس" وزعيمها الباجي قائد السبسي، الذي أكد أنه مع مفهوم الدولة.
وأفادت مصادر مطلعة لـ"المغرب اليوم" أن ائتلاف "الترويكا" الحاكم في تونس بزعامة حزب "النهضة" الإسلامي قدّم لوسطاء حل الأزمة، مبادرة جديدة بعد أن رفضت المعارضة مقترحه بشأن تمديد عمر حكومة علي العريض الحالية شهرين آخرين ، وأعلنت "الترويكا" قبولها بحل الحكومة في الـ29 من أيلول/سبتمبر المقبل، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، غير حزبية، ترأسها شخصية مستقلة، مقابل استئناف المجلس الوطني التأسيسي لأشغاله المُعلقة منذ شهر، تزامنًا مع انطلاق جلسات الحوار الوطني الأسبوع المقبل.
تأتي مبادرة الترويكا الجديدة وسط تسارع حثيث لنسق المفاوضات بهدف تجنيب البلاد عواقب وخيمة لاستمرار الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ 25 يوليو/تموز الماضي، تاريخ اغتيال زعيم حزب التيار "الشعبي" المعارض، محمد البراهمي، والتي دفعت بفريق المعارضة للنزول إلى الشارع مطالبين الحكومة التي يقودها إسلاميون بالاستقالة، وإسقاط المجلس الوطني التأسيسي بعد أن علّق أكثر من 50 نائبًا عضويتهم فيه، الأمر الذي دفع رئيسه مصطفى بن جعفر لتجميد أشغاله إلى حين بلوغ حل توافقي للأزمة.
وأكدت المنظمات الراعية للحوار الوطني، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى النقابات)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية(اتحاد رجال الأعمال)، والمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين، أنّ التوافق يقتضي الإعلان الصريح عن استقالة الحكومة والإبقاء على المجلس الوطني التأسيسي وتحديد مهامه وسقفه الزمني والدخول في التفاوض ضمن إطار محدد من حيث الزمن والإجراءات بما يضمن نجاحه وجديته.
وأوضحت مصادر لـ"المغرب اليوم"، أن المبادرة الجديدة التي قدمتها "الترويكا" للأطراف الراعية، والتي اقترحها رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، تتضمن 4 نقاط على رأسها، التعهد العلني باستقالة الحكومة في 29 أيلول/سبتمبر 2013، إلى جانب انطلاق الحوار الوطني بداية الأسبوع المقبل، يتواصل إلى 4 أسابيع، يتم خلالها التوافق على شخصية وطنية لرئاسة الحكومة وتشكيلتها الوزارية وضبط مهامها.
كما تنص المبادرة على استئناف أشغال المجلس الوطني التأسيسي مع انطلاق الحوار الوطني وتعهده بالمصادقة على الدستور في أجل أقصاه 29 أيلول/سبتمبر 2013 ، وهو التاريخ ذاته المتوقع لاستقالة حكومة علي العريض والإعلان عن تنصيب الحكومة الجديدة التي ستتولى الإشراف على الانتخابات العامة والإعداد لها.
وفي ما يتعلق بمهام المجلس التأسيسي، فتم ضبطها في استكمال الدستور والهيئة المستقلة للانتخابات والمصادقة عل القانون الانتخابي، على أن يعلن حل ذاته في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2013 ، أي في الذكرى الثانية لانتخابه قبل عامين.
وأعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، عقب اجتماعه بممثلين عن أحزاب ائتلاف "الترويكا" الحاكم، أنها تعهدت باستقالة الحكومة وتكوين حكومة تترأسها شخصية مستقلة مشكلة من كفاءات، واعتبر أن الذهاب إلى الحوار الوطني في الأسبوع المقبل، يتطلّب تنازلات من المعارضة و"الترويكا"، على حد سواء.
وأفدت مصادر مطلعة لـ"المغرب اليوم"، أن الحكومة الحالية التي يترأسها القيادي في حزب "النهضة" الإسلامي علي العريض، ستعلن استقالتها الأسبوع المقبل، مع انطلاق جلسات الحوار الوطني، إلا أنها ستتابع مهامها على رأس الدولة تجنبا للفراغ، على أن تنهي مهامها بشكل رسمي في 29 أيلول/سبتمبر المقبل، وهو التاريخ المتفق عليه لإنهاء الدستور وإعلان تنصيب حكومة مستقلة تشرف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ويرى مراقبون أن إتحاد الشغل نجح في تقريب وجهات النظر وحث كل طرف على تقديم تنازلات من أجل الوصول إلى وفاق، ومع بداية الحديث عن قبول المعارضة بمواصلة المجلس التأسيسي لمهامه التي سيتم حصرها في الدستور والقوانين الانتخابية، أبدى الطرف الحكومي من جهته، مرونة من حيث إعلان استقالة الحكومة التي يقودها، على أن تكون هذه الاستقالة وفق زمن مضبوط أقصاه شهر حتى لا تقع الدولة فريسة فراغ حكومي.
ورغم حسن النوايا التي أعلنها معسكري الحكم والمعارضة، إلا أن جبهة "الإنقاذ" ما تزال منقسمة في مواقفها، وتواصل الجبهة الشعبية التلويح بورقة العصيان المدني، معلنةً مواصلة حملاتها المحلية لطرد المحافظين والمعتمدين ومسؤولي المنشآت العمومية بهدف الضغط على الحكومة للاستقالة، وأعلن شركائهم في جبهة "الإنقاذ" وزعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي، بشكل صريح رفضه لحملة ارحل والعصيان المدني.
وقال رئيس الوزراء التونسي الأسبق، الباجي قائد السبسي، "أنا مع مفهوم الدولــة فرغم وجود تعيينات في غير محلها، غير أنني لا أوافق هذا الأسلوب في الضغط"، ونفى ما تردد بشأن وجود صفقة سياسية بينه وبين رئيس حركــة "النهضــة" راشد الغنوشي، خلال اللقاء الذي جمعهما في باريس، موضحًا أنه تطرق إلى سبل تجاوز الأزمــة التي تعيشها البلاد. وقال السبسي "ما لاحظته هو أن الغنوشي كان صادقًا، مفندًا وجود وصاية أو وساطة دولية لترتيب اللقاء".
كما اعتبر أن تونس تعيش أزمــة حقيقية غير مسبوقــة، مشيرًا إلى أن الأزمــة الراهنة، "لم تعشها البلاد منذ الاستقلال"، وأشار أن"الأزمة الحالية اكتسحت الجانب الأمني والاقتصادي، معتبرًا أن التوافق دون إقصاء أي طرف هو السبيل الأوحد للخلاص".