تونس ـ أزهار الجربوعي
بدأ رئيس حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم في تونس راشد الغنوشي، جولة جديدة من المشاورات للبحث في سبل الخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، بفعل تنامي ظواهر الاغتيال السياسي والإرهاب، والتي ألقت بظلالها بشكل مباشر على اقتصاد تونس المتعثر منذ ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011. والتقى الغنوشي، في جولات المفاوضات الجديدة، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة التجارة وداد بوشماوي، داعيًا منظمة الأعراف إلى الاضطلاع بدورها في دفع عجلة الحوار الوطني، في حين يُنتظر أن يجتمع الغنوشي، مساء الإثنين المقبل، مع الأمين العام لمنظمة الشغيلة حسين العباسي، لطرح مبادرته للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد. وكشفت مصادر خاصة، لـ"العرب اليوم"، أن بوشماوي من بين الأسماء المطروحة لتولي منصب رئاسـة حكومة الإنقاذ الوطني التي دخلت مرحلة الحسم، حيث من المنتظر الإعلان عن المرشح النهائي لـ"جبهة الإنقاذ" لعضوية الحكومة ورئاستها بداية من الأسبوع المقبل. ووصفت وداد بوشماوي، في وقت سابق، وضع الاقتصاد التونسي بـ"الكارثي"، عقب عملية الاغتيال السياسي الثانية التي شهدتها البلاد خلال 6 أشهر، بعد مقتل المعارضين اليسارييين شكري بلعيد في 6 شباط/فبراير 2013، ومحمد البراهمي في 25 تموز/يوليو من العام نفسه. وأكدت رئيس منظمة الأعراف التونسية، أنّ عددًا من اللقاءات مع رجال أعمال أجانب قد أُلغيت بسبب ما تشهده البلاد من احتقان وفوضى أمنية وسياسية، داعية إلى إيجاد الحلول السياسية العاجلة والكفيلة بإعادة الروح لاقتصاد البلاد. وطالبت كونفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية (ثاني اتحاد لرجال الأعمال في تونس)، بتشكيل حكومة وحدة وطنية مصغرة، والتعجيل بالانتخابات، وحثّت الفرقاء السياسيين على التنازل من أجل مصلحة الوطن العليا. ودعا المكتب التنفيذي للكونفدرالية برئاسة طارق الشريف، في بيان تلقى "العرب اليوم" نسخة منه، إلى وضع حد بصفة فورية للتصعيد والتجاذبات والتصلب في المواقف، وتغليب المصلحة العليا للبلاد لإيجاد الحلول الملائمة والتوافقية قبل فوات الأوان ودخول البلاد في انقسامات ومواجهات لا يمكن إلا أن تزيد من تعميق الأزمة، مشددًا على أهمية التوافق على رزنامة محدودة الآجال ومُلزمة لجميع الأطراف، للانتهاء من إعداد الدستور وتنظيم الانتخابات، والعمل على ألا تتجاوز هذه الآجال نهاية العام الجاري، وعلى حصر مهام المجلس التأسيسي في إعداد الدستور حسب الرزنامة التوافقية واتخاذ الإجراءات القانونية لتنظيم الانتخابات، وتحييد الإدارة بمراجعة التعيينات على المستوى الوطني والمحلي في إطار لجان مشتركة تجمع الأطراف المعنية، وكذلك تحييد المساجد مع ضمان عدم استغلالها في السياسة والدعاية. واقترح "اتحاد رجال الأعمال التونسي"، تكوين حكومة وحدة وطنية تكون محدودة العدد، وتقتصر مهامها على ضمان الأمن في مفهومه الشامل، وإعداد المناخ الملائم لتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وتصريف الأعمال العادية حتى الانتهاء من إعداد الدستور وإجراء الانتخابات. وقد تأسست "كونفدرالية المواطنة التونسية" "كونكت"، هي منظمة الأعراف ورجال الأعمال الثانية في تونس، عقب ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011، بقيادة الرئيس السابق لـ"الفدرالية الوطنية للكيمياء" رجل الأعمال التونسي طارق الشريف، وعرفت المنظمة بنشاطاتها الكثيفة وجهودها المُركّزة بعد الثورة، لتطوير الاقتصاد التونسي وجلب المستثمرين، وتنظيم فعاليات ومؤتمرات اقتصادية، للبحث في سبل النهوض باقتصاد تونس، الذي شهد نكسة بفعل تأزم الأوضاع السياسية والأمنية والتراكمات السلبية الموروثة عن نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وتعهد رئيس الكونفدرالية طارق الشريف، بالعمل على تجسيم قيم المواطنة، صلب المؤسسات الاقتصادية التونسية، من خلال حثها على دفع الضرائب، وتحسين وضعية العمال (الرواتب والإنتاجية)، وتجسيم مبادئ الحوكمة الرشيدة، واحترام المعايير البيئية، فضلاً عن تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متكافئة ومسؤولة. وقد برز دور اتحادي رجال الأعراف في تونس بشكل لافت بعد الثورة، وخاصم في خضم الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد عقب تجدد عمليات الاغتيال السياسي والتهديدات الإرهابية التي من شأنها تهديد موازنات الاقتصاد التونس وتنفير المستثمرين ، الأمر الذي جعل تدخل هذه المنظمات في الشأن السياسي لتقديم مبادرات تصحيح مسار، أمرًا ضروريًا فرضه واقع البلاد، الذي يستوجب هبّة حازمة من قبل جمبع الأطراف الفاعلة سياسيًا واقتصاديًا لإنقاذ البلاد من الانهيار. ويرى مراقبون، أن منظمتي الأعراف في تونس، سواء كونفدرالية المؤسسات المواطنة أو اتحاد الصناعة والتجارة، قد اتفقتا على إجراء تغيير حكومي على قاعدة الكفاءات، إلى جانب مواصلة المرحلة الانتقالية الراهنة، بما فيها المجلس الوطني التأسيسي، على أن يتم حصر مهامه والتعجيل في إتمام الدستور وإعداد الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، ولم تعربا بشكل صريح عن مساندة دعوات المعارضة الداعية إلى حل الحكومة والتأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، في محاولة للنأي عن التجاذبات الحزبية والسياسية، وهو ما يعكس في الوقت نفسه، مخاوف رجال المال والمستثمرين من دخول البلاد في حالة من الفوضى والمجهول قد تعمق الأزمة بدل علاجها. ولم تكن المنظمة الشغيلة، بدورها، بمعزل عن هذا الحراك متسارع الخُطى، الذي تعيشه تونس في محاولات حثيثة لتجاوز أزمتها السياسية والاقتصادية، حيث من المرتقب أن يلتقي زعيم حزب "النهضة" الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، وذلك بحضور رئيس المجلس الوطني التأسيسي والأمين العام لحزب "التكتّل" مصطفى بن جعفر، مساء الإثنين المقبل، للبحث في سبل التوافق بين جميع الأطراف. ورغم "التشاؤم" الذي عبر عنه حسين العباسي، رئيس أكبر منظمة نقابية في تونس، إلا أن محللين أكدوا أن تجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد ليس بالأمر المستحيل، إلا أن القضية خرجت من طائلة التوقعات المالية والمؤشرات الاقتصادية، وباتت رهن توافق الأطراف السياسية المتصارعة، التي يجب أن تتنازل عن مصالحها الحزبية الضيقة لصالح مصلحة الوطن العليا.