الرباط ـ رضوان مبشور
جه العاهل المغربي الملك محمد السادس بعد ظهر الثلاثاء خطابا للشعب المغربي بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لعيد العرش، ركز خلالها على جرد الأوراش الاقتصادية والبرامج السياسية التي أطلقتها الحكومات المغربية المتعاقبة التي عملت على تكريس جهودها من أجل بلورة الإصلاح وتحقيق التنمية المستدامة، داعيا في ذات الوقت دول اتحاد المغرب العربي إلى تكثيف الجهود من
أجل تحقيق التكامل والاندماج الكامل وحرية تنقل الأشخاص والأموال، استجابة للمتغيرات التي يعرفها المحيط الإقليمي"، مذكرا بموقف المملكة الثابت الداعي إلى وقف العنف في سورية، معلنا تضامن المملكة مع شعب سورية في الأحداث التي تعرفها البلاد.
وأكد العاهل المغربي في خطابه الذي ألقاه من القصر الملكي في الدار البيضاء والذي استمر ل 24 دقيقة على أن "المغرب حقق في ال 14 عاما الماضية تقدما كبيرا على مستوى البنيات الأساسية كالتزود بالماء الصالح للشرب وربط العالم القروي بالكهرباء، إضافة إلى التجهيزات الكبرى من موانئ ومطارات ونقل سككي وحضري، الذي غير من ملامح المدن والأقاليم (المحافظات) المغربية، وهو ما أدى إلى زيادة الاستثمار الأجنبي، وأعطى وجها جديدا للمغرب، ووفر الظروف الملائمة لتطوير الاستراتيجيات المعتمدة في شتى المجالات.
ودعا العاهل المغربي الحكومة المغربية إلى ضرورة تشجيع الاستثمار من أجل خلق فرص العمل، مؤكدا أن المغرب انكب في الأعوام الأخيرة التنفيذ التدريجي للاستراتيجيات القطاعية، التي مكنت المغرب من إحراز تقدم ملموس، وزاد من جلب الاستثمار الأجنبي، على الرغم من الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة"، داعيا في الوقت نفسه الحكومة إلى توفير المناخ الملائم للاستثمار"، مشيرا إلى أن "الحكومة الحالية وجدت بين أيديها في المجال الاقتصادي والاجتماعي إرثا سليما وإيجابيا، من العمل البناء، والمنجزات الملموسة"، داعيا إياها إلى "المضي قدما بالإرادة والعزم نفسه لتحقيق المزيد من التقدم".
وقال محمد السادس في معرض خطابه أن "تمكين المغرب من إنتاج الطاقات المتجددة عبر (مجمع النور بوارزازات) لإنتاج الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الاستحقاقات المسجلة في إطار الطاقة الريحية سيجعل المغرب أقل تبعية للطاقات المستوردة، ويساعد على تفعيل الميثاق الوطني للبيئة".
وأشار العاهل المغربي أن قطاع السياحة استطاع رغم الأزمة الاقتصادية العالمية أن يحمي نفسه من تداعياتها السلبية، بفضل الجهود والمبادرات التي تم تفعيلها خلال السنوات الأخيرة"، مؤكدا ضرورة "تحفيز الشركاء والفاعلين في هذا القطاع من أجل تحقيق رؤية 2020"، الرامية إلى جلب 20 مليون سائح للمغرب في أفق عام 2020.
وأشاد الملك محمد السادس بمنجزات ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، واعتبرها "ورشا متطورا باستمرار، لكونه خارطة طريق لرؤية تنموية شاملة ومقدامة، لا تقتصر فقط على الفئات الفقيرة والأسر المعوزة، بقدر ما تنفتح على الأوراش التنموية الهادفة إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية".
ولم ينس العاهل المغربي أن يبدي اعتزازه "بما يتحلى به أفراد الجالية المغربية بالخارج من روح المواطنة والتعلق الدائم بوطنهم الأم، بالرغم من تأثير الأزمة المالية العالمية على أوضاعهم المالية إلا أنهم تحملوا مشاق الأسفار وقطعوا مسافات طويلة من أجل زيارة وطنهم".
وفي ما يتعلق بقطاع الزراعة أكد محمد السادس أن برنامج "المغرب الأخضر" الذي أطلقته وزارة الزراعة عمل تحديث القطاع الزراعي، واهتم بصغار الفلاحين من أجل تحسين ظروفهم المعيشية"، مؤكدا أن قطاع الزراعة "سيظل معفيا من أداء الضرائب، الذي سينتهي العمل به في آخر العام الجاري بالنسبة للاستثمارات الزراعية الكبرى، وسيتم الاحتفاظ بسريانه على الزراعة المتوسطة والصغرى".
وعلى المستوى الثقافي عبر محمد السادس على حرصه على إعطاء الثقافة ما تستحقه من عناية واهتمام، واعتبرها "قوام التلاحم بين أبناء الأمة، ومرآة هويتها وأصالتها"، مؤكدا أن "المغرب غني بهويته المتعددة ذات الروافد اللغوية والاثنية، ويملك رصيدا ثقافيا وفنيا"، داعيا "القطاع الثقافي إلى تجسيد هذا التنوع وتشجيع أصناف التعبير الإبداعي كله.
وعلى المستوى الديني أكد العاهل المغربي أن "حفاظ المغاربة على هويتهم وصيانتهم من مخاطر الانغلاق والتحريف لن يتم إلا بالفهم السليم للدين"، مؤكدا أن بصفته أميرا للمؤمنين "عمل على صيانة الهوية الإسلامية لشعبه باعتبارها تشكل نموذجا مغربيا متميزا في الممارسة للإسلام، عقيدة سمحة ووحدة مذهبية مالكية، قائمة على الوسطية والاعتدال".
وعبر محمد السادس عن اهتمامه بنضج وإصلاح القضاء، وتخليقه وعصرنته وترسيخ استقلاليته، مؤكدا أن "توفير مناخ الثقة وتحفيز التنمية والاستثمار يأتي عن طريق إصلاح منظومة العدالة"؟
وفي ما يتعلق بقضية الصحراء قال إن "القرار الأخير لمجلس الأمن أكد بصفة حازمة المعايير التي لا محيد عنها للتوصل إلى الحل السياسي التوافقي والواقعي"، مؤكدا على "مسؤولية الجزائر، التي تعد معنية به، سواء على المستوى السياسي، أو على المستوى القانوني والإنساني، المتعلق بالوضعية المهينة لمخيمات تندوف".ودعا إلى "مواجهة الموقف المتعنت لبعض الأطراف، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وكذا حملاتهم التضليلية"، مؤكدا أن "المغرب سيعمل على مواصلة الدينامية التي أطلقها على الصعيد الداخلي، والتي تسعى في المقام الأول إلى تحقيق المزيد من الحكامة الاقتصادية والاجتماعية الجيدة، من خلال النموذج التنموي الجهوي، الذي يتطلع المغرب إلى تفعيله".
وعلى مستوى العلاقات الخارجية للمملكة، أكد عاهل البلاد أنها "عرفت تطورا موصولا وتقدما ملحوظا، في انسجام تام مع مختلف السياسات العمومية للمملكة"، مشيرا أن"المغرب ينهج سياسة دولية متوازنة، متعددة الاتجاهات، حيث تمكنا من تقوية علاقاتنا مع شركائنا التقليديين بصورة ملموسة، ومن فتح آفاق جديدة وواعدة، مع الشركاء الجدد."
وشدد العاهل المغربي على تطلعه لبناء اتحاد المغرب العربي، من أجل تمكين الدول الخمس (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا) من بناء مستقبل مشترك تجسده على أرض الواقع آليات التكامل والاندماج، وحرية الانتقال للأشخاص والأموال والممتلكات، بعيدا عن افتعال المعيقات، وفرض الشروط، وذلك في تناغم مع المتغيرات التي تعرفها الساحة الدولية".
وعبر العاهل المغربي عن امتنانه لملوك وأمراء دول المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وقطر على الدعم الذي قدموه للمغرب والمتمثل في تقديم هبة مليار دولار سنويا للمغرب، على مدى 5 أعوام".
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية عبر محمد السادس عن "مواصلته جهوده على رأس لجنة القدس للدفاع عن القضية الفلسطينية، من أجل أن يعيش الشعب الفلسطيني الشقيق ضمن دولة مستقرة داخل أراضيه على أساس مبادرة السلام العربية".
وعلى المستوى الأفريقي قال محمد السادس إن "المغرب واصل سياسته التضامنية تجاه الدول الأفريقية، مكرسا بذلك قناعته العميقة بخصال التعاون جنوب-جنوب"، مشددا على أن زيارته الأخيرة لمجموعة من الدول الأفريقية سعت إلى توطيد الأواصر التي تجمع المغرب بقارته، وكانت مناسبة للوقوف على طلب هذه الدول للاستثمارات والخبرة المغربية"، داعيا "الفاعلين المغاربة للتجاوب مع هذا الطلب لتحقيق المزيد من الاندماج والتقارب والتكامل الاقتصادي".
وبخصوص علاقة المغرب في أوروبا، أكد العاهل المغربي "أن المملكة واصلت استراتيجيتها المنفتحة والمبنية على التفاعل الإيجابي مع شركائها الأوروبيين"، مشيرا أن "المغرب حريص على تعزيز علاقته الثنائية مع المملكة الاسبانية والجمهورية الفرنسية، ومواصلة مساعيه المشتركة بهدف توطيد أكثر للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في إطار الوضع المتقدم الذي يتميز به المغرب، من خلال فتح آفاق جديدة وواعدة لهذا التعاون".
و أكد العاهل المغربي "تضامنه مع الشعب السوري الشقيق، الذي يعاني مآسي الصراع الدموي الرهيب والمدمر"، مؤكدا "تأييده لخياراته المصيرية، ووحدته الترابية ووقوفه إلى جانب جمهورية مالي الشقيقة، في الحفاظ على وحدتها الترابية، وخيارها الوطني، في صيانة هويتها من التطرف والنزوعات الإرهابية.