واشنطن ـ عادل سلامة
تكافح وكالات الاستخبارات الأميركية والبنتاغون من أجل تحديد مدى صعوبة السيطرة على المدن العراقية ومدى صعوبة الوضع، لاسيما الموصل، العاصمة الفعلية لتنظيم "داعش" في العراق، وسط صعوبة التخطيط للمعركة التي ستصبح اختبارًا رئيسيًا لاستراتيجية إدارة الرئيس باراك أوباما لوقف انتشار الجماعة المتطرفة في الشرق الأوسط.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا عن كيف سيكون هذا المخطط محوريًا للقيادة السياسية المهمة والقرارات العسكرية؛ إذ يحتاج الرئيس أوباما إلى إجرائه خلال الأسابيع المقبلة، بما في ذلك "ما إذا كان البنتاغون سيضطر لنشر فرق من القوات البرية الأميريكية لاستدعائها في الغارات الجوية الحليفة وتقديم المشورة للقوات العراقية في ساحة المعركة حول حرب المدن أم لا".
وستتطلب السيطرة على الموصل، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، وتعد ثاني أكبر مدينة في العراق، من 20 ألف إلى 25 ألف من القوات العراقية والكردية، مع وجود العديد من الشوارع والمباني المرجح أنَّ تكون محملة بالمتفجرات، بحسب ما قاله مسؤولون أميركيون، إذ من المقرر البدء في المعركة في وقت مبكر من نيسان/ أبريل المقبل.
ووفق "نيويورك تايمز" تُحتل مدينة الموصل حاليًا من قِبل ألف إلى ألفي من متشددي داعش، وفقًا للتقديرات العسكرية للولايات المتحدة، المعروفين باسم ISIS أو ISIL، ويعملون على نقل القوات والإمدادات إلى شمال العراق من سورية.
وتذكر وكالات الاستخبارات الأميركية أنهم لا يعرفون بعد ما إذا كان مقاتلي داعش سيبتسلون في الدفاع عن الموصل حتى الموت أم خوفًا من الحصار سيخرج معظمهم من المدينة إلى مدن عراقية أخرى أو سيخططون لعبور الحدود إلى سورية تاركين قوة أصغر ومباني مفخخة بقنابل قد تسفر عن آلاف الخسائر البشرية للقوات العراقية.
وصرَّح مسؤول القيادة المركزية الأميركية، الذي قدم إفادة للصحافيين في البنتاغون الخميس الماضي: "نحن نبحث في جميع الأدلة الموجودة لدينا، لنتوقع ما هو تصرف العدو النهائي في الموصل؟"؛ إذ ثار المؤتمر انتقادات حادة من قِبل السيناتور جون ماكين، الجمهوري من ولاية أريزونا.
كما تابع المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته مناقشة العمليات المستقبلية: "كل هذه الأمور سيتعين النظر في التحليل النهائي لها ومن ثم في نهاية المطاف، سيقدمون للرئيس تلك المعلومات، ليشرف على هذا القرار، وستشارك القيادة المركزية للعمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، والمسؤولون العراقيون في التخطيط للحرب".
تواجه خطة استعادة السيطرة على الموصل، التي يسيطر عليها داعش منذ حزيران/ يونيو الماضي، مجموعة من التحديات.
إذ تتمثل الاستراتيجية في الاعتماد على خمسة من ألوية الجيش العراقي الأكثر خبرة، نحو 10 آلاف جندي، وإعدادها خلال عدة أسابيع من التدريب الخاص ومن ثم استخدامها جنبًا إلى جنب مع وحدات البيشمركة الكردية وقوات أخرى لبدء الهجوم الرئيسي.
ولكن القادة العسكريين الأميركيين والعراقيين أثاروا الشكوك بشأن جاهزية القوات البرية العراقية، التي تصارع من أجل استعادة المدن الصغيرة، التي تشكل تحديًّا أقل بكثير من تحدي الموصل.
ويذكر التقرير أنَّ القوة الجوية الأميركية ستكون حاسمة لمساعدة تقدم القوات العراقية والكردية، فإنَّ السؤال الرئيسي الذي سيكون على السيد أوباما الإجابة عليه ما إذا كانت التحديات المطروحة لاستعادة السيطرة على الموصل تعني أنَّ فرق من وحدات التحكم الأميركية المشتركة ستقوم بالهجوم، أو تحتاج إلى الوجود على الأرض بحيث يمكن أنَّ يتم القيام بغارات جوية على وجه التحديد.
هذه الفرق، إذا تم نشرها، على الأرجح ستكون بحاجة للحماية من قِبل قوات العمليات الخاصة، كما صرَّح أحد القادة السابقين سيكون هناك حاجة أيضًا لوجود قوات رد سريع إضافية خاصة بحالات الطوارئ، فضلاً عن ضرورة وجود قوات إمداد والمروحيات الطبية حال إطلاق الأميركان نيران كثيفة.
وعلى الرغم من أنَّ أوباما قد أرسل قوات مشاة البحرية وقوات خاصة لتدريب القوات العراقية والكردية وتقديم المشورة لهم، إلا أنه لم يصرح باستخدامها في ساحة المعركة لاستدعاء ضربات جوية أو تقديم المشورة للقوات العراقية في القتال.
وذكر رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، أنه سيطلب من الرئيس منح هذا التصريح إذا لزم الأمر.
وفي إطار التحضير للهجوم على الموصل، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها إضعاف داعش عن طريق قطع خطوط الإمداد عنها؛ فالقوات الكردية المدعومة بالقوة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، تمركزت في الآونة الأخيرة بالقرب من مفترق طرق كيسك المهم، غرب الموصل، كما أضاف مسؤول القيادة المركزية: "الموصل يتم عزلها الآن".
وبالإضافة إلى ذلك، أخذ المسؤولون الأميركيون خطوة غير معتادة، الخميس الماضي؛ للإعلان عن توقيت المعركة وعدد القوات العراقية والكردية التي سيتم نشرها.
ومناقشة العمليات العسكرية المستقبلية هو عادة عملية غير مستحبة لتجنب مساعدة العدو، لكن مسؤولون أميركيون يؤكدون أنهم قاموا بذلك هذه المرة في محاولة لإضعاف عزيمة مقاتلي التنظيم وتحفيز سكان الموصل للانتفاض ضد المحتلين ومساعدة القوات البرية العراقية.
هذه الاستراتيجية أثارت غضب رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، ماكين، الذي تضامن مع السيناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام، وبعثا رسالة عنيفة إلى أوباما، الجمعة الماضية، ينددان بهذا المؤتمر الصحافي، مضيفين: "لم يحدث من قبل أنَّ قام المسؤولون بإطلاع الإعلام على خطط الحرب الخاصة بنا لمواجهة أعدائنا".
وقال مسؤول في وزارة الدفاع، الجمعة الماضية، إنَّ وزير الدفاع الجديد، آشتون بي كارتر "لم يكن لديه علم مسبق" بالمؤتمر.
كارتر، الذي كان يتحدث للصحافيين، الجمعة الماضية، كان في طريقه إلى أفغانستان، ولم يعط موعدًا للهجوم على الموصل، مضيفًا: "وحتى لو كنت أعرف بالضبط موعد الهجوم لن أقول لكم".
وذكر مسؤولون أميركيون أنَّ الإعلان عن معركة الموصل في وقت مبكر قد يدفع العديد من مقاتلي التنظيم لاسترداد السيطرة على المدينة، ربما لدرجة أنه قد لا يكون من الضروري الإعلان عن الغارات الجوية لتقديم المشورة للقوات العراقية في ساحة المعركة، لكن المسؤولين اعترفوا بأنهم لم يعرفوا رد فعل المتشددين.
مع ذلك، أكد بعض الخبراء الذين زاروا العراق أخيرًا أنَّ إجراءات التنظيم في مدينتي كوباني في سورية ومحافظة الأنبار في العراق لم تشير إلى أنَّ المقاتلين سيهربون، التنظيم لا ياول فقط الاستيلاء على أجزاء من الموصل ولكن أيضًا شن هجمات ضد القوات العراقية في أماكن أخرى للتضليل.
كما صرَّح الرئيس السابق لوكالة المخابرات الأميركية، كينيث بولاك، الذي يعمل الآن محللًا في معهد بروكينغز: "هم في طريقهم للقتال بجدية مرة أخرى، إنهم لن يذهبوا لاستعادة الموصل فقط، لكن سنحاول تخفيف الضغط من خلال إطلاق هجوم مضاد في مكان آخر".
وذكر الخبير في شؤون العراق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مايكل نايتس، أنَّ قوة داعش متمركزة في النصف الغربي من الموصل، حيث توجد المباني الحكومية المهمة وغالبية سكانها من العرب، بينما هناك المزيد من الأكراد شرق الموصل.
وأضاف: "تقديري هو أنها ستواصل القيام بمحاولة التحكم في الاقتصاد بالقوة، والقيام بالمزيد من التفتيش والغارات الحية، على الضفة الشرقية، ثم أنها تنتقل إلى الغرب وتفجر الجسور، سيحاربون مثل الشياطين لاستمرار السيطرة غرب الموصل، مما سيجعل المكان بأكمله حقل ألغام ضخم من السيارة الملغمة غير المنفجرة والعبوات الناسفة على جوانب الطرق والعديد من العبوات الناسفة الوهمية".
يمكن أنَّ تتحول المعركة لعراك وتعيدنا إلى معركة الفالوجة 2004 في حرب العراق، ما لم يشارك السكان أو القبائل المجاورة المحلية في العملية بأيديهم، أو كان لدى الأميركيين والعراقيين برنامج سري فعال لتقويض دفاعات داعش من الداخل.
وسيأتي تحدي آخر إذا عادت المدينة، ففي حين أنَّ الموصل من الأغلبية السنية، من المرجح أنَّ تكون الأغلبية الساحقة للقوات العراقية المهاجمة من الشيعة، مما قد يخلق الاحتكاك مع السكان المحليين.
وتدعو الخطة إلى إدخال قوة ثابتة مؤلفة من ضباط شرطة الموصل السابقين ومقاتلي العشائر السنية، لكن من غير الواضح كيفية طريقة تزامن هذا الجهد.
واختتم ضابط عسكري أوروبي، اطلع على بعض تفاصيل الخطط الأميركية للمعركة: "من المحتمل أنَّ تكون القوات العراقية مستعدة للهجوم على الموصل خلال بضعة أشهر، لكن ما سيأتي بعد كيفية استعادة الأرض، سيكون صعبًا جدًا".