واشنطن - رولا عيسى
لايزال وجود المسلمين وتعايشهم في الدول الغربية يثير كثيرًا من الجدل، لاسيما مع توالي الحوادث المتطرفة التي يكون فيها المسلمين طرفًا مباشرًا، وأخيرًا ثارت قضية الإمام المسلم المتهم بالاستغلال الجنسي للأطفال في ولاية شيكاغو الأميركية.
كشفت تلك القضية إحدى الفتيات العاملات في المدرسة الإسلامية التي يرأسها الإمام المحافظ محمد عبد الله سليم، قائلة: "لم أكن أرتدي الحجاب, ولكنه كان مطلوبًا مني في المدرسة، ولكن اقترح عليّ سليم خلع الحجاب والكشف عن وجهي، كان يأتي إلى مكتبي أثناء العمل ويلمس في بعض الأحيان خدي أو يضع ذراعه حول كتفي, وكان السيد سليم شخصًا موقرًا في مجتمعي المنغلق، فلم أعترض في البداية على تلك الأفعال, ولكن ببساطة الخلوة بيننا قد تمثل العلاقة الحميمة المحرمة".
وأضافت الفتاة، 23 عامًا: "إذا نظرنا إلى الوراء، فسنجد أنَّ تلك الإيماءات الأولى كانت أكثر إثارة للقلق, ولم يكن من المفترض أنَّ يحدث ذلك من الأساس, فالرجال والنساء لا يتصافحان باليد من الأساس، ومع مرور الوقت، أصبحت اللمسات أكثر عدوانية، لتصل إلى درجة أنني أقدمت على شيء لم يحدث من قبل في مجتمعنا تقريبًا, أخبرت الناس؛ عائلتي، وزميلتي في العمل، وعالم إسلامي, ثم ذهبت إلى قسم الشرطة, ومع انتشار ما رويته، تشجعت 3 نساء أخريات، وأخبرنّ المحققون أنهنّ تعرضن للتحرش من قِبل السيد سليم!!".
ستقيم النساء دعوى قضائية ضد سليم خلال الأيام القليلة المقبلة؛ لاتهامه بالاعتداء والاستغلال الجنسي للأطفال, وذلك وفقًا لما قاله محاميهنّ, ستيف داني.
لكن هذه الاتهامات معروفة بالفعل على نطاق واسع ومنتشرة بعمق داخل مجتمع المهاجرين المسلمين الهنود والباكستانيين وأسرهم في منطقة شيكاغو، الذين يترددون دائمًا على معهد التربية الإسلامية، المدرسة التي أسسها سليم.
وأدت مزاعم انتهاكات القساوسة الكاثوليك وحاخامات اليهود إلى غضب مماثل للمجتمعات المعزولة التي تتعرض فجأة للغرباء، مما جعلهم في أزمة, لكن قضية شيكاغو لها أبعاد إضافية؛ إذ أنه مجتمع يمنع مناقشة الجنس ويمنع الفتيات من حضور دروس الصحة المدرسية, فالمواعدة شيء غير شائع أو يتم سرًا، ويتم ترتيب العديد من الزيجات، ولكن وجود عيب على سمعة امرأة شابة قد يجعلها غير صالحة للزواج.
لاقت هذه الاتهامات بشكل خاص تنافر كبير بسبب مكانة سليم؛ فقد وصفه العالم الإسلامي، الذي يدرِّس الدين الإسلامي في جامعة لويولا في شيكاغو، والذي عمل كوسيط بين السيد سليم والفتاة الأولى, عمر مظفر, أنه مثل رئيس أساقفة شيكاغو، بيلي غراهام.
من جانب آخر، صرَّح سليم، خلال مقابلة هاتفية قصيرة، أنَّ متهميه "يكذبن", وأشار إلى سؤال محاميه، توماس غلاسكو، الذي قال أنه لم يجد أي دليل لإثبات أي شيء بعد التحقيق داخل المدرسة.
أما معهد التربية الإسلامية فعزا الاتهامات, خلال بيان نشره على موقعه الخاص، إلى "أفراد خارج مجتمعنا", بحسب وصفه، تسعى إلى تشويه سمعة ومعتقدات المدرسة, وأنَّ المتورطين لا يرغبون في السعي إلى الخصوصية، ولكن يسعون بنشاط إلى نشر مطالبهم، ثم تم إزالة البيان من الموقع منذ ذلك الحين.
كان السيد سليم, 75 عامًا, جزءًا من جيل المهاجرين من الهند وباكستان الذين استقروا في شيكاغو في سبعينات وثمانينات القرن الماضي, فكانوا لا يختلطون تقريبًا إلا مع بعضهم البعض, وكان هو طالبًا في المدرسة الديوبندية، وهي حركة في الهند تتبنى النسخة الأصولية للإسلام, وكان يلقب بـ"مولانا"، وهو اسم شرفي يُعطى للعلماء البارزين, وكان أصدقاؤه يسمحون له بالبقاء في غرفة إضافية، حيث كان يدرِّس القرآن للأطفال.
يتبنى المجتمع الكثير من المعتقدات والعادات, فالطهارة والعفة هم ضرورة قصوى, وارتداء الفتيات للحجاب، الذي يغطي أذرعهم وأرجلهم, وكذلك إعفاءهن من دروس الصحة المدرسية؛ إذ كان يتم مناقشة سن البلوغ والتكاثر, ولا يمكن التفكير في الحديث عن الجنس بأي شكل من الأشكال, في بعض الأسر.
وصرَّح إمام مسجد في مدينة روكفورد، حمزة مقبول: "هناك الكثير من المواقف بشأن الجنس والزواج، وأود وصفها حرفيًا بأنها شديدة العنصرية".
وأسس السيد سليم مدرسته العام 1989 قسم لتعليم الطلاب القرآن الكريم, وفقًا للقيم والتقاليد الإسلامية من فترات الإسلام السابقة، ونمت لتصبح واحدة من أبرز المدارس في البلاد من نوعها وواحدة من المدارس القليلة التي يتم فيها تعليم الطلاب، الذين تتراوح أعمارهم عادة من 10 إلى 17عامًا لعدة سنوات, وتدرس موضوعات مثل الرياضيات واللغة الإنكليزية، ولكن في المقام الأول علوم القرآن الكريم.
ولكن لم يتم اعتراف المدرسة من قِبل الدولة وكذلك لا تمنح الدبلومات المعتمدة.
كما صرَّح محمد الشامسي, 70 عامًا, والذي ساعد في إدارة المدرسة ولكن لم يعد يعمل بها, أنه كما نما المجتمع الإسلامي، فإنَّ معظم الأسر استوعبت ذلك، ولم يجدوا أي تعارض بين إيمانهم وما يتبناه وطنهم الثاني, كما أنَّ تربية الأطفال في أميركا تعجِّل بتلك العملية.
أما بشأن الفتاة التي كانت أول من اتهم السيد سليم، فولدت في الولايات المتحدة من أبوين هنديين وتخرجت في الجامعة الأميركية, وتمنت أنَّ تصبح وظيفة السكرتارية في المدرسة نقطة الانطلاق لوصولها إلى قسم الموارد البشرية.
وصرحت بأنَّه أثناء نسخ بعض الأوراق في نيسان/ أبريل, جذبها السيد سليم إلى حضنه واحتجزها في الحجرة, وقام برفع ملابسها واعتدى عليها جسديًا, وأضافت: "نظرت فقط إلى الحوائط والسقف وقلت أنَّ ذلك غير مريحًا للغاية", وبعد مغادرته وجدت شيء لزج على السروال الأسود الذي ارتدته تحت فستانها, واعترفت لابن عمها وأمها وأحد العاملين معها, وأخيرًا السيد مظفر, ثم استقالت من وظيفتها, بالرغم من ترددها في الضغط على القضية, فأرادت اعترافًا واعتذارًا, ووافق السيد مظفر من أجل التوسط.
خيّم على القضية برمتها تهديد بإدعاءات من شأنها تدمير سمعتها, وصرحت المدير التنفيذي لمجموعة "قلب المرأة والفتاة", وهي مجموعة مناصرة للصحة الجنسية للنساء المسلمات, نادية مهاجر: "مثل هذه المخاوف شائعة في حالات الاعتداء ولكنها حادة بشكل خاص في مجتمع ترتفع فيه قيمة عذرية الفتاة إلى حد كبير, هناك خوف ممن سيقبل على الزواج من فتاة حدث لها ما حدث, فنستطيع أنَّ نقول لها أنه عليك أنَّ تجدِ رجل يتفهم ذلك ولا يأخذه عليك, ولكن بشكل عملي, هذا بالفعل يقلل من فرصها في الزواج, مما يعد شيئًا غير عادلًا بالمرة".
وأعلنت مهاجر أنَّ تثقيف النساء المسلمات بشأن الصحة الجنسية يمكن أنَّ يشعر الناس بعدم الراحة، لدرجة أنَّها لا تتحدث عن وظيفتها مع بعض أفراد الأسرة, وقالت إنَّ قبول مثل تلك البرامج في المساجد شيء صعب للغاية وجمع الأموال للإنفاق عليها يعد "تحديًا لا يصدق".
أما مظفر فأعلن أنه توصل، في نهاية المطاف، إلى تسوية من خلال وثيقة موقعة من السيد سليم بخط يده قائلًا إنَّه يعتذر ويعترف بأفعاله, ولا تحدد الوثيقة تلك الأفعال, بينما أشار المظفر أنه يعتذر عن خطيئة الزنا أو الاتصال الجنسي خارج نطاق الزواج.
كان من المتوقع أنَّ يحسم الموضوع بعد الاعتراف, ولكن انتشر ذلك الموضوع في المجتمع, وذكره المظفر في مدونته, كاتبًا أنَّ ذلك "معرفة عامة" بما قام به السيد سليم وما اعترف به من تفاصيل وجهًا لوجه.
واتهم المعلقين الغاضبين مظفر بتقويض السيد سليم، بقوله: "أيها الإخوة والأخوات, هذه مسألة ليست من شأنكم", وكتب أحدهم: "بغض النظر عن صحة الإدعاءات من عدمها فهو مسلم أفضل بكثير من جميعنا كلنا, رجاءً توقفوا عن نشر المعلومات الخاصة به, فهو بلغ من العمر أرذله, فيجب أنَّ تفكروا بدلًا من ذلك في كيفية قضاء وقت أطول في حضوره".
ثم قام مظفر بحذف المدونة, ولكن ليس قبل أنَّ يراها سيدتان في العقد الرابع, وردوا على المدافعين بأنَّ سليم قام باستغلالهن جنسيًا العام 1980, عندما كان يقوم بالتعليم داخل حجرة نومه, وقالت إحداهن إنَّ سليم بدأ بلمسها عندما كانت في سن الـ12 عامًا، وجلس في مرة على سرير مغطى ببطانية بنية اللون, ووضع يده على أعضائه التناسلية عندما كان يعلّمها درسًا من القرآن, كان عن يوم القيامة الذي سيحاسب الناس فيه عن أفعالهم خيرًا وشرًا.
كما أضافت امرأة ثانية أنه عندما كانت في الصف السادس، قام السيد سليم بتقبيلها ولمسها، وقال لها: "أنت تكبرين حقًا", ودفعت المزاعم الجديدة السكرتيرة السابقة للذهاب إلى الشرطة، على الرغم من مخاوف بعض أفراد الأسرة, وأحضرت معها السراويل, وأضافت: "إذا كان هذا حدث في جيل والدي، لما كان اكتشفه أحد حتى الآن".
وأخيرًا، قامت شرطة إلجين ووكلاء النيابة بعمل مقابلات مع النساء الثلاث, ولكن رفضت الرابعة إجراء مقابلة معها، وأعلنت للسلطات أنَّ السيد سليم تحرش بها عندما كانت طالبة في العامين 2002 و 2003، وفقًا لمحاميها السيد ديني.
وقال غلاسكو، محامي سليم، إنه لا يعلم شيئًا عن هذه الادعاءات.
ثم صرَّح سليم، خلال المقابلة، أنه ما زال يقوم التدريس في المدرسة، رغم أنه تقاعد رسميًا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأنَّ ابنه عبيد الله حلّ محله, بينما صرح محاميه بأنه هناك بعض الضمائر الحية التي تحاول أنَّ تواجه ادعاءات قذرة ضد موظف سابق.
وأكد مظفر أنَّ هناك اتهامات بأنه يجلب سمعة سيئة للإسلام في وقت توجد فيه مخاوف من التطرف بجعل الأميركيين يشكون في المسلمين, ولكن ذلك لن يمس الإسلام في شيء؛ فالكاثوليك ليسوا الوحيدين الذين لديهم تحرش جنسي بالأطفال, كذلك المسلمين ليسوا الوحيدين الذين لديهم تطرف.