الرئيسية » أجنبي

دمشق - المغرب اليوم

يتناول الكاتب الفرنسي آلان بلوتيير جوانب من الثورة الرقميّة والثورة الواقعيّة وتداخلهما معا في روايته "حالمون"، ويكون بطلاه تجسيدا للثورتين، أحدهما مرآة للآخر، رغم اختلاف الظروف المحيطة بهما، يربط بينهما سعيهما إلى الهرب من عدوانية الواقع إلى رحابة الأحلام. يتنقّل بلوتيير في روايته –التي نشرتها مؤخرا دار نينوى بدمشق من ترجمة بشرى أبو قاسم- بين القاهرة وباريس ليلتقط مفارقات من حياة مراهقَيْنِ بعيدَيْن عن بعضهما بعضا، كل واحد منهما ينحدر من بيئة مناقضة للأخرى ومن شريحة اجتماعيّة مختلفة، وذلك ليظهر من خلال التغلغل في التفاصيل الداخلية لحياة بطليْه أن أحلام الناس لا تختلف باختلاف البيئة والطبيعة، وأن الحلم لا يفرّق بين طفل ثري وآخر معدوم، بل تجد أن البراءة تطبع تلك الأحلام وتقود دفّتها في بحر الخيال. الفتى الفرنسي الحالم "ناتان" ابن العائلة الثرية يعيش في باريس، والفتى المصري جمعة اليتيم اللقيط الذي لا يعرف له أهلا ولا بيتا يعيش في شوارع القاهرة، محورا الحدث، كل واحد منهما يحلم بتغيير حياته ومستقبله، ينشد ناتان الخروج من قيود الثراء والعيش ببساطة، في حين أن جمعة يحلم بتغيير حياته والظفر بفرصة للوصول إلى فرنسا التي سبقه إليها أشخاص يعرفهم يروون عنها الأساطير. يظهر بلوتيير -المقيم في مصر- كيف أن الحلم قد يكون معبرا إلى الواقع بالنسبة لبعضهم، في حين يكون العكس عند آخرين، بحيث تتعدد المعابر نحو عالم الأحلام، تتشعب لتعبّر عن التوق إلى التغيير المنشود، وقد تؤدّي إلى تيه واقعي وإضاعة درب التكيف والتأقلم وسط المجتمع. يمضي ناتان أوقاته في ترف وبذخ، كل شيء مؤمّن له، يقضي أوقاته في ألعاب الفيديو وفي العالم الافتراضي، يشعر بغربة عن مجتمعه، يلوذ إلى الألعاب التي يستطيع فيها التمتع بقوة تدميريّة هائلة، يجد فيها متنفسا يروّح بها عن الضيق الذي يجثم على صدره. يقع فريسة الملل الذي يدفعه إلى ارتكاب حماقات كثيرة، يكاد يقضي بها على نفسه. أما جمعة فإن الشارع يكون مأواه الدائم، وحين يتجمع المحتجون ضد نظام مبارك في ميدان التحرير يجاهد ليعطي لحياته معنى، ينضمّ إلى الجموع، يهتف مثلهم، يصرخ مغتاظا من ضياعه، يجد كوّة ليطلّ منها إلى الغد عساه يتمكن من المساهمة في تحقيق إنجاز ما. يتقاطع واقع المراهقَين في الرواية، فناتان الذي يلعب ألعابا شرسة في الحاسوب يحارب أعداء مفترضين، يتماهى مع جمعة الذي يحارب مع الملايين لتغيير مستقبلهم، ويهتف لإسقاط النظام ورحيل الرئيس، ويشهد حربا تشنّها عصابات النظام وتودي بالكثيرين، وأحدهم صديق له يسعفه لكنّه لا يستطيع إنقاذ حياته، وتكون موقعة "الجمل" القاهريّة التي خاضها جمعة تحديثا وتجسيدا لحرب إلكترونية يخوضها ناتان في مصر القديمة. التقاطع المفترض يتحول إلى تلاق مصادفة، وذلك حين يختار والد ناتان مصر وجهة سياحية له ليقضي فيها أياما، وعلى ضفاف النيل يصادف ناتان جمعة، يمضي برفقته في مياه النيل أوقاتا ساحرة تكون أجمل من كل أحلامه، يهديه هاتفه الحديث، ويمضي ليترك خلفه أحلاما متعاظمة لدى جمعة في تقمص حال صديقه، وبالمثل يظل يحلم هو بالعودة إلى حضن الطبيعة ويتصالح مع جسده وروحه بعيدا عن قيود المجتمع الباريسي. فنّيا يلجأ الروائي إلى رسم مشاهد متسلسلة، يعبر من حياة ناتان إلى حياة جمعة، وكأنه يكمل سلسلة حياة واحدة، يكون التداخل بينهما حدّ التماهي، يبدأ بمشهد في باريس لينتهي في القاهرة وبالعكس. يبرز بلوتيير كيف أن الأحلام التي تعد الاختصار اللحظي لقصص طويلة تقوّي العزائم وتدفع الحالمين إلى تخوم المجازفة دون أي تردّد. ثم كيف أنها تتحطم في واقع تتواطأ فيه مختلف الأطراف لتحول دون تحقيق ما يصبو إليه الثوّار الحقيقيون وتبقيم بعيدا عن جوهر ما ثاروا من أجله، لتصبح كوابيس تودي بأصحابها وبراءتهم وتعكر صفو حياتهم وتزرع في أرواحهم الخشية والترويع من أية أحلام لا تتوافق مع واقع حالهم. الثورة التي ظلت حديثة العهد ببراعم السعادة ما انفكت تتعرض لمحاولات تبديدها وتحطيم أحلام ثوّارها، يشير الكاتب إلى استمرارية الثورة، واليقين المترع بالأمل يهدهد جمعة الذي يظلّ متشبثا بحلم الخلاص، يحلم بالشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل تحقيق أحلامهم وأحلام الآخرين، لكنّ الواقع الذي يترأى له ويبقيه ساكن الشارع نفسه دون أي تغيير، يرعبه ويبعث لديه حلم التغيير من جديد، لكنه يظل معتقدا أنّه ما زال للإنسانية مكان في ذاك الجحيم المرعب. يشير الروائي من خلال سياق الأحداث إلى رحيل رئيس اللصوص الذي لم يكن سوى دمية متحركة بأيدي الرجال ذوي الزي الموحد والمزركش الذين بدا أن همهم الوحيد هو الاحتفاظ بامتيازاتهم، ويبرز أنهم لم يغادروا أماكنهم إنما أجلوا تحركهم وجرجروا دميتهم إلى المحاكم، مترقّبين استعادة دورهم بشكل أكبر في أوقات تالية. وكأنّه كان في ذلك يستشرف الواقع المصريّ حين يكتب روايته من قبل في القاهرة. يحذّر بلوتيير من اغتيال الأحلام لأنها ستدفع بأجيال برمتها إلى التطرف. فجمعة كمثال من أبناء الشرائح المقموعة يكون أمام خيارين: التطرف أو الهروب. يظل حلم السفر يداعب مخيّلته حين لم تحقّق له الثورة شيئا، لتكون الغربة في انتظاره، وكأن الغربة قدر أمثال هؤلاء في البلد الذي يفترض به أن يكون بلدهم لكنه يلفظهم بعيدا عنه، والبلد الآخر الذي يحضنهم ويبقيهم على تخوم الاندماج.

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

"جزيرة كامينو" أكثر الكتب مبيعًا فى قائمة نيويورك تايمز
بـ 28.5 ألف نسخة فى أسبوع "النار والغضب "…
"أدب الواقع أولى من الخيال" المزيج المميز لمهابط الحياة
مبيعات "النباتي" تسجل 20 ألف نسخة خلال نهاية الأسبوع
قائمة نيويورك تايمز لأعلى مبيعات الكتب في الأسبوع الأخير

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة