بقلم : أحمد الغرباوي
كَمْ هُو قَاس حُضور غِيْابَها..؟
كَمْ هُو قَاس عَدم لفّ رُوحى بِحَفِيف أريج جِينزها.. وترنِيمات أظافرها عَلى بَاب مَكتبى.. إعلان رِضى ربّى.. وتأكيده لمِنّة حُبّى.. في إعْلَان الجنّة بِتَماسّ يَدها.. ومَسّ حِسّى في مُصافحتها.. واحتضان روحى لها كُلّ صَباح..؟
كَمْ هٌو قاس بُعَادِها.. ولو بَعد حَين..
حتى ولو لم تَعرف..؟
حَتى ولو لم تَشعر بِفدَاحة ذلك عِند غَيْرها..!
كَمْ هِى تتألم كُلّ الأمْكِنَة التي يَحيْاها نَبض حِسّها.. وتَشعر بِداخلها زَمن مرورك بِها..
كئيبة مَلامح الوجوه.. غَيْم أسود فجأة يَكسو جُدران حجرتها.. سقف يَدنو ويَدنو مِن رُءوس الحضور.. لامَعنى يَنطلق بَيْن الأفواه.. الشِفاه تتحرك بِلا إحْسَاس.. ضجيج وطحن فارغ.. تماثيل تتمايْل في لِيْونة.. مَتحف نماذج بَشريّة بِلا..
بِلا حَيْاة..!
حَاضر مَبْتور يَعجّ بأشباح.. ابتسامة صَامتة عَلى ثَغر جَاف لاتَكْتَمِل أبدًا بنهايْة الشَفتيْن.. ورَائحة كَريهة تَحْمِلها الأحْرف عِنوة.. تَتناثر مِن صَناديق عَطبة..!
ولمَا لا..
ومَا الإنسان غَيْر ظلّ تاريخ.. وظِلال أيّام وشهور وسنين عَلى مَرّ الزَمان..!
ولمَا لا.. ومَا الإنسان غَيْر آثار مَكان في زَمنٍ مَا..!
فما بَال رُوح تَحيْا حَيْاتها..!
ما جَدوى أي شَىء فِى غِيْابها..؟
ولا مَعنى في أدْنَى ولا أقصى سِموّ شَىء في غِيْابَها..!
فأنّى لشمسٍ بِلا نُور..؟
ولا قَمر بِلا سَما مَهما.. مَهْمَا أنَار وعَلى..!
ولا سَواد.. بِلا ليْل مَهْمَا افترش الكَون واتسع مَدى..؟
اليَوم هِى..
اليَوم هي والبحر وبُعَادها..
وَهُو..
وَهُو لايَزال فِى الجَانب الآخر ورَحيل زَمنه..!
هو لايَزل يَكتب مِنها ولَها وإليْها..
يَكْتُب لَها.. رَغم أخذها كُلّ شَىء مِنه..؟
حُضورها وبَحره وعِشق رُوحه..؟
وتظلّ أثيرة وَجده..
مَتاهات وَقنديل رُوحه..؟
فمَا..
مَا أقسى رَجْفة المَوت بَيْن صَمتها وبُعادها..؟
ماأقسى عَذابات رَحيل زَمنه وظِلال غِيْابها..؟
ويَتردّد صَدى الرُوح فِى أسَى العَيْن.. أيْن..
أيْن أنتِ..؟
ربّما تمارسين لهو الأطفال فِى لِعبة الاختفاء..؟
ربّما فِى الحَمّام..؟
ربّما توقعين أوراق.. أو تصوّرين مُستندات..؟
ربّما نَسيْتِ إحضار أكل.. وتريّضت قليلا للشراء.. ولكنك..
نعم ستعودين.. أليْس كَذلك.. عَائدة أنتِ..
في حجرتك لاشىء.. لاشىء غَيْر مِقعد مُؤلم.. وَجع وافتراش حُزن..؟
حَتى صُورتك عَلى الجِدار.. يا آلهى.. أيْن هي..؟
أخشى يفضحنى لَهفى المُقدّس.. وأخاف عَليْك مِنْ حُمرة الخجل التي عَلى سَفح وَجهى.. يرون مَلامح رَسْمِك.. سَمت حُور عِين الجنّة.. ذاك العِلوّ.. مَا يَغيرون مِنْه رُقيًّا ورِقّة.. وغَصب عَنّى أطيل التأمّل لسطح مَكتبك.. ربّما يُعلن سِرّ إباء رُوحى.. وهِى تَحتضر في الخَفاء.. تعلن سِرّ جُروحى..؟
لست.. لستُ أدرى حَبيبتى..
إلى أي مَدى وَصل عَجزى وأفصح وَهنى..؟
أم مَسّ فيْضى مَرمى بَصر غيْرى..؟
سَامِحنى حَبيبى..؟
اعذرنى..؟
صَمتٌ في غِيْاب.. و
وبَيْن الصمت والغِيْاب لازِلتِ..لازِلتِ أنتِ..؟
يا آلهى..
ما أقسى أن تَجتمع الحَيْاة في إنسان..!
شَبعتُ مِنْ الحُزن.. سَئمتُ طول النوم انتظارًا لما يجىء.. وإسْدال سِتار الدُجى بُكاء..!
بُكاء ( روح ) تَترقّب أفقًا.. وحِصاد خيْباَت سُهاد يَلتمس سَحْرَا ربّما..
ربّما يَفتح ممرّا.. يتسلّل إليْه سَفرها الطويل.. ولو لمُجرد انتظار..
انتظار مَحطّات أبديّة..
أبديّة رحيل..!
،،،،،،
بِعَدد خصلات شَعره الأبيْض.. تكسو رأسه مِنذ مَهد شَبابُه..
ومِثل أوحد وتفرّد وتميّز حُبّه لها.. ما ذنبّه في رَحيل زَمنه.. ولم تكُن بِه.. ولم يُغادر حُبّه لها..؟
قَدرُه بَيْاض شَعره ونَصاعة في عِشْقُه.. تضغط عَلى قلبه يَوميّا ليبعد عَنها.. دُون جَدوى..
رَغم أن زَبد البَحر أشدّ بيْاضًا مِنْ شَيْبه.. ولا يَظلّ في عُمر الكَون.. منذ بِدء الخَلق ومُنتهى حُبّه.. يَدفعه عِنفوان مُوجه حَنين شوق ودوام لُهاث حُضن للرمل شطّ..!
ومَا عَاقه.. ولاتَهادى زَحفًا دَعوة سكون رِيح.. أو هَربًا من مُرّ مَىّ..!
وتَمرّ سَنوات مِزدوجة.. تَحول بَيْنهما.. وبكم آلاف الأمتار التي تجرى بَيْنهما مَددًا..
وببعثرة مَلايين ذرات حُبَيْبَات الرمل الذهبيّة.. التي في لون نينّى عَيْنَيْها.. وحَفيف نِتف الزْبَد القطنى.. تتسلّل خدرًا.. تَمسح نَدبات خَديّها.. وتداعب العَبْق المُتطايْر مِن غمّازة خَليّة النحل المصفىّ شَهدًا.. نائمة عَلى جَانبىّ خدّ واحد دُون تَوأمه.. حِلوة هِى قطيْرات تزخ الروح حِسًّا.. وحلم السكن الأبدى عَلى نافذة حُجرتها..!
أحببتك حَيْاة..
حَيْاة نَهر..!
والبَحر حَيْاة..
وبِدون البَحر.. يَجفّ.. و
يَموت نَهر الحُبّ..!
مَاجَدوى..
مَاجَدوى حَيْاة وأنتِ.. ولازِلت
بُعْدى..؟
ومثل حُبّى جِئتِ
ربّى رَماكِ رسالة..
زجاجة فِى يَمّ بَحْرِى.. أم
شِئتِ..؟
بَكثير قبلك وُلدتُ
وأتيْتِ بَعدى..؟
سَامحينى..؟
ودون أن أدرى..
غدوتِ.. و
ولازِلتِ حبيبتى
حبيبتى..!
،،،،،
حُبّ صَلد.. جَلِدْ..
ربّما في مَنّ الربّ جبال مُوسى بطور سيناء.. نَقاء وطُهر أرض.. وإحرام نفس في رِحَابها..!
جذور ضاربة في عُمق الخليج.. وقِمم تخترق السُحب..؟
وتأتى أنتِ حبَيبتى في الجَانب الآخر الذي ليْس فيه.. عِناد زَمن..؟
فما سكنت الروح غَرقًا.. ولا صَعقتها ضربات رَعد..!
كم هو قاسى غِيْابَها..
رَجفة البُعاد في تفريط وإفراط.. وهَدم جُسور وَصل.. وتَمزّق خِيْوط حَرير صِدق شَجن في أنفاس وَجد.. يسافر.. يَرحل..
يَرحل كَما رَحل الزمان بَيْننا.. ولم يَعُد..
لم تَعُد لنا غيْر ظِلال الأيّام عبر مَسافات الزَمن..!
،،،،،
حَبيبتى..
قدرى أن تَكونى الأولى والأخيرة..
في حَيْاتى امرأة وَاحدة.. لم اقترن بِها.. ولن أنجب مِنها..!
وبيْن صَمت وبُعَاد تغيب..
يوم تَروح وَلا.. لاتَعود.. حَتميّة أبَدْ..
أبَدْ رَبّانى.. مُتناثر.. مِنْ حِكر الجنّة..!
تبعد ونايْات أنفاسها.. شلالات شَعرها.. يتدثّر ويَتستّر بقدسيّة حِجابها..
المرّة الأولى والأخيرة.. و
والمرأة الأولى والأخيرة..!
ربّما لم تولد بَعد.. وقد توهّمتها..!
ربّما لم تولد..
ولن تَموت بَعد..!
،،،،،
صَوتى يَرتدى ثَوب التَمرّد..
ومَاكان إلا هَمس الشفق في استئذان السَحر.. والتوارى حَيْاءًا مِنْ الفجر..!
وتختفى خُضرة رُوحى.. منذ افتقاد النظر إلى عَيْنيْك.. وتتعرّى الأغصان في بَضّ ربيع المشاعر وندىّ الوِجدان طعماَ ولوناَ.. ويَتلاشى الضِلّ فِى طىّ الزمَان..
وعن اللون الوَردى في حُمرة الشمس وَقت الغروب.. لكن البَحر يَنْسَى.. لايتذكّر إلّا لون وجنتيْكِ يَوم مَسّ رَذاذ مُوجة حِسّك.. مُتخطيًّا أجْسَاد عُراة.. وقد تَحوّل الشَطّ إلى رَماد..
رَماد فِى حَنْجرة البُعَاد..!
وَمِنْ ضوئها تَتعرّى شَمس.. وبَيْن دُخّان ضّيّاع وحَريق شرد.. تترنّح الأقدام عَلى غَيْر هُدى..
وتضيق قنّينة العِشق بنوء سطور رِسَالة حُبّها..؟
وكُلّ القوارب تَدْفَعها رِيح البُعَاد.. وأشرعة.. أشْرِعَة من نسيج كفن.. غَزل مِوَاتْ..!
وصرخة رُوح تولد غريبة بيْن أشلاء جَسدى عَلى حَافة سقوط العُمر حَيْث.. حَيْث أتيْتِ ورَحلتِ..؟
وفى مُدن الغُربة.. ووجع ألم أزقّتها المُوحِشَة.. يَفْتَرِشَنى الصَمت..
فلِمَا البُعاد..؟
وقد التحفتِ عَتمة وجودى مِنْ السَما ضِيْاء..!
وفى الله..
في الله افتقد (عِشق رُوحى) وَرع الحيْاة سَجْدة قِيْام ليل.. وَتَكْبِيرة صَلاة فَجر..!
يَا رب..
يا رب..؟