بغداد - نجلاء الطائي
من الامور المثيرة للجدل في العلاقة الزوجية هو فارق السن بين الزوجين , فالبعض لايرى مانعا لزواج الرجل بفتاة قد تصغره بعشرات السنين , وهناك من يرفض زواج الرجل بأمرأة قد تكبره بعدة سنوات , فيما البعض الاخر يرى الامر طبيعياً مادام هناك تفاهم وتوافق فكري وهنا لايقف العمر عائقا بينهما , وحتى فارق السن نفسه هناك من يرى له بعض الايجابيات مثل تعويض حنان ابوي مفقود , وتحقيق بعض الامان المادي , والحد من نسبة العنوسة التي بلغت نسبة لايستهان بها في مجتمعنا .
لكن فارق السن لا يمنع السعادة ووجود تجارب ناجحة، فالزوج يمكنه أن يعوض فارق السن بينه وبين زوجته بمزيد من الاحتواء الإنساني والعاطفي الأقرب للأبوة . والزوجة الاكبر سنا من زوجها يمكنها ان تمنح زوجها الحنان والاستقرارالنفسي . وبالمقابل هنالك زيجات أخرى تحطمت بسبب فارق السن وعدم تقارب الأفكار والمشاعر، مما يشير إلى ان المسألة جزء من المشاكل التي يتعرض لها الأزواج وليست هي السبب الوحيد.
وتبرز في المجتمع العراقي ظاهرة إقبال الشباب على الزواج من الكبيرات في السن، وهذه الظاهرة وان تزامنت مع الإقبال على الزواج من الصغيرات إلا أنها لا تثير الكثير من اللغط، بل ان هناك من يدعو إلى تشجيعها او الثناء عليها لانها تسهم في معالجة ظاهرة الارامل والمطلقات من جانب، وتبث بين الشباب روح المسؤولية وتبعدهم عن مخاطر الانزلاق في نشاطات عنفية أو غير أخلاقية.
من بين هؤلاء الشباب التقينا وليد خالد (24 سنة) الذي تزوج امرأة تكبره بخمس وعشرين سنة. ويتحدث خالد أن علاقته بزوجته بدأت حين أدار دكانا لبيع الأقمشة تملكه زوجته لتتطور العلاقة بينهما إلى علاقة زواج. ويرى خالد زواجه ناجحا، ولاسيما انه منسجم مع زوجته الى حد كبير.
ويتابع: "لم (تقصر) معي زوجتي فقد اشترت لي سيارة حديثة وجعلتني مدير اعمالها التجارية، وكان ثمرة زواجنا اننا توسعنا في العمل، ونجحنا في بناء سكن جديد. ويأمل خالد أن يرزقه الله بطفل".
ورغم ان الغالب في المجتمع العراقي هو زواج الرجل من امرأة تقاربه في السن أو يكبرها في حدود ثلاث الى ست سنوات، فان هناك الكثير من الزيجات التي تشذ عن ذلك.
من جانب آخر، يشير الباحث الاجتماعي حسن الجنابي الى انه مهما كان نوع الزواج إلا أن الرجل هو المعيل الأساسي للأسرة، فهو المسؤول عن كسب الرزق، لكن في حالة زواج الشاب من امرأة تكبره سنا، فان هناك الكثير من الحالات التي يعتمد فيها الرجل اقتصاديا على زوجته التي غالبا ما تكون متهيئة نفسيا وماديا لهذا الأمر.
ويعترف محمود العبيدي من الصالحية في بغداد بانتشار الظاهرة، ويحصرها بين الارامل والمطلقات والعوانس اللواتي تتراوح اعمارهن مابين (40 الى 55 عاما) اما الازواج الشباب فتتفاوت اعمارهم بين العشرين الى الخامسة والثلاثين عاما.
ويشير العبيدي الى ابن أخيه (20 سنة) الذي تزوج من امرأة بعمر الخامسة والأربعين، مؤكدا انه زواج ناجح، فقد اتاح لهما الزواج العيش في بيت مشترك، ونجحت الزوجة في تأمين عمل لزوجها عبر شراء سيارة تاكسي تعيلهما في حياتهما.
لكن الباحث الاجتماعي خالد الاسدي يكشف عن اسباب اقتصادية واجتماعية وراء انتشار هذا النوع من الزيجات ولاسيما ان المجتمع العراقي يمتاز بكثرة الارامل كأحد افرازات الحروب التي مر بها البلد.
ويتابع: "اغلب حالات الزواج تحدث لشعور المرأة بالوحدة ورغبتها في رجل الى جانبها، مقابل أعداد كبيرة من الشباب غير المتزوج". وبحسب الاسدي، فإن بعض الزيجات تحدث بين نساء ذوات مركز اقتصادي جيد وشباب عاطل عن العمل، ليتحقق بذلك توازن اجتماعي واقتصادي يصب في صالح المجتمع.
ووفق احصائيات وزارة التخطيط العراقية للعام 2007، فإن عدد المطلقات والأرامل في العراق اقترب من مليون امرأة، من مجموع 8,5 ملايين امرأة في العراق تتراوح اعمارهن بين الخامسة عشرة والثمانين من العمر.
لكن بعض الشباب يفسر الامر على غير المعتاد، منهم الشاب طريف يوسف( 25 سنة ) الذي يرى ان الكثير من النساء ترغب في مواصفات زوج شبابية له القدرة على إشباعها عاطفيا. وتفيد احصائيات مجلس القضاء الاعلى للعام 2011 بارتفاع حالات الزواج بشكل مضطرد.
لكن السؤال الذي تطرحه الناشطة النسوية فاطمة الربيعي..هل هذا الزواج متوازن وهل له مستقبل؟.
فمن وجهة نظرها انه زواج قصير العمر كما دلت التجارب حين تنتفي الاسباب التي أدت إلى الزواج. وتروي الربيعي قصة زواج صديقة لها (50 سنة) من شاب ثلاثيني بعدما سئمت حياة الوحدة. وبعد نحو اربع سنوات كان الطلاق بسبب فارق العمر الذي يولد فوارق ثقافية، ناهيك عن الفروق الطبقية واختلاف الرؤى والاهتمامات بين الطرفين.
الشاب رحيم الشمري (26 سنة) تزوج من امرأة (50 سنة) لأسباب اقتصادية، فقد كان يعتقد ان زواجه سيوفر له بيتا ويجعل حياته سهلة، لكن بعد سنوات من الزواج صاحبه عدم انجاب اطفال اضافة الى مشاكل في التفاهم والإقناع اضطر الى الطلاق بالتراضي مع الزوجة بعد ان ادرك الاثنان صعوبة الاستمرار في العيش تحت سقف واحد.
لكن الامر مع محمد علوان يختلف كثيرا، فقد تزوج منذ نحو خمس سنوات من أرملة تكبره بعشرين عاما، وما زال يعيش حياة الاستقرار والسعادة.
شاب آخر هو سمير حميد ( 28 سنة ) يرغب في الزواج، حتى من امرأة تكبره سنا، فالمهم عنده هو الاستقرار.
ويضيف: "اذا كانت المرأة غنية الى حد ما وتستطيع ان تؤمن لي عملا فيمكنني الزواج منها".
أما محسن فاضل (28 سنة) فقد تزوج ايضا من امرأة تكبره بخمسة عشر عاما، بعدما ادرك انها امرأة فاضلة وتعمل في وظيفة محترمة في احد البنوك.
يقول فاضل: "زرت البنك ذات يوم وحين تكلمت معها ادركت للوهلة الاولى انها يمكن أن تكون زوجة لي. وتعترف أمينة حسن ( 45 سنة ) انها تزوجت شابا في بداية الثلاثينات بعدما وجدت نفسها وسط مجتمع يصفها بالعانس، مؤكدة ان الزواج ناجح، ومنذ نحو سنتين لم تحدث اية مشاكل.
وتتعدد مشاريع الزواج من هذا القبيل في العراق الى درجة ان بعض الشباب يتزوج من ارملة وأم لأطفال، كما هي حالة لؤي الكعبي (33 سنة) الذي اقترن بأرملة لها أربعة أطفال.
وبحسب الكعبي، فان الحب لا يعرف سنا او ظرفا، مؤكدا أن زواجه ليس بدواعي المصلحة.
وتقول رؤى علي موظفة من سابع المستحيلات ان أتزوج بمن هو أصغر مني سنا , فهذه الفكرة بعيدة عني كليا , لان مثل هذا الزواج يمكن أن يحدث مشاكل في المستقبل بين الزوجين لعدة أسباب، أهمها نظرة المجتمع والأهل التي حتما ستؤثر على الزوجين مع مرور الأيام.
ويضيف عبد الحسين الساعدي (اعمال حرة) الفارق العمري بين الزوجين عامل مهم لإنجاح الزواج، والأفضل ألا يقل عن ثماني سنوات وألا يزيد عن خمس عشرة سنة، وذلك لأن المرأة تشيخ قبل الرجل بسبب الحمل والانجاب وتعب البيت، وهذا يؤثر على شكلها الخارجي، ما قد يدفع الزوج أحياناً للبحث عن علاقات خارج منزله توفر له ما يفتقده في زوجته، أي الشكل الجميل، والعمر الصغير، التي قد يستمتع معها أكثر من الزوجة المقاربة له بالعمر.
من جهته يؤكد رجل الدين سعد المؤمن من مدينة الكاظم أن الزواج من امراة تكبر الرجل سنا مباح في الاسلام، فقد قال النبي: "تنكح المرأة لمالها ودينها وجمالها ونسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك". ولم يحدد الحديث الشريف عمرا معينا للارتباط. ويتابع: تزوج النبي الكريم السيدة خديجة وكان عمرها خمسين.
وفي هذا الإطار حذرت دراسة المانية النساء من أن الزواج من رجال أصغر سنا يعجل من احتمالات إرسالهن إلى القبور مبكرا، وتقول الدراسة، التي نشرت تفاصيلها في دورية "الديموغرافيا" إن الاقتران بشريك حياة أصغر سنا قد يزيد من احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة 20 في المئة. إلا أن المخاطر لا تتوقف عند ذلك فحسب، فالزواج برجل أكبر سنا لا يقل خطورة بدوره، استنادا إلى خلاصة مستقاة من بيانات ما يقرب من مليوني زوج وزوجة من الدانمارك، وتوصي الدراسة بتقارب عمري الزوجة والزوج، كأفضل خيار "صحي" للزواج.