باريس - المغرب اليوم
من شهادات تبث على الإذاعات عن معاناة نساء تعرضن للاغتصاب، إلى نداء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لمواجهة ظاهرة التحرش التي تزداد انتشاراً وكسر حاجز الصمت، لا تزال الطريق طويلة أمام فرنسا لتوقظ مجتمعاً يعيش في حالة إنكار ويولي أهمية كبرى لمفهوم الرجولة.
وتروي آن بصوت مرتجف كيف دخل زوجها لويس الحمام "في إحدى الليالي عندما كنت أتبرج واغتصبني، فكانت بداية معاناتي، وفضلت أن أصمت لأني كنت أخشى الطلاق، لكن ينبغي ألا يتحمل أحد ذلك".
وشهادة آن هي واحدة من بين شهادات عدة تبث منذ السبت عبر أثير الإذاعات الفرنسية، لتشجيع الضحايا على الخروج عن صمت يلتزمنه حياء أو شعوراً منهن بالذنب، وهذه المبادرة تأتي ثمرة لجهود الجمعية النسوية لمكافحة الاغتصاب.
ففي فرنسا، تقع أكثر من 86 ألف امرأة ضحية الاغتصاب أو محاولة اغتصاب كل سنة، ولا يتقدم بشكوى سوى 13% من الضحايا، و1% من الشكاوى لا غير تفضي إلى أحكام إدانة قضائية.
وقالت المسؤولة في الجمعية النسوية لمكافحة الاغتصاب ماري فرانس كازاليس إن "كسر الصمت هو المرحلة الأولى من مسار إعادة التأهيل".
وفي ظل التفاوت القائم بين الأفعال والإجراءات الجنائية، تطالب الجمعية بتحقيقات منهجية تطلق إثر التقدم بالشكاوى وباعتبار الاعتداءات الجنسية جرائم وليست جنحاً، لفرض عقوبات أكثر قسوة.
وفي فرنسا يعتبر الاغتصاب الذي يرتكب، بصرف النظر عن طبيعته، "بالعنف أو الاكراه أو التهديد أو المباغتة"، جريمة قد تؤدي إلى سجن منفذها 15 سنة أو حتى 20 سنة عند ارتكابها في ظروف مشددة للعقوبة، مثل الاغتصاب الزوجي أو اغتصاب امرأة مريضة أو معوقة أو حامل، فضلاً عن الاغتصاب تحت تهديد السلاح.
غير أن دراسة عن مفهوم الاغتصاب في نظر الفرنسيين نشرت للمرة الأولى الأسبوع الماضي بمبادرة من جميعة "ميموار تروماتيك إيه فيكتيمولوجي"، أثارت صدمة مع إظهارها استمرار صور نمطية لا تزال راسخة في العقليات حول هذه المسألة.
وهي بينت مثلاً أن 4 فرنسيين من أصل 10 يعتبرون أن المغتصب ليس مسؤولاً بالكامل عن فعلته.
مفاهيم ذكورية مضخمة
وأكدت رئيسة الجمعية موريال سالمونا أن الوضع لا يزال محكوماً بقاعدة الصمت والنكران والإفلات من العقوبة، وغياب الاعتراف بحقوق الضحايا والحماية اللازمة والتخلي عن قضيتهن.
وأقر الرئيس الفرنسي في مقابلة هي الأولى له مع مجلة نسائية منذ انتخابه سنة 2012، بأعمال التحرش التي تتعرض لها النساء في فرنسا، والتي يستخف بخطورتها بشكل فادح.
وقال في العدد الأخير من مجلة "إيل" النسائية، إن التحرش الشفهي أو الجسدي الذي يطال النساء بات "ظاهرة واسعة الانتشار ينبغي مواجهتها لأنها تمس بقيم الحياة المشتركة"، منتهزاً الفرصة للإعلان عن "مبادرات جديدة".
وتساءلت الدراسة في ختامها إذا لا تزال فرنسا مجتمعاً يميز بين المرأة والرجل، ورداً على هذا السؤال، أشار عالم الاجتماع فرنسوا دو سيغلي إلى أن "المجتمع لا يزال يبجل مفهوم الرجولة الذي يحوي في طياته مبدأ العنف السائد خلال الحرب والمنافسة، ولا يجرؤ أحد على إدانة هذا التفسير للرجولة".
ودعا العالم إلى إعادة النظر في القيم التي يغرسها الأهل في أذهان ابنائهم، فضلاً عن منع العقوبات الجسدية التي يفرضها الأهل على أطفالهم، والتي تشرع مفهوم العنف عند الصغار.
وانتقد مجلس أوروبا العام الماضي فرنسا لأنها لم تحظر صراحة العقوبات الجسدية، مثل الصفعات، على غرار أغلبية البلدان الأوروبية.
وقال فرنسوا دو سيغلي ختاما إن "أي خطاب عن الاغتصاب لن يكون صادقاً، طالما لم يتم حظر العقوبات الجسدية".