دمشق ـ وكالات
العديد من النساء السوريات لا يرغبن في الحمل بسبب انعدام وسائل الرعاية الصحية، ولخوفهن من عدم القدرة على إطعام فرد جديد في عائلتهن. عندما يتحدث عمال الإغاثة التابعون لصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى النساء داخل سوريا -اللواتي تعرض الكثير منهن للنزوح من منازلهن ويعشن في ملاجئ جماعية مكتظة-، تشير العديدات منهن إلى أنهن مستعدات لأي شيء إلا الحمل. وفي هذا الإطار، قالت ليلى بكر، الممثلة لصندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا “لا ترغب النساء في الحمل في أماكن الإيواء… وهو أمر متفق عليه نراه في كل مكان… إذ لا يوجد مكان لرعاية المولود الجديد، كما أنه فرد إضافي بحاجة إلى الطعام”. بالإضافة إلى ذلك، تخشى النساء من حدوث مضاعفات الولادة حيث باتت القدرة على الحصول على الرعاية خلال فترة الحمل وخدمات الولادة الآمنة، بما في ذلك حالات الولادة الطارئة، محدودة للغاية في البلاد. إلا أن صندوق الأمم المتحدة للسكان يقدر أن حوالي 250.000 امرأة في سوريا وداخل مخيمات اللاجئين سيصبحن حوامل بحلول نهاية عام 2013. وعقب مرور أكثر من عامين على الصراع، تهاوى نظام الرعاية الصحية في سوريا حيث دُمرت المستشفيات وفر العاملون في مجال الخدمات الطبية من البلاد، وتعطلت طرق الإمداد، كما أن أدوات تنظيم الأسرة غير متاحة بسهولة في كثير من الأماكن. اكتشفت فادية سلامة أنها حامل عقب وصولها إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين بشمال الأردن، إذ لم يكن أي مخزون من وسائل منع الحمل متوفراً في المركز الطبي في بلدتها في ضواحي حماة “التي شهدت قصفاً ثقيلاً”، ولذلك توقفت عن تناول حبوب منع الحمل. وقالت فادية لشبكة الأنباء الإنسانية “إيرين” في مخيم الزعتري حيث سعت للحصول على المساعدة من العيادة الطبية التابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان: “لقد نفد كل شيء من قريتنا… الغذاء والخبز والدواء”. وفي عام 2012، قام صندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا بتوزيع ما يقرب من 1.5 مليون من حبوب تنظيم الأسرة، و40.000 حقنة لمنع الحمل و45.000 مانع حمل رحمي و21.000 واق في المحافظات المتضررة من النزاع. إلا أن الشحنات غير منتظمة ولا تلبي المستوى المرتفع من الاحتياجات. من ناحية أخرى، تقوم فرق العمل المتنقلة التابعة للصندوق بزيارة مخيمات اللاجئين، وتوفير الرعاية الصحية النسائية وتوزيع قسائم يمكن للمرأة استخدامها للحصول على خدمات الرعاية الصحية النفاسية وحالات الولادة الطارئة بالعيادة التي يخترنها. وقد استمرت وزارة الصحة السورية في مزاولة نشاطها طوال فترة الأزمة، ولازالت بعض عنابر الولادة والمستشفيات التعليمية تقدم خدمات الولادة أو الرعاية الصحية للأمهات. ويواجه النازحون داخلياً تحديات إضافية تتعلق بتنظيم الأسرة والجنس غير الآمن نتيجة ظروف المعيشة المزدحمة، وخاصة في مخيمات اللاجئين المشتركة. ويقدر الصندوق أن 1.65 مليون امرأة في سن الإنجاب ستكون نازحة داخلياً بحلول نهاية عام 2013. وعلى الرغم من أنهم قد لا يرغبون في إنجاب أطفال، إلا أن الأزواج النازحين مازالوا يرغبون في ممارسة الجنس، حتى أنهم طالبوا هيئات المعونة بإنشاء ما وصفوه “بغرفة الزوجية” في أحد الملاجئ في ريف دمشق، من أجل توفير الخصوصية. وقالت بيكر إن الصندوق لم يستطع بعد إجراء مسح لتحديد حجم المشكلة، ولكن على الأقل في العاصمة دمشق، تم رصد عدد متزايد من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي خلال الزيارات الروتينية للمراكز الصحية. وأضافت: “نحن قلقون حقاً من أن يصبح الحمل غير المرغوب فيه والأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي مشكلة في سوريا بعد أن لم تكن كذلك في السابق. فعند حدوث حمل غير مرغوب فيه أو الإصابة بمرض منقول جنسياً، لن يكون لدى الناس -بالضرورة- إمكانية الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها”. وفي فترة ما قبل الصراع، كانت 96 بالمائة من حالات الولادة في سوريا تتم -سواء في المنزل أو في المستشفى- بمساعدة قابلة ماهرة، إلا أن نظام التسجيل الذي اتسم بالقوة سابقاً قد تهاوى مع استمرار النزاع. وعلى هذا النحو، وعلى الرغم من عدم توافر الأرقام الإحصائية إلا أن بيكر تعتقد في أن الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال حديثي الولادة أيضاً في ازدياد. وقد أخبر الشركاء بيكر عن امرأتين في وسط مدينة حمص لقيتا حتفهما خلال الأشهر الأخيرة عقب خضوعهما لعملية ولادة من دون تخدير. وقد حدث ذلك نتيجة نفاد الأدوية وعدم إمكانية إعادة توفيرها بسبب الصعوبة الشديدة لتمريرها عبر الخطوط الأمامية للمعركة. والجدير بالذكر أن الأطباء قد أجروا عملية على إحداهما لإنقاذ طفلتها الرضيعة. وقد بلغت الطفلة من العمر أربعة أشهر الآن حيث تتولى جدتها رعايتها. أما مصير الطفل الثاني فما يزال مجهولاً. كما أن الولادة بواسطة العملية القيصرية ارتفعت من 3 إلى 5 مرات، أعلى من معدلها في الظروف العادية، وعن ذلك قالت بيكر: “تقوم النساء بتحديد موعد العملية مقدماً في محاولة منهن لتجنب الاضطرار إلى الإسراع إلى المستشفى في ظل ظروف لا يمكن التنبؤ بها، والتي غالباً ما تكون خطرة “. وفي أحد مستشفيات حمص، تتم ولادة 75 بالمائة من إجمالي عدد الأطفال باستخدام العمليات الجراحية. وتضطر النساء عادة إلى المشي أو استقلال الحافلة للرجوع إلى المنزل في غضون ساعات من انتهاء العملية، وذلك بسبب انعدام الأمن العام والخوف من عدم التمكن من الوصول إلى المنزل. كما لا يرافقهن أزواجهن خلال الولادة خوفاً من الاعتقال أثناء وجودهم بالمستشفى. ولكن حتى مع التخطيط المسبق، قد يواجه بعضهن عقبات ومشاكل. ففي 5 مايو، تم الإبلاغ عن ضرب قذائف هاون على مستشفى الإحالة الرئيسي المتخصص في صحة الأمهات في سوريا، ومقره دمشق، مما ألحق أضراراً بالغة به، في الوقت الذي كانت فيه إحدى النساء على طاولة العمليات، استعداداً لإجراء جراحة قيصرية. وحسب ما صرحت به إليزابيث هوف، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، والتي زارت المستشفى عقب القصف بوقت قصير، فإن المرأة أصيبت بالذعر، وسحبت أنبوب القسطرة ووسائل الحقن الوريدي، وركضت. كما أجهضت امرأتان أخريان جراء الصدمة. وقالت هوف أنه لا يُسمح ببقاء النساء في المستشفى لمدة تتجاوز ثماني ساعات، وذلك بسبب العدد المتزايد من المرضى وعدم وجود أسرّة كافية. وفي أواخر العام الماضي، أبلغ طبيب بمنظمة الصحة العالمية عن ارتفاع في حالات “الإجهاض غير المكتمل”. وتجدر الإشارة إلى أن الإجهاض يعد عملاً غير قانوني في سوريا، ولذلك تقوم النساء، بدلاً من ذلك، بتناول حبوب منع الحمل التي لا تعمل في كل الأحيان. وأضافت هوف: “إنهن لا يعرفن كيف سيواجهن الحمل بسبب كل هذه الصعوبات، ووجود طفل آخر يحتاج إلى تلبية احتياجاته في حين أنهن بالكاد يستطعن تلبية احتياجات أطفالهن الآخرين”. ولكن فقط عبر الحدود، في مخيم الزعتري، المقام في منطقة ترابية في الأردن والذي يشهد تزايداً في أعداد اللاجئين السوريين، تختلف اتجاهات الولادة بصورة تامة وتقول العديد من النساء أن ظروف المخيم “غير مناسبة” لإنجاب الأطفال، حيث تدعو حملة إلكترونية تنظمها مجموعة النساء السوريات “لاجئات لا سبايا” اللاجئات إلى تأجيل الحمل لحين العودة إلى سوريا.