واشنطن ـ المغرب اليوم
تزيد الكليات والجامعات الأميركية من برامج الماجستير التي تقدمها استجابة لإقبال الشباب المحترفين على الدراسات العليا؛ في إطار سعيهم للتقدم في مجال أعمالهم ورفع مستوى أرباحهم من الدخل. وارتفع عدد شهادات الماجستير منذ عام 2000 إلى 2012 بنسبة 63 في المائة، كما توضح لنا بيانات الحكومة الفيدرالية بزيادة تقدر بنحو 18 في المائة عن شهادات البكالوريوس. ويعد هذا مؤشرا لتحول هادئ - لكنه عميق - في الكثير من الجامعات العريقة، التي تركز أكثر من أي وقت مضى على التدريب المتعلق بالوظيفة. وتنظر الكثير من الجامعات إلى درجة الماجستير، التي عادة ما تتراوح تكلفة الحصول عليها ما بين 20 ألف و30 ألف دولار، كوسيلة لجني المال في وقت الأزمة المالية، في حين يراها الطلبة وسيلة للترقي أو لدخول مجالات عمل جديدة بالنسبة إليهم. وبالنسبة إلى الطلبة كذلك، يفوق إغراء احتمالية زيادة رواتبهم بمقدار آلاف الدولارات سنويا، بفضل هذه الشهادات، مخاطرة دفع مصروفات كبيرة - وربما الاستدانة - من أجل دفع المصروفات. وتعد واشنطن نموذجا يوضح هذا التوجه. وتقدم كل من جامعة جورج واشنطن وجورج تاون وجونز هوبكينز، درجات ماجستير أكثر من درجات البكالوريوس سنويا؛ بحسب تحليل لإحصاءات الحكومة الفيدرالية نشرته صحيفة «واشنطن بوست». وعلى سبيل المثال، قدمت جامعة جورج تاون 1,871 شهادة بكالوريوس و2,838 شهادة ماجستير عام 2012. وارتفع عدد شهادات البكالوريوس سنويا بنسبة 12 في المائة على مدى الثمانية أعوام الماضية، في حين زاد عدد شهادات الماجستير الممنوحة بنسبة 82 في المائة. وحصل دوغ ستون، محلل في وزارة الأمن الداخلي، يبلغ من العمر 28 عاما، خلال الشهر الحالي على شهادة الماجستير في العلاقات العامة واتصالات الشركات من جامعة جورج تاون، والتي كلفته نحو 27 ألف دولار. ويرى دوغ أن شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، التي حصل عليها من جامعة ولاية أوهايو، ليست كافية في مدينة تعج بالحاصلين على الشهادات الجامعية.. وقال ستون: «أعمل مع أشخاص يجيدون التكنولوجيا. إذا أردت أن تصل إلى منصب مثل الذي وصلت إليه عليك بالحصول على شهادة ماجستير على الأقل». وخلال الأجيال السابقة، لم يكن لشهادات الماجستير وزن كبير داخل الجامعات؛ باستثناء بعض المجالات مثل التعليم وإدارة الأعمال. وكان يُنظر إليها أحيانا على أنها مجرد خطوة للوصول إلى درجة الدكتوراه، أو ربما كجائزة تعزي الذين فشلوا في الحصول على شهادة الدكتوراه. مع ذلك بدأت هذه الآراء تختفي في الوقت الحالي. تقول كاثرين نيومان، عميدة كلية الآداب والعلوم في جامعة هوبكينز: «اكتسبت شهادة الماجستير أهمية أكبر كجزء من الحراك الأميركي. في الماضي كان يتوقع من الناس في أميركا التعلم من خلال العمل. مع ذلك بدأ تطلع أصحاب العمل إلى الجامعات يتزايد. وأصبحنا أشبه بماكينة لتدريب الطلبة استعدادا للانخراط في مجالات العمل الأميركية المختلفة». وتمثل سارة ثيوس (34 عاما) من مقاطعة مونتغومري نموذجا لهذا التوجه. حيث تعمل سارة في المبيعات لدى شركة «بروميغا» للتكنولوجيا البيولوجية، وتحمل شهادة بكالوريوس في الأحياء من جامعة «فيرجينيا للتكنولوجيا» ولديها خبرة جيدة في المعمل. وسجلت سارة منذ عامين في برنامج الماجستير بدوام جزئي في تكنولوجيا الأحياء بجامعة هوبكينز، ومن المقرر أن تنتهي من الدراسة خلال الشهر الحالي. وتلقت سارة بعض الدروس عبر الإنترنت، في حين تلقت دروس أخرى في جامعة هوبكينز في روكفيل. وقالت إن الشهادة، التي تبلغ تكلفتها 32 ألف دولار، سوف تساعدها في التعامل مع العملاء. وتكفلت شركة «بروميغا» بدفع نصف المصروفات، وتقول سارة: «في مجال المبيعات الذي أعمل به يحبون أن يكون لديك شهادات متقدمة، بحيث تستطيع التحدث بطريقة مقنعة». أما آدم جاداف، البالغ من العمر 30 عاما، فعمل كصحافي سياسي لدى «سانت لويس بوست ديسباتش» لبضع سنوات؛ إلى أن شعر برغبة في السفر للكتابة والتعليم والتطوع.. وحصل على تأشيرة لكينيا والإكوادور والهند. وفي خريف عام 2011، بدأ العمل على الماجستير في سياسات البيئة العالمية بالجامعة الأميركية، التي تركز على العلوم السياسية والاقتصادية والتنمية المستدامة. وتتكفل المنح الدراسية ومنحة الزمالة بالجزء الأكبر من الـ56 ألف دولار (كلفة الدراسة)، لكن جاداف قال إنه حصل على قرض بقيمة 50 ألف دولار من أجل تغطية نفقات المعيشة والأبحاث والسفر. وساعده برنامج الجامعة الأميركية في الحصول على منحة فولبرايت البحثية، التي تشمل دراسة المجتمعات التي تعيش على الصيد في الهند، بعد تخرجه خلال الشهر الحالي. وأوضح جاداف: «فتحت لي شهادة الماجستير أبوابا كثيرة، وتسمح لي حقا بالقيام بأمور أود أن أقوم بها خلال السنوات المتبقية من عمري». ويرى جاداف أن شهادة البكالوريوس، التي حصل عليها من جامعة إلينوي منذ عدة سنوات، هي الحد الأدنى الذي يحتاجه أمثاله للبقاء في ظل الاقتصاد العصري. ويتزايد الإقبال على الماجستير حتى بين حديثي التخرج. واكتشفت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس خلال استطلاع أجرته العام الماضي أن 42 في المائة من حديثي التخرج يرغبون في الحصول على شهادة الماجستير؛ وهو ضعف عدد الذين يرون أن الحصول على شهادة البكالوريوس هو أسمى أهدافهم. وقبل أربعين عاما تبين من خلال الاستطلاع أن حديثي التخرج كانوا أكثر ميلا للاكتفاء بشهادة البكالوريوس ولا يهتمون كثيرا بالماجستير. وأوضح التعداد - والبيانات الأخرى المستقاة من مجالات عمل مختلفة - أن الكثيرين ممن يحملون شهادة الماجستير يحصلون على رواتب أكبر من الذين يحملون شهادة البكالوريوس. ويقول إنتوني كرنفال، مدير مركز التعليم والقوى العاملة في جامعة جورج تاون: «بوجه عام يجني الذين يحصلون على شهادات بعد التخرج (دراسات عليا) مالا كثيرا». مشيرا إلى أن هذا ينطبق بوجه خاص على الشهادات في الهندسة والمجالات الأخرى ذات الصلة بالتكنولوجيا. وتوضح بيانات جامعة فيرجينيا أن الذين يحصلون على شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائية أو هندسة الإلكترونيات يتقاضون راتبا سنويا بمتوسط قدره 75 ألف دولار تقريبا، في حين يتقاضى الحاصلون على شهادة البكالوريوس في المجال نفسه راتبا قدره 56 ألف دولار. ونجد هذا المستوى المرتفع من الرواتب في مجال التمريض أيضا، حيث يحصل حاملو شهادة البكالوريوس في هذا المجال على راتب متوسط يبدأ من 48 ألف دولار بحسب إحصاءات مجلس التعليم العالي لولاية فيرجينيا، في حين يبلغ راتب الحاصل على شهادة الماجستير نحو 66 ألف دولار؛ مما يعني أن الفرق 38 في المائة. وتوشك شاونا برينفليك، وهي ممرضة تبلغ من العمر 29 عاما، وتعمل في مستشفى «فيرفاكس»، على الانتهاء من الماجستير في التمريض من جامعة جورج واشنطن، وهدفها أن تصبح ممرضة ممارسة. وتطلبت الشهادة، التي تبلغ تكلفتها 34 ألف دولار، العمل على الإنترنت فضلا عن التجارب العملية على مدى ثلاث سنوات. سهّلت دراسة شهادة الماجستير عبر الإنترنت الأمر بالنسبة إلى الطلبة الذين يريدون - أو يحتاجون - الاستمرار في عملهم أثناء الدراسة. وتوضح شاونا قائلة: «كل أسبوع هناك واجب واختبار عليك إنهاؤه. ويمكنك إنجاز ذلك في الوقت الذي يناسبك. بالتأكيد يجب أن تحفز ذاتك». ومنحت جامعة جورج واشنطن 3,900 شهادة ماجستير خلال عام 2012، مما يجعلها تشغل المركز الثامن عشر بين الجامعات الأميركية في هذا المضمار. وتشغل جامعة هوبكينز المركز التاسع، حيث تمنح نحو 4,800 شهادة ماجستير. وبين أول عشرين جامعة، تشغل جامعة نيويورك المركز الثاني وبعدها جامعة كولومبيا، في حين تشغل جامعة هارفارد المركز الخامس عشر. وتأتي في المقدمة وحدة الدراسة عبر الإنترنت بجامعة فونيكس، التي تهدف للربح، حيث منحت نحو 18,600 شهادة. ويقول خبراء إن الكثير من الشباب المتخصصين عادوا للدراسة بعد الأزمة المالية عام 2008، وهو ما أدى لزيادة شهادات الماجستير. ومع تحسن سوق العمل، هناك مؤشرات توضح تراجعا طفيفا في التسجيل ببرامج الماجستير. ويقول ستيفن ليرمان، الإداري بجامعة جورج واشنطن: «ربما يتبين أن الزيادة في شهادات الماجستير سوف تتراجع. لا يوجد أي شيء يضمن استمرار هذا الوضع إلى الأبد». ومع ذلك بدأ الإقبال على شهادات الماجستير يتزايد قبل الأزمة المالية بفترة لا بأس بها، وأصبح قوة دافعة في مجال التعليم العالي. وتمثل الشهادات في إدارة الأعمال والتعليم، صاحبي النصيب الأكبر في هذا القطاع الأكاديمي، نحو نصف عدد شهادات الماجستير؛ البالغة 750 ألف شهادة، تمنح كل عام تقريبا. وتقدم الكثير من البرامج ذات الدوام الجزئي، أو ذات الطابع التنفيذي أو التخصصي، أو البرامج المتاحة عبر الإنترنت، درجة الماجستير في إدارة الأعمال. ومع ذلك هناك عدد كبير من البرامج في مجالات وتخصصات أخرى، مثل المعلوماتية الحيوية والعلوم التنظيمية وأنظمة المعلومات الجغرافية ومشاريع الإعلام وإدارة الاستدامة، فضلا عن الكثير من البرامج الأخرى. وتقدم جامعة جورج ماسون، أكبر جامعة حكومية في ولاية فيرجينيا، برامج ماجستير جديدة كل عام تقريبا.. وكان أحدث هذه البرامج برامج في تصميم ألعاب الكومبيوتر وتحليل البيانات. ويقول بيتر ستيرنز، الإداري في جامعة جورج ماسون: «السبب وراء تقديم درجة الماجستير في هذين التخصصين هو أنهما سيزدهران في السوق». ويتساءل بعض المحللين ما إذا كان توسع برامج الماجستير قد فاق الحد. ويقول جيفري سلينغو، رئيس تحرير دورية «سجل التعليم العالي»، إنه «عندما تزيد الجامعات عدد شهادات وبرامج الماجستير التي تقدمها، يلاحظ أصحاب العمل ذلك. وإذا لاحظ أصحاب العمل، فبالتالي سيلاحظ الطلبة. وعندما يزداد إقبال الطلبة على شهادات الماجستير، تقدم الجامعات المزيد». وأخيرا يرى سلينغو أن ذلك يجعل الأمر أشبه بالدائرة المفرغة. ويقول آخرون إن الطلب على شهادة متقدمة أمر مشروع. وتوضح ديبرا ستيوارت، رئيسة مجلس الكليات: «ليس السبب هو رغبة أصحاب العمل في رؤية حروف إضافية (تمثل الدرجات العلمية) بعد اسم الشخص الذي يختارونه للوظيفة فقط؛ بل تعقيد الاقتصاد القائم على المعرفة هو الذي يدفع إلى المزيد من التعلم المصدر/ جريدة الشرق الأوسط