مراكش - ثورية ايشرم
أضحت مدينة مراكش ذات الإشعاع الثقافي والسياحي على المستوى العالمي، خلال العقد الأخير، وجهة مفضلة لرجال الأعمال المغاربة والأجانب الراغبين في الاستثمار في قطاع التعليم العالي الخصوصي. وساهم الإقبال المتزايد للمستثمرين في هذا القطاع من الرفع أكثر من جاذبيّة المدينة الحمراء من الناحية الثقافيّة والأكاديميّة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. وحسب معطيات لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، فإن مدينة مراكش تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد مؤسسات التعليم العالي الخصوصي بعد مدن الدار البيضاء والرباط وفاس. ووفق خبراء في هذا المجال، فإن العديد من العوامل ساهمت في تطور مؤسسات التعليم العالي الخصوصي والتي أضحت تستقطب الطلبة المغاربة والأجانب المنحدرين على الخصوص من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. وحسب مهني القطاع فإن هذه المؤسسات تمكنت من كسب رهان تقديم شعب وتخصصات للطلبة تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل. وأوضح المُدير العام للمدرسة العُليا المتخصصة في التكوين التطبيقي يوسف فهمي، أنّ معدل إدماج المتخرجين من هذه المؤسسة، المتخصصة في مهن الاستقبال في القطاع السياحي والنقل الجوي والبحري، في سوق الشغل تجاوز 90 في المائة خلال 6 أشهر فقط بعد حصولهم على الشهادة. وأشار إلى أنّ الشعب المُقترحة من قبل مؤسسات التعليم العالي الخصوصي في مراكش تهم تقريبًا معظم القطاعات الاقتصادية (التجارة والتدبير ومهن الصحة والهندسة الخاصة وقطاع السمعي البصري) مع هيمنة للتكوين في مهن السياحة. وأوضح فهمي أنّ المؤسسات الخاصة نهجت خيارًا استراتيجيًا لمواكبة الورش المتعددة والمخططات الهيكلية التي أطلقها المغرب والتي من بينها "مخطط المغرب الرقمي" و"برنامج إقلاع" ومخطط "المغرب الأخضر"، فضلاً عن تحرير القطاع السمعي البصري. وفي ما يتعلق بمدينة مراكش، فإن الأمر يهم بالدرجة الأولى مواكبة البرنامج الطموح المتمثل في رؤية 2020 المتعلقة بالقطاع السياحي والتي تتوخى جعل المملكة تصنف ضمن الوجهات السياحية ال20 الأولى في العالم. وأشار إلى أنّ تحقيق هذا المخطط يتطلب موارد بشرية إضافية تقدر بأكثر من 130 ألف شاب متخصص، مؤكدًا أنّ آفاق العمل بهذا القطاع تعد جد واعدة في مراكش. وأكدّ المسؤولون في المدرسة العليا للتجارة أنّ البرامج التربويّة والشعب في المؤسسة تم إعدادها بتشاور مع المهنيين والفاعلين الاقتصاديين، وذلك بهدف ضمان ولوج قوي للطلبة إلى سوق الشغل سواء على المستوى الوطني أو الدولي. وأكدوا أنّ الأمر يتعلق أيضًا وعلى الخصوص بمواكبة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده المدينة الحمراء في المجالات كافة. ولعل ما يعكس نجاح مؤسسات التعليم العالي الخصوصي ملاءمتها بين التكوين ومتطلبات سوق الشغل، فضلاً عن كونها تقدم تعليمًا عاليًا ذي جودة ووفق المعايير المعتمدة من قبل المدارس الكبرى في أوروبا وأميركا. كما تسعى هذه المؤسسات في إطار حرصها على تقديم تكوين في مستوى عال وذو جودة، إلى ضمان إطار ملائم للتلقين والتدريس. كما أشاروا إلى توفر المدرسة العليا للتجارة، التي أنجزت حديثًا بغلاف مالي إجمالي يصل إلى 45 مليون درهم، على بنيّة تحتيّة عصريّة تضم، على الخصوص، 34 قاعة للتدريس ومكتبة وقاعة للمحاضرات عن بعد ومركب سكني بطاقة استيعابية تقدر بـ150 سريرًا وفضاءات رياضيّة وثقافيّة. كما أن المدرسة العُليّا المتخصصة في التكوين التطبيقي تتوفر بدورها، حسب فهمي، على الوسائل البيداغوجيّة من أجل توفير تكوين من مستوى عال من خلال استخدام اللوحات التفاعلية والانترنت، إلى جانب وضع بنيات تحتيّة رياضيّة. وعلى الرغم من التكوين المتميز الذي تقدمه هذه المؤسسات والمتلائم مع متطلبات سوق الشغل على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فإن مسألة الاعتراف ومطابقة الشهادات المسلمة من قبل مؤسسات التعليم العالي الخصوصي تعد إشكالية حقيقية تواجه خريجي هذه المؤسسات كما أنها أثارت نقاشات كثيرة. ويؤكد فهمي أن مشكلة مطابقة التكوينات لا يطرح بالنسبة لمؤسسته التي تتوفر على شعب للتكوين المهني مصادق عليها من قبل وزارتي التجهيز والنقل والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر والمركز الوطني للبحث من أجل نيل شهادة السلامة مسلمة من قبل المديرية العامة للطيران المدني. وأضفى قطاع التعليم الخصوصي قيمة مضافة على مجال التكوين في المدينة الحمراء، ما أهله لربح رهان الملائمة بين التكوين ومتطلبات سوق الشغل، كما أكدّ ذلك الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب. ودق المسؤولون بهذه المؤسسات الخاصة والفاعلون الاقتصاديون ناقوس الخطر بخصوص هجرة الكفاءات في فترة أضحى فيها سوق الشغل معلومًا. وأوضح فهمي أن هذه المشكلة تبرز بحدة في قطاعات من قبيل السياحة حيث يتوقع تسجيل خصاص كبير في اليد العاملة خلال الأعوام المقبلة. ولمواجهة هذا المشكل، دعا فهمي إلى تحفيز الشباب المغربي على تسخير كفاءاته وخبراته خدمة لمصلحة بلدهم. ويشار إلى أن هذه المؤسسات تراعي ضمن استراتيجياتها المتعلقة بالتكوين مبدأ العرض والطلب بسوق الشغل دون إيلاء أهمية للبحث العلمي الذي يبقى مُنحصرًا على المؤسسات العموميّة. ولتشجيع القطاع الخاص على الاضطلاع بدوره كاملاً وتحفيزه على الاستثمار أكثر في البحث العلمي، حث الميثاق الوطني للتربية والتكوين الدولة على وضع نظام ضريبي ملائم ومحفز. ونظرًا للتكلفة المرتفعة للبحث العلمي، فإنه أضحى من الضروري تدخل الدولة والسلطات العموميّة لتشجيع المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى العمومية والخاصة من أجل دعم هذا القطاع وتعبئة الموارد المالية الضرورية لتطوير البحث العلمي الذي يعد رافعة حقيقية لتطور وازدهار الأمم.