الرباط ـ المغرب اليوم
يعتبر لقاء الملك محمد السادس برئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما في أبيدجان على هامش مؤتمر القمة الأفريقي الأوروبي، الأول من نوعه بعد 13 عاما من القطيعة بين البلدين، في لقاء اعتبره الكثيرون أنّه "مجرّد اجتماع سينتهي مفعوله بسرعة".
وأكّدت صحيفة "ديلي مافيريك" الجنوب أفريقية في عددها الصادر في 1 كانون الثاني/ ديسمبر 2017، أن الاجتماع سيساهم في "إذابة الجليد" بين البلدين، وتطبيع علاقاتهما المجمدة منذ قرار بريتوريا سنة 2004 بالإعتراف بجبهة البوليساريو التي تنازع المغرب في الصحراء الغربية، ورحبت وسائل الإعلام المغربية بالتقارب غير المسبوق بين البلدين، واعتبرت أنه يحمل "آفاقا واعدة في مستقبل علاقات البلدين السياسية والإقتصادية".
ويرى مراقبون أن التقارب بين البلدين الأفريقيين الكبيرين، يؤشر إلى تغيير استراتيجي في العلاقات بين دول الإتحاد الأفريقي، وقد يحمل معه تداعيات في ملفات عديدة بالقارة السمراء، فقد جرى اللقاء في أبيدجان التي تعتبر عاصمة حليفة للرباط ضمن الجناح الفرنكفوني بالقارة، وجنوب أفريقيا هي رمز للجناح الأنجلوساكسوني وتعتبر بعد الجزائر أهم مؤيد لجبهة البوليساريو داخل المنظمة الأفريقية، وسبق للمغرب قبل وإثر عودته للإتحاد الأفريقي (2013) أن أحدث إختراقات غير مسبوقة في جبهة الدول الحليفة تاريخيا للجزائر وضمنها نيجيريا ورواندا وأثيوبيا، بيد أن وصول حملته الديبلوماسية الجريئة الآن إلى بريتوريا قد يحقق به أكبر إختراق على الإطلاق في هذا الإتجاه باعتبارها طالما كانت تعد أقوى قلاع المؤيدين لجبهة بوليساريو. وشهدت علاقات المملكة وجنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة توترا ملحوظا بلغ مداه قبل أشهر بأزمة تفتيش سلطات جنوب أفريقيا للسفن المغربية العابرة لرأس الرجاء الصالح، وفي ظل السياسة الأفريقية الجديدة التي بدأ ينتهجها المغرب منذ سنوات قليلة، يُرجح أن تشهد العلاقات تطورا نوعيا، إذ أنّ جنوب أفريقيا نفسها، كقوة إقليمية كبيرة، باتت مقتنعة كما يقول مراقبون في بريتوريا بأنه لا يمكنها تجاهل دور المغرب المتنامي في الإتحاد الأفريقي. وقد ضرب المغرب في أبيدجان عصفورين بحجر واحد عندما طوى خلافاته مع كل من جنوب أفريقيا وأنغولا.
ويتنامى دور المغرب كقوة ناعمة في القارة السمراء، منذ عودته إلى الإتحاد الأفريقي بعد ثلاثة عقود من القطيعة وسياسة الكرسي الفارغ، بشكل ملحوظ ويمكن رصد ملامح هذا الدور(المغربي) في مئات الاتفاقيات الموقع مع دول أفريقية ومن أبرزها اتفاقيةٌ لإقامة مشروع أنبوب غاز استراتيجي يربط نيجيريا في غرب أفريقيا بالمغرب على أبواب أوروبا، وإتفاقية شراكة ضخمة مع أثيوبيا في مجال مشتقات الفوسفات، ناهيك عن عشرات الاتفاقيات والمشاريع في مجالات الطاقة والاتصالات والمصارف مع دول الساحل الغربي لأفريقيا وهي الحليف التقليدي للمغرب. كما يسعى المغرب الآن إلى الانضمام إلى مجموعة دول غرب أفريقيا، وخلال قمة أبيدجان ظهر مجددا دور المغرب كحلقة وصل رئيسية بين أوروبا وأفريقيا، حيث أعلن أنه سيشارك إلى جانب فرنسا وألمانيا في معالجة إحدى أعقد مشكلات الهجرة واللجوء التي تؤرق القادة الأوروبيين وتثير انزعاج الأفارقة، وهي الأوضاع المأساوية للمهاجرين العالقين بليبيا. فقد أعلن المغرب أنه شريك إلى جانب فرنسا وألمانيا في عمليات إجلاء المهاجرين العالقين في ليبيا بهدف إنهاء مأساة الاستعباد التي يتعرضون لها هناك وفق تقارير موثقة لمنظمات إنسانية دولية.
وقد يكون من المبالغة القول إن علاقات المملكة بجنوب أفريقيا ستعيش بين عشية وضحاها شهر عسل، لأنّ ما يربط جنوب أفريقيا في الجزائر أيضا رصيد ديبلوماسي وتاريخي وإقتصادي، إذ تعتبر الجزائر أول مستورد للأسلحة من جنوب أفريقيا. وبحكم التراث التحرري المشترك ضد الاستعمار وضد هيمنة القوى الكبرى في القارة الأفريقية، تربط الجزائر بجنوب أفريقيا تحالفات تقليدية في ملفات دولية عديدة. لكن ما يحدث في الآونة الأخيرة على الساحة الأفريقية، على الأقل، يؤشر إلى تراجع نفوذ الجزائر التقليدي بعدد من العواصم الأفريقية، وذلك لأسباب منها الضائقة المالية التي تمر بها الجزائر منذ عامين بسبب تراجع عائدات النفط، وانسداد الآفاق السياسية في البلد بسبب غياب إصلاحات وهيمنة كابوس الفراغ في القيادة بسبب المرض الذي أقعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ سنة 2013.
وتظهر ملامح الانكماش الديبلوماسي الجزائري بشكل ملحوظ مقارنة بالدور المغربي المتنامي في القارة السمراء، من خلال بعض اللقطات التي سلطت عليها عدسات المصورين الأضواء، معبرة عن اللحظة الفارقة - ولو بشكل رمزي- بين الدورين المغربي والجزائري في أهم منتدى سياسي أفريقي. فعندما كانت الأضواء موجهة لتحركات الملك محمد السادس داخل قاعة المؤتمر في أبيدجان، كان إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو ( العضو في المنظمة الافريقية) يقف على بعد بضعة أمتار وهو يراقب باهتمام مرور العاهل المغربي بجلبابه المميز. وطافت هذه اللقطة في مواقع التواصل الإجتماعي، وعلّق عليها مراقبون بأنه لم يكن من المتصور أن تحدث لولا التغيير الذي شهدته سياسة المغرب الأفريقية، ثم اكتمل المشهد بلقطة رمزية أثارت إهتمام وسائل الإعلام المختلفة وشكلت نقطة إلتقاء نادر حولها بين صحافة البلدين المغرب والجزائر، حيث بادر رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيي بإختراق الصفوف ليصل إلى الملك محمد السادس ويصافحه بحرارة بينما كان الملك في حديث ثنائي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي بدا بدوره مبتسماً ومرحباً بما يحدث أمامه.