برلين - المغرب اليوم
تتمتع جزيرة غراسيوزا البرتغالية بكل ما يبحث عنه محب الطبيعة من سواحل شديدة الانحدار وبحر وبراكين قديمة. أما مشكلة الجزيرة الوحيدة فهي أن مصدر الطاقة فيها هو مولد كهرباء يعمل بالديزل، وهو أمر تحاول شركة ألمانية تغييره. في وسط برلين، قام العاملون في شركة "يونيكوس" ببناء محطة كاملة لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة قد يتم بناؤها في جزيرة برتغالية، وذلك من أجل التفكير في حلول لمشكلة الطاقة التي تعاني منها تلك الجزيرة. ففي إحدى المستودعات، تم بناء هذه المحطة المستقبلية لجزيرة غراسيوزا البرتغالية الواقعة في المحيط الأطلسي، لكن على مساحة تبلغ ثلث مساحتها الأصلية، وتم تمديد الكوابل والبطاريات وصندوق للمقابس. ويوضح النموذج ما سيبدو عليه إمداد الجزيرة بالطاقة مستقبلاً، وحوله يقول فيليب هيرزيمنزل من شركة يونيكوس: "هنا يمكننا محاكاة عملية تحويل الجزيرة للاعتماد على الطاقات المتجددة من أجل توليد الكهرباء". وتحاول الشركة الألمانية للطاقة الرفيقة بالبيئة، التي تأسست سنة 2008، القيام بتجربة هي الأولى من نوعها في العالم لإثبات أن جزيرة غراسيوزا، التي يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة، قادرة على الاعتماد على نفسها بشكل شبه كامل لتوليد ما تحتاجه من طاقة كهربائية، عن طريق أبراج طاقة الرياح وألواح الطاقة الشمسية. الطاقة البديلة ليست ثابتة هذا المشروع الكبير بالنسبة لفيليب هيرزيمنزل والعاملين في يونيكوس يعني الاعتماد على كل ما يمتلكون من تقنيات. ففي المستودع الذي يؤوي نموذج الجزيرة في برلين، يجد المرء على الجانب الأيسر شبكة كهرباء ذات ضغط متوسط تعمل بشكل كامل، وعلى الجانب الأيمن صف من البطاريات العملاقة. البطاريات وشبكة الكهرباء سوياً تشكلان نظام إمداد الطاقة الذي سيستبدل مولد الديزل في جزيرة غراسيوزا بحلول سنة 2014. هذه الرؤية المستقبلية للشركة الألمانية تبدو اليوم وكأنها ضرب من الخيال العلمي. فحتى الآن، ما يزال سكان الجزيرة البرتغالية يعتمدون على النفط لتوليد الكهرباء، إذ ترسو ناقلة نفط كل أسبوع في ميناء الجزيرة لضخ ما يحتاجه المولد. ويوضح هيرزيمنزل رؤية شركته بالقول: "النظام الحالي في الجزيرة يشبه الأوركسترا التي يقودها المايسترو". المايسترو في هذه الحالة هو المولد الذي يعمل بالوقود الأحفوري، والذي يدور 50 دورة في الثانية، مولداً طاقة كهربائية ثابتة بتردد 50 هيرتز. لكن من يبحث عن طريقة للتحول إلى الطاقات البديلة، كالرياح والشمس، يجب عليه أن يفكر في كيفية الحفاظ على ثبات إمدادات الطاقة من خلال مصادر لا تعمل بالديزل، كما يشرح هيرزيمنزل من شركة يونيكوس، ويضيف: "إذا ما أردت الاعتماد بالكامل على الطاقات المتجددة، عندها يجب أن أكون قادراً على إيقاف العمل بمولد الديزل". تثبيت الشبكة بالبطاريات هذا ما تحاول الشركة البرلينية إنجازه في جزيرة غراسيوزا، والتي تحاول رفع مساهمة طاقة الرياح في إنتاج الكهرباء في الجزيرة تدريجياً من 15 في المائة حالياً إلى 70 في المائة، وذلك من خلال تركيب بطاريتين عملاقتين تتلخص وظيفتهما في استبدال مولد الديزل وتثبيت شبكة توليد الكهرباء. ستتمكن هاتان البطاريتان من معادلة أي اختلال في التيار الكهربائي ينجم عن تغير في سرعة الرياح أو أشعة الشمس، وهو ما سيحصل حتماً. حول ذلك يوضح فيليب هيرزيمنزل بالقول: "ستشبه جزيرة غراسيوزا حينئذ أوركسترا الجاز، التي لا تحتاج إلى مايسترو وينسق الجميع مع بعضهم بمفردهم. الأهم في هذه الشبكة المغلقة هو أن يكون الطلب بنفس مقدار العرض". وهنا يتضح دور البطاريتين اللتين تنحصر مهمتهما في موازنة شبكة الكهرباء في غضون جزء من الثانية، إضافة إلى التخلص من كمية الكهرباء الزائدة عن الحاجة، وبالتالي التكيّف مع ما تحتاجه الجزيرة. يبلغ حجم كل بطارية حجم فيل إفريقي. وقد قامت شركة يونيكوس بتجربة 27 تقنية مختلفة في البطاريات، وقررت في النهاية اعتماد طراز هجين يتألف في جزء منه من الليثيوم-أيون والجزء الآخر من كبريتات الصوديوم. هذه البطاريات تتولى مهمة تزويد الجزيرة بالطاقة عندما تتراكم السحب فوق ألواح الطاقة الشمسية أو عندما يزداد الطلب على الكهرباء بشكل مفاجئ. غراسيوزا نموذج لكل جزر العالم وبالإضافة إلى البطاريتين العملاقتين، سيتم بناء أبراج لتوليد الطاقة من الرياح وألواح لتوليد الطاقة الشمسية في غراسيوزا وسيتم ربطها جميعاً ببرنامج كمبيوتر يتولى تنسيق الطاقة التي يتم إنتاجها من جميع المصادر. وبالنسبة للعاملين في شركة يونيكوس، فإن جزيرة غراسيوزا ستكون موضع تجربة، يتم بعدها التركيز على الأرخبيلات التي يقطنها نحو 10 آلاف شخص، والتي لا ترتبط بأي شبكة كبرى عبر كابل تحت البحر أو من خلال ارتباط جغرافي باليابسة، حسب ما يشرح رئيس فريق التخطيط في المشروع، بيورن لانغ: "تكلفة إنتاج الطاقة في تلك المناطق مرتفعة للغاية بسبب النقل أو البنية التحتية غير الفعالة. ومن خلال نظام مبني على الطاقات المتجددة، يمكن اليوم إنتاج الطاقة بتكلفة زهيدة". مشكلة التمويل هذا ما أراد ممثلو شركات الطاقة في جزر الآزور وهيئة تنظيم الطاقة البرتغالية معرفته بالضبط عندما قاموا بزيارة موقع التجربة في برلين والاطلاع على الشبكة المقترحة للجزيرة، التي ستبلغ تكلفتها 15 مليون يورو. ويقول فيليب هيرزيمنزل: "المشكلة الأساسية دائماً بالنسبة للطاقات المتجددة هي التمويل، فمن يستطيع شراء الديزل مقدماً لعشرين عاماً؟". فعلى الرغم من أن مشروع شركة يونيكوس يعد بتخطي تكلفته بكثير بعد عشرين عاماً، إلا أن تمويله يجب أن يكون الآن. لهذا يعتبر هيرزيمنزل التمويل عائقاً كبيراً. حتى الآن لا توجد أي موافقة رسمية على المشروع، إلا أن فيليب هيرزيمنزل والعاملين في شركة يونيكوس الألمانية متأكدون من أن الاكتفاء الذاتي من الطاقة في الجزر سيكون فرصة مربحة للاستثمار، إذ يمكن اعتبار الديزل الذي سيتم توفيره ربحاً. ويضيف هيرزيمنزل: "هذا الربح يمكن تقاسمه بين سكان الجزيرة وشركة الكهرباء المحلية وأيضاً مع المستثمرين الأجانب، الذي قد يتمكنون من جني أرباح تقدر بين عشرة وعشرين في المائة". مدى نجاح هذا الاستثمار سيقرره ثبات الشبكة الجديدة وعدم عودة ناقلات النفط إلى ميناء غراسيوزا.