الرباط – المغرب اليوم
لكل عنصر من عناصر المشهد الزخرفي دوره وموقعه، قيمته ووظيفته. غير أن الإضاءة في المشهد الزخرفي تتفوق على كل العناصر، ليس فقط من حيث قيمها الجمالية والوظيفية، وإنما من خلال دورها العابر للعناصر.
وحين نتحدث عن الإضاءة في الديكور، فإننا نشير إلى تلك الخواص التي تكتنزها وتتشكل منها أهميتها الخاصة والتي لا يمكن من دونها – في أي حال – إنشاء مشهد زخرفي متكامل بكل أبعاده وأشكاله وخطوطه وألوانه وتفاصيله.
الإضاءة هي أصل في كل هذه المقومات حيث هي نفسها تهيمن على المشهد، وتدعم مكوناته وتمنح عناصره أسرارها. ولعل اللافت في الأمر أن الإضاءة هي نفسها، في لحظة ما، تتحول بكل أشكالها وخطوطها وألوانها وتفاصيلها إلى اللاعب الرئيسي في المساحات والأمكنة، لتضفي على طبائعها مسحة من الرومانسية حيناً، ومن الغموض حيناً آخر... وفي كل الأحيان تنشر الوضوح بكل تجلياته.
لذا فإن زواج الإضاءة مع الديكور، يعتبر من وجهة النظر المهنية ارتباطاً غير قابل للانفصال. إذ ثمة حالة تبادلية يصعب ترسيم حدودها. ففي حين أن الإضاءة تتيح للمشهد ولادات غير محدودة لمظاهر حسية نادرة، نجد أن المشهد نفسه وبطريقة غرائبية يمنح الإضاءة شرعيتها وبهاءها.
إنه زواج الضوء مع المادة والشكل واللون، حيث تكتسب كل العناصر قيمها وتجدد أبعادها وتضخ في الأمكنة رؤى جديدة تتجاوز المألوف.
ولعل المستويات المتقدمة التي وصل إليها التعامل مع الإضاءة، كمبتكرات وتصاميم واستثمار، تجعل منها عاملاً حاسماً في الحالة الإبداعية. فهي لا تتوافر فقط كعناصر إضاءة حصرية، بل تقدم منتجات فريدة تعكس الجهود المبذولة في هذا المجال، من جانب صناعيين لا يتوانون عن خوض كل المغامرات التي تقترحها مخيلة المصممين والمبتكرين بكل فئاتهم ومراتبهم.
على أن الحديث عن الإضاءة وأهميتها في الديكور، ينبغي ألا يدفعنا الى إهمال معايير وقواعد وربما أيضاً تقاليد، بل يجب التنبه لها واعتبارها جزءاً من العملية الزخرفية في لحظة توزيع الإضاءة وتكريس مساهمتها الجمالية والوظيفية. ولعل النقطة الأولى التي لا يمكن تغييبها، هي التركيز على مصادر الإضاءة.
وهنا لا بد من الأخذ في الحسبان، إلى جانب المصدر الصناعي (الكهرباء تحديداً) المصدر الطبيعي والذي يتوافر من خلال الأبواب والنوافذ والفتحات الأخرى، أكانت مُسندة بالزجاج أم مفتوحة بشكل دائم من خلال الهياكل الهندسية.
وهنا لا بد من ملاحظة الاهتمام الكبير الذي بدأت تكتسبه مصادر الإضاءة الطبيعية في السنوات الأخيرة. فالمعماريون – إلى جانب مهندسي الديكور – يصرفون اهتماماً لافتاً في استنباط الأفكار الجديدة من أجل هياكل هندسية تتحلّى باقتصاد واضح في مواد البناء من خلال نوافذ وواجهات زجاجية بالغة الاتساع، إلى جانب إلغاء الكثير من الجدران والفواصل الداخلية والتي تشكل عبئاً مادياً وحواجز مصطنعة تحجب الضوء المتسلل عبر النوافذ والواجهات، وتؤثر أيضاً في نمط الحياة الداخلية وشروطها الصحية.
والإضاءة الطبيعية إلى جانب الوفر الاقتصادي الذي تؤمنه، نجد أنها تراعي الشروط البيئية والتي تعتبر توفير الطاقة أحد أهم متطلباتها. وفي الواقع أن النوافذ الكبيرة والواجهات، بالإضافة إلى ما تقدمه كمصدر مميز للإضاءة الطبيعية، فهي تسمح من ناحية أخرى بدعوة الطبيعة بكل عناصرها إلى الداخل، مما يضيف إلى مواصفات الحياة داخل المنازل والشقق مراتب جديدة.
أما الإضاءة الاصطناعية، فإن مروحة عناصرها تتسع وتتنوع باتساع وتنوع الرغبات والاحتياجات. بالطبع تأتي الكهرباء على رأس القائمة، والمنتجات من عناصر الإضاءة الكهربائية تتوافر في الأسواق المختصة بأشكال وألوان وخطوط لا يمكن حصرها، كما أنها تتناغم مع كل الطرز والأساليب الزخرفية.
وسنجد التصاميم المختلفة، تتراوح بين الكلاسيكية والحداثة. وبين هذه وتلك مبتكرات تنطلق من العادي التقليدي لتصل إلى الطليعي الصادم. ولا شك في أن التقدم الصناعي الذي نشهده اليوم قد أغنى مخيلة المصممين والمبتكرين بمساحات جديدة وإمكانيات تنفيذ بالغة التكلف والتعقيد، أتاحت لهم الذهاب بعيداً في مجال التصميم.
وهذه الإمكانيات لم تقتصر على التصاميم البارعة، بل استثمرت أيضاً المواد الطبيعية والاصطناعية. فلم تعد ثمة حدود للاستعانة بكل ما تتيحه الطبيعة من مواد تتوزع بين الأحجار بحالتها البدائية، مروراً بالمعادن على أنواعها ووصولاً إلى الجلود والأخشاب بكل تصنيفاتها... ومع هذه اللائحة، يأتي المزج بين المواد في تشكيلات عناصر الإضاءة الكهربائية ليفتح أفقاً جديداً يسمح بمبتكرات أقلّ ما يقال فيها إنها رائعة ومدهشة.
لذا نجد أن عناصر الإضاءة الكهربائية قد تعدّت وظيفتها الأصلية وأصبحت تشارك – من خلال تصاميمها - في صلب تكوين المشهد الزخرفي كعناصر جمالية بالغة الجاذبية والطواعية والالتزام. فهي في أحيان كثيرة تتصدر المشهد، ويعكس حضورها فيه حرفية باهرة تجعل منها حلية مرصعة على صدر المكان تتوهج بالنور وتشع بالبريق الأخاذ.
على أن هذا الأمر ينبغي ألا ينسينا مصادر إضاءة داخلية لا تقل روعة وجمالاً، ونعني بذلك الشموع على أنواعها. فقد توسعت صناعة الشموع كثيراً بعدما أصبحت عنصراً لا غنى عنه في المشهد الداخلي، حيث يضفي أجواء من الرومانسية تندر حيازتها بوسائل أخرى. كذلك فهي تطل هنا لرعاية الاحتفالات الخاصة والسهرات الحميمة.
لذا سنجد منها الألوان والأشكال والأحجام التي تلبي كل الرغبات وتلائم كل الأذواق وتناسب كل المناسبات، بخطوطها المتنوعة، المحلاّة بمظاهر باذخة، ناعمة، وغامضة أيضاً، تشكل الوصفة السحرية لإنتاج أجواء لا مثيل لها تتناغم مع تفاصيل الديكور في كل مكان وزمان... كما لن ننسى المدافئ التي أصبحت منتشرة في المنازل والشقق، فهي إلى جانب وظيفتها الأساسية في تأمين الحرارة والدفء، نجد أن بعض التصاميم منها يلعب دوراً هاماً في تأمين إضاءة نوعية لمواقف محددة.
والواقع أن الحديث عن التأثيرات الجمالية التي تقدمها الإضاءة لن ينتهي أبداً، خصوصاً أن طبيعة الحياة المعاصرة تتطلب اليوم جهوداً مضاعفة من أجل الحصول على اختلاف جذري بين الحياة العملية في الخارج، والحياة العائلية في الداخل، وهو أمر توفره الإضاءة بامتياز ولا يتوافر لغيرها من أدوات المشهد الزخرفي وعناصره ومستلزماته. فالخيارات لا حدود لها، والمهم هنا أن نحاول تجنب المبالغة، ونحدد الاختيارات تبعاً للحاجة وبما يتناغم مع الأجواء التي نريدها. نريد إضاءة مباشرة أم غير مباشرة؟ إضاءة ظاهرة أم مخفية؟ إضاءة ساطعة أم معتدلة؟ ملونة أم عادية؟ نريدها معلقة في السقف أو على الجدران، أم في الزوايا والأرضيات، أم مدمجة مع بعض قطع الأثاث؟ كلها أسئلة جوهرية ينبغي أن نجيب عنها تبعاً لمقتضيات الضرورة الجمالية والوظيفية، وبالتأكيد تبعاً لطبيعة المكان والمساحة وتصنيفاتهما.
فإضاءة المطبخ أو إضاءة غرفة النوم أو إضاءة الصالون أو غرفة الطعام أو غرفة الأطفال وصولاً إلى صالة الحمام - وغيرها من المساحات في المنزل أو الشقة – لا بد من أن تراعي الوظائف المرعية لهذه المساحات.
وتوفر بالتالي دعماً لوجستياً لمشغلي هذه المساحات والأمكنة وشاغليها، إضافة إلى عامل الأمان الذي ينبغي أن يشغل حيزاً كبيراً من اهتمام أصحاب العلاقة والمهتمين.
كل هذا يتعلق بالإضاءة الداخلية. أما الإضاءة الخارجية فلها حديث آخر...