القاهرة - المغرب اليوم
عندما تخرج عن الإطار ولا تربط طموحك بروتين أو بيروقراطية فإن أهدافك تصبح أقرب, وعندما تطلق لخيالك العنان وتعمل بجد وعن كثب فإنك تستطيع أن تصل دون أن يرتبط تحقيقك لهدفك بالظروف. أحمد منير ذلك الشاب الذي لازال يدرس في السنة الرابعة بكلية التجارة جامعة القاهرة ورغم سنوات عمره الثلاث وعشرين إلا أنه أستطاع أن يجتاز خطوات واسعة علي طريق تحقيق حلمه في أن يكون أصغر مدير ثقافي في الشرق الأوسط, وهو واحد من أحلامه التي تضمها قائمة صغيرة يعلقها فوق سريره لتكون محفزا له, وعندما أطلق منير لخياله العنان أستطاع أن يري حلمه يتجسد في جزيرة الذهب تلك الجزيرة التي تعاني من الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها أهالي المنطقة نتيجة التجاهل الحكومي. يؤمن أحمد منير أن جزيرة الذهب يمكنها أن تتغير إلي الأفضل من خلال العمل الاجتماعي للأفراد, وهو ما دعاه لأن يحاول أن يخطو أولي خطوات تحقيق حلمه في تلك الجزيرة, فمنير منذ الصغر وهو يستشعر أن مواهبه وطاقاته الإبداعية التي منحه الله إياها يجب أن تظهر بعيدا عن وظيفة روتينية وأن عليه البحث عن مجال أوسع لاستثمار مواهبه تلك.وبمجرد أن دخل منير إلي الجامعة بدأ العمل لتحقيق الحلم من خلال الالتحاق بأنشطة منظمة إناكتوس(ENACTUS) الطلابية في جامعة القاهرة, وإناكتوس هو الاسم الجديد لمنظمة سايف الطلابية وهي منظمة تنموية غير هادفة للربح تعتبر حلقة الوصل بين رجال الأعمال وطلبة الجامعات لتكريس طاقتهم واستخدام قدراتهم لمساعدة المجتمع وتلبية حاجات الناس لتحقق لهم الربح دون تحقيق أي ربح للمنظمة وتكون تحت إشراف احد أفراد هيئة التدريس. ويشارك فيها أكثر من42 ألف طالب و هذا العدد يمثل1500 جامعة في أكثر من40 دولة, انشئت عام1975, وبدأت عملها في مصر عام2004, وتقوم المنظمة بتنظيم مسابقة بين جامعات الدولة الواحدة علي أن تدخل الجامعة الفائزة بتمثيل دولتها مع باقي الجامعات الفائزة من الدول الاخري في مسابقة عالمية وتكون هذه المسابقة بين40 دولة حول العالم. ووجد أحمد منير في أنشطة أناكتوس بوابة حقيقيه تقربه من أحلامه فانضم لها بعد ثورة يناير طامحا في أن يجد متسعا لطاقاته ومواهبه, فكانت أولي مشاركاته معها من خلال مشروع سلسلة القيمة في محافظة المنيا والذي هدف لتقليل أسعار السلع من منابعها الإنتاجية, وتولي أحمد مسئولية مشروع الزراعة المجمعة الذي يهدف لإقناع المزارعين للتنسيق فيما بينهم لزراعة المنتجات المختلفة بدلا من تقسيم الزارع لأرضه وزراعة محاصيل منوعة في مساحات صغيرة وقد حقق هذا المشروع نجاحا مبهرا واستطاعت مجموعة الزارعين الحصول علي شهادة تصدير لمنتجاتهم. عاد منير إلي القاهرة مفعما بالحماس يستشعر الإنجاز ويمتلئ بالفخر لما حققه مع زملائه من نجاح ليجد مشروعا جديدا في انتظاره ولكنه مشروع ثقافي هذه المرة يتوافق مع أحلامه وآماله وهي المصطبة ذلك المشروع الثقافي الذي حاولت إحدي الشركات إقامته في جزيرة الذهب وبالفعل شارك فريق من طلاب جامعة القاهرة في المشروع ولكن لم يحالفه الحظ, وكان أحمد شاهدا علي مصير المشروع وما واجهه من صعوبات ولكنه قرر أن يخوض التحدي فقد رأي في جزيرة الذهب تلك الأرض الطيبة التي يمكن أن تحتضن حلمه الأكبر فقدم خطة عمل متكاملة لإناكتوس لتحويل الجزيرة لمتحف مفتوح مع الحفاظ علي هويتها, وبالفعل حصل علي الموافقة وفريق من المتطوعين كما ساعدته إناكتوس علي استكمال تخطيط المشروع. في منتصف فبراير2012 بدأ أحمد وزملاؤه من المتطوعين العمل في المشروع دون أي موارد مالية, وزودتهم إناكتوس بثلاث طاولات وعشرة كراسي بلاستيك, وبدأوا في العمل في الشوارع لتعليم أطفال الجزيرة الرسم والكروشيه وعمل الإكسسوارات, وبطبيعة الحال لم تكن الأمور في أولها سهلة, فدور منير الأول كان إقناع أهالي الجزيرة بمشروعه وأن هدفه الأساسي هو خدمتهم وخدمة أبنائهم ولم يكن هذا التحدي بالسهل فظل منير ورفاقه يعملون في الشوارع إلي أن استشعر زياد الريان أحد أهالي الجزيرة صدق ما يقدمه منير ورفاقه فدعاهم للعمل من حجرة أعلي أحد المساجد وعلي الرغم من فقر الإمكانات إلا أن منير ورفاقه بدأوا العمل فورا معتبرين أنها خطوة للأمام في نجاح مشروعهم ولكن الرياح لا تأتي دوما بما تشتهي السفن فقد أفسد الأطفال زراعات مجاورة ليطرد منير ورفاقه من غرفة المسجد ولكن محمد الريان واحد من سكان الجزيرة أيضا تعاطف معهم وقرر دعمهم فدعاهم للعمل من محل يمتلكه كمقر لهم ليدخل منير ورفاقه المحل ليجدون حوائطه علي الطوب الأحمر وأرضيته رملية, كانت خطة منير أن يعلم الأطفال فنون الرسم والجرافيتي وفن الموازيك ليحولوا الجزيرة إلي متحف مفتوح بأنفسهم وبأيديهم وقد أستطاع عامه الأول في الجزيرة أن يكتسب ثقة الناس وأن يتجاوز المشاكل التي واجهته في البداية بل وأقام العديد من عروض مسرح الشارع وورش الفنون والرسم والجرافيتي. لتأتي بداية العام الثاني لمنير في الجزيرة أكثر إشراقا فقد حصل علي جائزة140 ألف جنيه مصري من مؤسسة في وركس لدعم العمل التطوعي والاجتماعي في مصر, وقد قرر أحمد ورفاقه أن تلك الجائزة من حق أهالي الجزيرة فقرروا أن يسخروها لخدمتهم فحفروا بئرا للمياه الجوفية بعمق56 مترا لتعويض نقص مياه الشرب النظيفة وافتتح منير فصلا لمحو الأمية في الجزيرة يضم عشرين دارسا وسجله في الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار, وحولوا غرفة المسجد لعيادة طبية لضعف بل لانعدام الخدمات الطبية علي الجزيرة والعيادة اليوم لا ينقصها سوي سريرين وطبيب. لم يتوقف منير علي ما حققه من نجاح ولكن كل نجاح يحققه يقوده لحلم أكبر وجزيرة الذهب بالنسبة له هي الأرض الخصبة وأهلها بما بناه معهم من علاقات قوية خلال العامين الماضيين جعلت حلمه يكبر بهم ومعهم ويمتد ليشمل تطوير حرف يدوية مختلفة تشتهر بها الجزيرة لتصبح قبلة لهواة تلك الحرف, وبدأ أحمد بورش عمل لتعليم أهالي وأبناء الجزيرة صناعة الشمع والمصنوعات الجلدية اليدوية المختلفة ويستعد الآن لإقامة منفذ بيع صغير لتلك المنتجات بجوار المعدية علي كورنيش النيل المواجه للجزيرة.تجربة شابة لا نملك أمامها إلا كل تقدير واحترام هؤلاء فأحمد ورفاقه هم فتية مصر الذين يقدمون في صمت يبنون حلمهم ويساعدون من حولهم تلك هي السواعد التي تبني مستقبل أفضل تلك هي الخطوات الحقيقية لصناعة مصر المستقبل التي نحلم بها جميعا فالبناء دوما يبدأ من القاعدة. وهي الكنز المدفون في جزيرة الذهب وأي جزيرة أخري.