الرباط - المغرب اليوم
يعدّ الموسم الماضي حزينا بالنسبة إلى الناديين المغربين اللذين مثلا الكرة الوطنية في النهائيين القاريين، عصبة الأبطال الأفريقية كأس الكونفدرالية الأفريقية، بعدما فشل الوداد البيضاوي ونهضة بركان بالتتويج باللقبين، ورغم الجدل الذي واكب فقدان الوداد للقب الأغلى أفريقيا أمام الترجي التونسي، والمتاهات والحروب القانونية التي دخلها المكتب المسير الأحمر في ردهات الكونفدرالية الأفريقية «كاف» بالقاهرة، ومحكمة التحكيم الرياضي «طاس» بلوزان، والتي ثبتت الترجي التونسي بطلا لأكثر نهائي غرابة في تاريخ اللعبة، إلا أن ذلك لا يمنع من القول أن الوداد فرط في لقبه بعدما سمح للترجي بالعودة بتعادل ثمين من مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، كما أن الطريقة التي خرج بها نهضة بركان خاوي الوفاض من نهائي كأس "الكاف" تثير الكثير من التساؤلات حول سبب هذين الإخفاقين.
الصحوة
لا أحد يستطيع أن ينكر أن الأندية المغربية، شهدت صحوة في السنوات الأخيرة على مستوى مشاركاتها القارية، سيما بعد فترة خابت فيها الفرق الوطنية ولم تعد رقما صعبا في القارة، تاركة المجال للأندية المصرية والتونسية والكونغولية وأيضا الجنوب إفريقية، غير أنه سرعان ما عادت لمكانتها الطبيعية، بالرغم من ظهور أسماء جديدة، خاصة نهضة بركان وحسنية أغادير اللذين اكتشفا القارة السمراء في ظل تراجع الجيش الملكي أول من قطف ثمرة قارية في المغرب بفوزه بكأس عصبة الأبطال في نسخته القديمة سنة 1985، والكوكب المراكشي والفتح الرباطي صاحبي كأس الاتحاد على حساب ناديين تونسيين النجم الساحلي والأفريقي.
لكن الإخفاقان الأخيران لنهضة بركان والوداد الرباطي، في أهم مباريات أدوار المسابقتين الافريقيين، تنذر بحلول «لعنة المباريات النهائية» على الأندية الوطنية، وتدعو إلى التفكير في أسبابها لتجاوزها مستقبلا، سيما ان الأندية المغربية في الموسم الحالي تسير بنتائج مرضية بعد بلوغها دور المجموعات في كأس «كاف» بالنسبة لحسنية أكادير ونهضة بركان، وفوزهما بإقناع في الجولة الأولى على التوالي على حساب نادي إيساي البنيني، على أرضية الملعب البلدي لبركان، بثلاثية نظيفة، وعلى إنييمبا النيجري بهدفين دون الرد بالملعب لكبير بمدينة اكادير قبل أن يكرس فارس سوس تفوقه على حساب بارادو الجزائري بميدانه، فيما عاد الوداد البيضاوي بتعادل ثمين من ملعب اتحاد الجزائر بهدف لمثله في دور الجولة الأولى من منافسات المجموعة الثالثة بعصبة أبطال أفريقيا.
الأرض والجمهور
يمكن اعتبار، التفريط في استغلال عاملي الأرض والجمهور، أحد أسباب خسارة النهائيان القاريان الموسم الماضي، حيث فرض الترجي التونسي التعادل على الوداد الرياضي بميدانه (1ــ1)، بينما اكتفى نهضة بركان بهدف وحيد لم يستطع الدفاع عنه والحفاظ على تفوقه في مباراة الإياب بالقاهرة.
كان لزاما على الوداد البيضاوي الخروج بالفوز على الأقل في مباراة ميدانه، سيما انه بات يملك من الخبرة والتجربة ما يجعله مؤهلا لذلك بعدما حضر في السنوات الأخيرة في دور النصف نهائي لعصبة الابطال بشكل مستمر، وصار أحد عمالقة القارة من جديد، غير أن نتيجة التعادل في الميدان (1ــ1) جعلته يدخل مباراة العودة منهزما على اعتبار أن التعادل الأبيض يجعل الترجي بطلا، فكان تسجيله لهدف تكريسا لتفوقه، قبل أن يلغي الحكم هدفا صحيحا للكرتي كان كافيا لإعادة التوازن، غير أن انفجار قضية «الڤار» وما تلا ذلك من توقف المواجهة، وانتقالها من الملعب إلى ردهات الكاف والطاس، افقدت المغرب لقبا جديدا في «الشامبيونزيلغ» الأفريقي.
بدوره نهضة بركان، لم يستطع الحفاظ على تقدمه بأصغر نتيجة في كرة القدم (0ــ1) التي انتزعها في الذهاب، ليعود الزمالك في النتيجة، ثم مالت كفة الضربات الترجيحية لصالحه في نهاية المطاف، ما أفقد بركان تتويجا إفريقيا تاريخيا للنادي البرتقالي، علما بأن الأخير كان بمقدوره الفوز بنتيجة أكبر في الملعب البلدي بعدما سيطر على معظم أطوار المباراة، وضيع مهاجموه الكثير من المحاولات السهلة.
الخبرة حاضرة
إذا كان الكثير من الملاحظين والمتتبعين، يعزون في الكثير من المرات فشل نادي في الظفر بلقب ما، بقلة الخبرة والتجربة، فهذا العامل لم يكن حاضرا لدى فريقي الوداد البيضاوي ونهضة بركان، سيما أنهما يضمان في صفوفها خيرة لاعبي البطولة الوطنية، ويتوفرون على عناصر مجربة اكتسبت خبرة كبيرة في الملاعب الإفريقية وصارت دعامات أساسية في المنتخب الوطني المحلي، حتى أن بعض العناصر في الفريقين لعبت في أكثر من فريق وشاركت معه في المنافسات القارية، وبلغت من النضج ما يستحيل معه وصفها بقلة التجربة أو الخبرة.
"الكاف" والأبطال؟
المرافقة الذهنية، من الأمور التي تنعدم في الأندية المغربية، بل ولا يعتبر الخبير الذهني أحد أعضاء الأطقم التي تحيط بالفريق، فهذه المهمة التي يستصغرها الكثيرون، تعتبر في أوروبا وظيفة أساسية جدا، ولا يخلوا أي نادي من طاقم للإعداد الذهني، حتى أن مراكز التكوين الأوروبية تعتمد بشكل ضروري على خبير في المواكبة الذهنية للاعبين أثناء فترة تكوينهم، وهو ما يفسر نضج معظم اللاعبين الأوروبيين في سن مبكرة.
المدربون المغاربة يحاولون القيام بهذا الدور، ويجتهدون في ذلك، لكن فاقد الشيء لا يعطيه بالقطع، لأن المواكبة او المرافقة الذهنية هي علم قائم بذاته، ولا يقوم به إطار اعتمادا على خبرته وتجربته، فـ«الكوتشينغ مونتال»، ليس سهلا وعاديا ويمكن لأي مدرب القيام به، بل هو علم يجب تعلمه والاستفادة منه عبر خبير يكون ضمن أفراد الطاقم التقني للأندية، حتى يتم إعداد اللاعبين جيدا من الناحية الذهنية للنهائيات القارية التي تتطلب تركيزا كبيرا، وخروجا من تحت الضغط واللعب بطريقة السهل الممتنع وإخراج جميع القدرات التقنية والبدنية التي يمتلكها اللاعبون لربح التحدي والفوز باللقب، فلا يكفي اطلاقا الإستعداد البدني والتقني، بل يجب أن يكون اللاعبين جاهزين ذهنيا بتركيز عال لحصد الألقاب.
التحكيم شبح مؤرق
عانت الأندية المغربية في العديد من المباريات النهائية القارية، من ظلم تحكيمي مبالغ فيه، لا سيما أن دواليب الكونفدرالية الأفريقية ولجان التحكيم والمسابقات داخله كانت في يد المنافسين، في ظل سلك مسؤولي الكرة المغربية لسياسة «الكرسي الفارغ» التي جرت وبالا، سواء على منتخبات أو على أندية فلو كانت العدالة من سمة قضاة الملاعب في زمن مضى، لكان رقم الألقاب في الخزينة المغربية أكثر من الرقم المرسوم حاليا، غير أن الوضع تغير خلال السنوات الأخيرة لأسباب ذاتية وموضوعية، حيث صارت المتابعة الإعلامية الكبيرة والاهتمام الخارجي بالنهائيات الأفريقية تضع ضغطا كبيرا على الحكام الذين باتوا مراقبين بشكل أكبر من الماضي، كما أن نزول المغرب بثقله في "الكاف" أسهم في رفع الحيف عن الأندية المغربية، وبات التوازن أكثر من قبل التحكيم، وهو أمر لا يمكن إنكاره بأنه كان ضمن عوامل تألق الكرة المغربية على صعيد الأندية في المسابقات الأفريقية، غير أن غياب هذا العامل أو محدوديته على الأقل، في النهايتين اللتين خسرهما الوداد ونهضة بركان، يجعل قيمة الاستعداد الذهني تكبر، وأيضا يجعل التخوف من بروز غول «لعنة النهايات» تكبر أيضا لدى الأندية الوطنية.
قد يهمك أيضًا :