القاهرة - المغرب اليوم
يُعتبر حديد التسليح أشد مواد البناء تأثيرًا على حركة سوق العقارات في مصر، بل في العالم كله؛ لكونه عصب المقاولات والتشييد، ونظرًا لأنه المكون ذو النسبة الأكبر في الأعمال الخرسانية وبناء التجمعات السكانية، طبقًا للهندسة المستخدمة في عصر البناء الحالي، التي تعتمد على عنصرين أساسيين هما الحديد، والخرسانة أي الإسمنت.
وشهدت مصر، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ارتفاعًا جنونيًا في أسعار العنصرين الأساسين في عملية البناء والعقارات، إذ وصل سعر حديد التسليح إلى 9900 جنيه مصري من المصنع، مُقتربا لثاني مرة في تاريخ الصناعة المصرية من حاجز الـ10 آلاف جنيه، كما حدث عام 2008، ما اضطر وزير التجارة والصناعة حينئذ رشيد محمد رشيد لفتح باب استيراده بما يُمكِّنه من ضبط السوق المحلية، والحد من احتكار الشركات المنتجة له.
لكن في ظل الظروف الاقتصادية التي تواجهها، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، أثَّرت على ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في صناعة الحديد، وزادت من تكلفة استيراد المنتج المستورد وخصوصًا الحديد التركي، ولذا إنه من المتوقع أن يتخطى سعر طن حديد التسليح في مصر حاجز الـ10 آلاف جنيه خلال أيام قليلة في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
19 شركة مُنتجة للحديد في مصر تعلن الأسعار الجديدة
ويوجد في مصر 19 شركة تُنتج الحديد الصلب وحديد التسليح، أعلنت تلك الشركات عن زيادة في أسعار الطن بعد تحرير سعر الصرف للجنيه، ووقف استيراد بعض الحديد الأجنبي، ونشرت أسعارها الجديدة، التي ارتفعت بمتوسط 1100 جنيه للطن، رغم وجود حالة من الركود وضعف الشراء, فقد أعلنت شركة حديد المصريين، المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، أن سعر الطن من الحديد الذي تنتجه سيصل إلى المستهلك بسعر 9600 جنيها، كما أعلنت شركتا بشاى للصلب والجارحي، عن زيادة أسعارهما لتُسجل تباعا 9550 و9900 جنيه للطن.
وأعلنت شركة المراكبي للحديد والصلب عن أسعار بيع منتجاتها، بداية من 27 نوفمبر\تشرين الثاني الجاري، لتصل إلى 9500 جنيه للطن نهائي للمستهلك.
وقال خالد الدجوي، العضو المنتدب لشركة الماسية لتجارة الحديد والصلب، إن الشركة أبلغت وكلاءها أن الأسعار ستصل إلى 9050 جنيهًا للوكلاء، ونحو 9250 جنيهًا للتجار على أن تبلغ نحو 9500 جنيه للمستهلك.
وأوضحت شركة الجبيلي لتجارة الحديد والصلب، أن حديد عز شهد ارتفاعًا جديدًا في أسعار الطن، وسجَّل 10 آلاف جنيه، وذلك بزيادة قدرها 1259 جنيهًا مقارنة بآخر قيمة سعرية له وهي 8750 جنيهًا، مُشيرًا إلى أن تلك الأسعار تم تطبيقها بداية من الأحد 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أشارت الشركة إلى أن تلك الارتفاعات جاءت نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار في البنوك مرة أخرى، ليصل إلى 18 جنيهًا للدولار، ما ألقى بظلاله على أسعار الحديد.
وأكد أحد وكلاء شركة العتال للصلب أن الشركة رفعت أسعار البيع، اعتبارًا من، السبت، بنحو 1150 جنيهًا في الطن ليسجل 9500 جنيه بأرض المصنع مقابل 8350 جنيها للطن ليصل إلى المستهلكين بأسعار 9700 جنيه، وأوضح أن الشركة أوقفت حركة البيع للتجار، الأسبوع الماضي، لحين تعديل الأسعار بعد ارتفاع تكلفة الإنتاج، وارتفاع أسعار الخامات المستوردة؛ متأثرًة بسعر صرف الدولار في القطاع الرسمي.
حالة توقف وشلل في سوق البناء
حديد بناء
وبالتبعية، فإن ارتفاع سوق مواد البناء يؤدي إلى ارتفاع في أسعار العقارات، وتهديد الاستثمارات والمقاولات بالتوقف. وأكد أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء في اتحاد الغرف التجارية، وجود حالة "شبه توقف" في سوق مواد البناء، خصوصًا منذ تعويم الجنيه، وقال: "السوق أصابه الشلل نتيجة اشتعال أسعار مواد البناء".
وأوضح المهندس شعبان غانم، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات أرابيان للاستثمار العقاري والسياحي، أن ارتفاع أسعار الحديد يزيد من أوجاع الشركات العقارية، مؤكدًا على أنه لابد من الرقابة على أصحاب مصانع الحديد وتثبيت الأسعار، مؤكدًا أن زيادة أسعار مواد البناء تدفع بالمستثمرين وأصحاب الشركات العقارية إلى رفع أسعار الوحدات السكنية.
تحديات صناعة الصلب، وأسباب ارتفاع حديد التسليح
شهدت صناعة الحديد والصلب العديد من التحديات خلال الفترة الماضية، تمثلت في انخفاض الطاقة التشغيلية؛ نتيجة تراجع ضخ الغاز الطبيعي لمصانع الحديد إلى النصف في بعض الفترات، وارتفاع أسعار الكهرباء، بالإضافة إلى ذلك تسببت أزمة نقص الدولار وعدم قدرة المصانع على تدبير العملة الصعبة في دفع الشركات إلى اللجوء لتدبيرها من السوق الموازية، ما يزيد تكلفة الإنتاج، فضلًا عن تسبب انخفاض الجنيه أمام الدولار في ارتفاع أسعار خام الباليت، الذي يُصنع منه الحديد، والذي يُستخرج من الصخور، ويوضع في فرن ذي درجة حرارة عالية كي يُصهر، فيُصفي المعدن من التراب، وتستورده مصر من الدول الخارجية.
ركود في شركات المقاولات والبناء وتسريح عمالتها
وقد تسبب ارتفاع سعر طن حديد التسليح، المكون الرئيسي لحركة العقارات، في ركود في عملية البناء، ما تسبب في توقف بعضها، وتسريح عدد من عمالة شركات أخرى، إذ أكد متعاملون في سوق العقارات المصري وجود حالة ركود شديدة في القطاع خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى توقف بعض الشركات وتسريح العمالة؛ نتيجة تراجع كبير في عمليات البيع والشراء وسط حالة من ارتفاع الأسعار رغم هذا الركود. واعتبروا الدولار المُتهم الرئيسي في ركود قطاع العقارات؛ بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء.
وأوضح أصحاب الشركات العقارية، التي تعمل في مجال المقاولات، أن السوق العقاري في مصر يُعاني من حالة ركود حادة في عمليات البيع والشراء، مؤكدين أن هناك ارتفاع جنوني في أسعار الوحدات السكنية في المباني الجديدة؛ بسبب اشتعال أسعار مواد البناء؛ خصوصًا الحديد والإسمنت، الأمر الذي أدى إلى عزوف الأفراد عن الشراء، بالإضافة إلى أن الوحدات السكنية القديمة، التي قد تكون أقل سعرًا تعاني من ركود في عمليات البيع والشراء بفعل تراجع السيولة في أيدي الأفراد.
وأثرت حالة الركود في سوق العقارات على عدد من الشركات العاملة في هذا المجال، وهو ما أدى بها إلى تقليص أعمالها، والاستغناء عن عدد من موظفيها، ويؤكد رئيس إحدى شركات الاستثمار العقاري أن مبيعات شركته تأثرت بنسبة تصل إلى 30 في المائة خلال الفترة الأخيرة؛ نتيجة ارتفاع أسعار الوحدات السكنية؛ بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء الأساسية ومنها الحديد، بعد تجاوز سعر الدولار 15 جنيهًا.
ونوه إلى حدوث ارتفاعات في سعر الوحدة السكنية ما بين 10 و25 في المائة خلال الفترة الأخيرة؛ بسبب صعود الدولار، الأمر الذي أثَّر بالسلب وأدى إلى تباطؤ حركة البيع، وأكد أن هناك العديد من الشركات الاستثمارية التي أوقفت ضخ استثمارات جديدة في قطاع العقارات وأوقفت البيع؛ بفعل تذبذب أسعار المواد الخام التي أثَّرت على سعر العقار.
وسبق أن أعلن الاتحاد المصري للتشييد والبناء، منتصف العام، عن خروج نحو 27 ألف شركة مقاولات من السوق، وأن هناك نحو 12 ألف شركة أخرى على الطريق ستنضم للشركات التي خرجت من السوق.
الشركات الأجنبية تأثرت أيضًا
حديد
الارتفاع الشديد للحديد وإسمنت البناء ألقى بظلاله السلبية أيضًا على الشركات الأجنبية، التي تواجه تكاليفًا متزايدة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، أبرزها تحمل تكاليف توفيق أوضاعها في مصر، ومرتبات عمالة ومهندسين ومعدات وضرائب دون وجود عوائد كبيرة على الاستثمار.
وأخلَّت هذه الأمور بالوضع التنافسي للشركات الكبرى. وفي رسالة عاجلة من أحد المستثمرين إلى الحكومة، أكد المهندس درويش حسنين، المدير التنفيذي لشركة "السعودية- المصرية للتعمير"، وهي شركة ذات رأس مال مصري سعودي مشترك، أن البلبلة التي حدثت سواء من ارتفاع أسعار مواد البناء، وعدم قدرة الحكومة على ضبطها، أو السيطرة عليها، أدت إلى عزوف الكثير من المستثمرين عن ضخ استثمارات جديدة أو حتى استكمال ما عندهم من مشاريع.
مشددا على ضرورة أن تتدخل الدولة لإحكام السيطرة ومنع ارتفاع الأسعار، وذلك عن طريق وضع ضوابط لأسعار مواد البناء الأساسية مثل الحديد والإسمنت، مؤكدًا وجود خلل في منظومة المراقبة على الشركات المُصنّعة، ودور الدولة في منع الممارسات الاحتكارية للمصانع.
ويضم سوق العقارات المصري عددًا كبيرا من شركات عربية وأجنبية في مجال التشييد والبناء، أبرزها شركة إعمار العقارية، التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها، وفروع لشركة الفطيم للبناء، تُركز هذه الشركة على تطوير المشاريع العقارية مثل مراكز التسوق والفنادق والمجمعات وغيرها من الشركات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر