يتحكم البنك المركزي المغربي حاليا في قيمة الدرهم على أساس سلة نقدية تمثل اليورو بنسبة 60 في المائة، والدولار بنسبة 40 في المائة.
ومن المتوقع ألا يطول هذا الأمر، إذ أعلنت الرباط خططا لاعتماد تحرير تدريجي للعملة بهدف الوصول إلى سعر صرف أكثر مرونة، أجلت تنفيذها في أواخر حزيران/ يونيو دون أن تحدد موعدا نهائيا، مكتفية بالقول إنه "سيتم اختيار الوقت المناسب لهذا الانتقال بينما يتم إجراء دراسات إضافية". والعملية قد تنطوي على مخاطرة اقتصادية. ففي مصر، اعتمدت سياسات تعويم ساهمت في تحسن الأداء الاقتصادي، لكنها رفعت من أسعار السلع الاستهلاكية ومعدل التضخم السنوي.
وكان البنك المركزي المغربي قد أوضح أواخر العام الماضي أن المرحلة الأولى للانتقال التدريجي إلى سعر صرف مرن، سيتم تنفيذها خلال النصف الثاني من 2017، يزيد تدريجيا خلال فترة تصل إلى 15 عاما. وللوهلة الأولى قد يكون هناك تشابه بين مصر والمغرب بالنسبة للخطط الاقتصادية المستقبلية، فكلاهما يطمح إلى دفع اقتصاده النامي إلى الأمام وتقليل الاعتماد على الواردات بإشراف من صندوق النقد الدولي. فهل ستكون تجربتي البلدين الاقتصادية متطابقة، أم أن هناك اختلافات جوهرية في تناول الخطط والتطبيق؟
المستشار السابق لصندوق النقد الدولي فخري الفقي يقول في حديث لموقع "الحرة"، إن هناك فرقا بين تجربة مصر والتجربة المحتملة للمغرب في تحرير سعر صرف عملتيهما المحلية، إذ اعتمدت القاهرة تعويما مباشرا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 يتحكم فيه العرض والطلب، بينما تفضل الرباط تعويما متدرجا ينظمه البنك المركزي على مراحل زمنية معد لها سلفا.
ويشير الفقي إلى أن ما حدث في مصر من انخفاض مفاجئ لسعر الجنيه أمام الدولار وارتفاع لمعدلات التضخم يرجع إلى التأخر في تعويم العملة، مضيفا "كان من المفترض أن يتم في أول 2016، لكن الاضطرابات الأمنية والسياسية كان لها انعكاسا على الاقتصاد المصري".
ويرى الفقي أن الخلفية السياسية لمصر والمغرب لعبتا دورا أساسيا في اختلاف المسار الاقتصادي الذي تسلكه الدولتان، موضحا أن "مصر مرت بثورتين" ساهمتا بصورة مباشرة في انخفاض الصادرات من 27 مليار دولار إلى 18، وانخفاض التحويلات الأجنبية بصورة كبيرة.
وبسؤاله عن الانتقادات الموجهة للتعويم الحر الذي اعتمدته مصر، وعما إذا كان من الأفضل اعتماد تعويم متدرج كما سيكون في المغرب، يقول الخبير الاقتصادي إن القرار كان صائبا لأن "سعر الصرف كان سيقفز أكثر من معدله الحالي إذا تأخر التعويم، إضافة إلى أن التدرج في التعويم يعكس ظروف العرض والطلب في كل دولة".
كما يلفت الفقي أيضا إلى "خبرة المغرب في التعامل مع برامج الصندوق"، واصفا تجاربه الاقتصادية مع المؤسسة المالية الدولية بـ"الناجحة والمستقرة". وفيما يتعلق بالمخاطر الاقتصادية التي قد تنتج عن تجربة التعويم، يقول إن صندوق النقد كان قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 مسؤولا بصورة كاملة عن تصميم برامج الاقتصاد، لكنه ترك للدول بعد ذلك وضع برنامج ملائمة لظروفها الاقتصادية، مستبعدا أن تكون تجربة التعويم في حد ذاتها تتسبب دائما في مخاطر اقتصادية كارتفاع نسبة التضخم أو انهيار سعر العملة المحلية، بل تحدد نجاحها "قدرة الحكومة على تطبيق البرنامج ومدى التناغم بينها وصندوق النقد".
وفي السياق ذاته، يفيد المحلل الاقتصادي المغربي مهدي فقير في حوار مع موقع "الحرة"، بأن هناك اختلافا جوهريا بين التجربتين المغربية والمصرية فيما يتعلق بسياسات الإصلاح النقدي الذي يرافق تعويم العملة، مشيرا إلى أن التجربة المصرية كانت محصلة لـ"صعوبات اقتصادية أفضت إلى تآكل احتياطات الصرف"، ما دفع القاهرة إلى اعتماد إصلاحات "جذرية ومؤلمة"، كتعويم العملة المحلية من أجل إعادة رفع مستويات الاحتياطي النقدي الآخذ في التناقص، لإعادة التوازن إلى الموازنة المالية العامة.
ويقول فقير إن هذا الإصلاح أفضى إلى نتائج "ربما تكون متناقضة"، فهو كان في صالح القوة التصديرية للاقتصاد المصري، لكنه رفع مستويات التضخم وأثر على القدرة الشرائية للمواطن المصري، مستدركا أن عدد سكان مصر الذي يصل إلى 100 مليون شخص يوفر فرصة نمو حقيقية للاقتصاد هناك. أما التجربة المغربية، فيشير فقير إلى أن الاحتياطات الأجنبية في المغرب تشكل نوعا من الأمان الاقتصادي قبل البدء في سياسات التعويم "على الرغم من تذبذبها وتغطيتها لنحو ثمانية أشهر فقط من الواردات".
ويوضح الخبير الاقتصادي أن المغرب "اختار طريقا آخر" يختلف عن التجربة المصرية، إذ أنه لم يعمد إلى إصلاح يفضي إلى تعويم مباشر، بل قرر المرور عبر مرحلة انتقالية تسمى بسعر الصرف المرن، يتم التحكم في هوامشه من قبل البنك المركزي المغربي. ويضيف أن الرباط تتمتع أيضا بخط سيولة ائتماني ممنوح من قبل المؤسسات المالية الدولية عام 2011 يقدر بحوالي 3.5 مليارات دولار، مضيفا "سيتم استعمال هذا الخط إذا استنفدت الاحتياطات التي تصل إلى حوالي 26 مليار دولار"، ومؤكدا على ضرورة تثبيت سعر العملة في الوقت الراهن، على عكس القاهرة التي اعتمدت تعويما حرا لا يتحكم فيه بنكها المركزي.
ويختتم فقير تصريحاته بالقول إن التعويم الحر للعملة في اقتصادات نامية يتطلب "سلامة البنى الاقتصادية كما يجب أن يكون غاية وليس وسيلة"، مضيفا "يصعب أن يتم الإصلاح عبر تعويم مباشر لأن اقتصادات الدول النامية تعاني من اختلالات هيكلية". ولا شك أن اتخاذ خطوات اقتصادية كهذه عادة ما يكون محفوفا بالمخاطر، لكن في الحالة المصرية، تقول القاهرة إن تحرير سعر صرف العملة المحلية من شأنه زيادة تنافسية الاقتصاد المصري في الأسواق الخارجية وتقليص اعتماده على الصادرات من أجل إنتاج محلي أكثر قوة ونشاطا، إضافة على رفع أعباء مالية عن الحكومة وخفض معدلات البطالة ومساعدة القطاع السياحي على الانتعاش على المدى البعيد، رغم التداعيات السلبية الآنية.
ويُذكر أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في مصر سوبير لال أوضح في أيلول/ سبتمبر الماضي أن نتائج التقييم الأول للبعثة، والذي انتهت منه في تموز/ يوليو الماضي، "كانت إيجابية وتثبت تحسن النشاط الاقتصادي المصري وعودة الثقة فيه من قبل المستثمرين". كما أرجع اقتصاديون سبب تراجع المغرب عن تنفيذ الخطوة الأولى من التحرير المتدرج لسعر الصرف إلى وجود مخاوف بشأن تناقص مستوى الاحتياطات الأجنبية. وكان وزير المالية المغربي محمد بوسعيد قد لفت إلى انخفاض الاحتياطيات الأجنبية 4.4 مليارات دولار في شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو، أي قبل موعد تحرير سعر الصرف الذي كان مقررا في حزيران/ يونيو الماضي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر