الرباط - المغرب اليوم
صدر عن منشورات ضفاف، بيروت ومنشورات الاختلاف - الجزائر ودار الامان - الرباط، كتاب بعنوان "بول ريكور والفلسفة"، ضمن سلسلة مسائل فلسفية، وهو عبارة عن مجموعة من الدراسات والابحاث كتبها مختصون في الفلسفة وأشرف عليه د. نابي بوعلي.
وفي تقديمه للكتاب قال د. نابي بوعلي: إن الكتاب هو محاولة الاقتراب من فيلسوف من الطراز العالمي، حظي باحترام كبير، وعرف بالتزامه الكلي على المستوى العلمي والديني والأخلاقي والسياسي، فهو فيلسوف الإرادة، والحوار، والتسامح، والتأويل، والغيرية، ورشحته أعماله الكثيرة والغزيرة ليكون قامة من قامات الفكر والفلسفة، وترك بصمة قوية على المنعطف الأخير للفلسفة الغربية المعاصرة وهي في آخر تحولاتها وانعطافاتها.
وريكور هو فيلسوف فرنسي وعالم إنسانيات معاصر ولد في فالينس، (1913-2005) ويعد واحدا من ممثلي التيار التأويلي. اشتغل في حقل الاهتمام التأويلي ومن ثم الاهتمام بالبنيوية، ويعد ريكور امتدادا لفريديناند دي سوسير، ويعد رائد سؤال السرد.
من أشهر مؤلفاته "فلسفة الإرادة"، "التاريخ والحقيقة"، "الإنسان الخطاء، رمزية الشر"، "عن التأويل: مقالات حول فرويد"، "صراع التأويلات"، "الاستعارة الحية"، "الزمن والسرد"، "من النص إلى الفعل"، "الذات عينها كآخر"، "العادل"، "محاضرات في الإيديولوجيا واليوتوبيا"، "الذاكرة والتاريخ والنسيان"، "مسارات التعرف والاعتراف".
واستعرض بوعلي في الكتاب جزءا من سيرة ريكور، لافتا فيها إلى أنه عندما نشبت الحرب العالمية الثانية استدعي ريكور للعمل في صفوف الجيش الفرنسي، ووقع في الأسر عند الألمان، وظل في المعتقلات حتى وضعت الحرب أوزارها، وأطلق سراحه في ربيع 1945.
ونوه بوعلي إلى أنه رغم متاعب وعذاب السنوات التي قضاها ريكون في الأسر، إلا أنها كانت فترة خصبة ومثمرة جدا في حياته على الصعيدين الفكري والإنساني حسب اعترافاته، ولعبت فترة الأسر دورا أساسيا في تحديد مصيره، ومستقبله الفلسفي. وأضاف أنه خلال تلك السنوات تعرف ريكور على الفلسفة الألمانية في لغتها الأصلية، خاصة فلسفة كارل ياسبرس، وغبريال مارسيل الذي كان يقود تيار الفلسفة الوجودية المؤمنة، كما قراءة مارتن هيدجر، وترجم المجلد الأول من كتاب الفيلسوف الألماني ومؤسس الظاهريات إدموند هوسرل "الأفكار".
كل هذا جعل ريكور بحسب بوعلي: صاحب الفضل في الترويج للفلسفة الظاهراتية في عمق الثقافة الفرنسية، التي كانت ساحة لتيارات فلسفية كثيرة، مشيرا إلى أن الأحداث المؤلمة والحرجة التي عاشها ريكور التي تركت أثرا عميقا في نفسه، وانعكست على فكره الفلسفي المشبع بالنزعة الإنسانية، والمتطلع بشغف إلى إعادة الإنسان في كونيته إلى إنسانيته.
ونوه بوعلي إلى أن ريكور كان يتساءل عن الشر وعن الإثم والخطيئة والدنس والمعنى والرمز والإرادة والتاريخ والزمن والذات والأنا والآخر... الخ، وهي الأسئلة الكبرى، والقضايا المصيرية التي تضمنتها مؤلفاته العديدة، ووجهت مشروعه الفلسفي الكبير، الذي خاض من خلاله غمار رحلة شاقة عبر بحار الفلسفة، ليتأمل حياة الإنسان المعاصر، الذي يعيش وسط عالم مليء بالشكوك والعثرات، يدشن من خلاله ألفية ثالثة موسومة بالتأزم.
ولاحظ بوعلي أن فلسفة ريكور بحثت في القارة بكل اقتدار في حقول معرفية كثيرة ومتباعدة، وشملت اهتماماته ميادين كثيرة يصعب تصنيفه في ميدان واحد بعينه حتى وإن كان بعض الدارسين والمتتبعين لفلسفته يصنفونه في خانة الفلسفة التأويلية، إلى جانب الفيلسوف الألماني جورج هانز غادامير.
ورأى بوعلي أن الزمن سرق ريكور، وهو الذي كان يبحث عن الزمن، ولكن صاحب كتاب الذاكرة والتاريخ والنسيان سوف يتذكره التاريخ، ولن يطويه النسيان، لأن الفلاسفة لا يموتون بقبر أجسادهم في التراب، بل إن موتهم يجعلهم من الخالدين يواصلون رحلتهم ويخترقون الحدود الزمانية والمكانية. وخلص بوعلي إلى أن هذا الكتاب لا يقدم إلى القارئ العربي الإلمام بكل جوانب فلسفة ريكور المتشعبة، وإنما سيتركنا مع المزيد من الأسئلة وعلامات الاستفهام المحيرة التي تفرزها أوضاع الثقافة الإنسانية من جهة، ومع فضاء القراءات الممكنة التي تنفتح عليها كتابات بول ريكور الثرية والمتنوعة من جهة ثانية.
وقد شارك في هذه الدراسات والابحاث كل من:"البخاري حمانة- جامعة وهران، حاتم الورفلي، تونس، العربي ميلود- جامعة مستغانم، عبد الوهاب مطري جامعة الجزائر، عمارة ناصر- جامعة مستغانم، مختار لزعر- جامعة الجزائر -جنات بلخن، جامعة قسنطينة، فيصل لكحل- جامعة معسكر، حمادي هواري، جامعة معسكر، نابي بوعلي - جامعة معسكر، قواسمي مراد- جامعة مستغانم براهيم أحمد- جامعة مستغانم".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر