شكل مفهوم "القيمة" محور جدل العديد من الفلاسفة والمفكرين على اختلاف مشاربهم ومناهلهم وكذا مجالات إنتاجيتهم, بالرغم من التنوع في التأويلات والمقاربات البحثية, نجدنا دوما بحاجة ملحة أكثر من ذي قبل إلى الإقتراب بتجديد من هذا المفهوم بالتوازي مع ما وجد في عوالم الفكر وصدقه الفعل حتى نتمكن من "معلمة" أنفسنا في دائرة الأحداث ونقيم كل ما يحيط بنا من أشياء وأشخاص ووقائع ب"معلم" مستحدث يتوافق مع ما نعيشه وما نستشرفه من نظرات مستقبلية ومرتكز على ما عايشناه وأدركناه من خلال قراءاتنا للتاريخ.
إن دلالة "القيم" جمع "قيمة" كمفهوم تتنوع باختلاف الثقافات, فمثلا عند الفرنسيين لها مدلول نفسي ومعنوي, وفي اللغة العربية "القيم" مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدافع نحو الإيجابي من الأمور والقدر والمنزلة بل وحتى التنمية. يمكننا كذلك رصد بعض استعمالات المصطلح وربطها بواقع الإنسان, فعلى سبيل المثال:
* مع الرياضيات نفهم أن لكل مجهول قيمة سواءً كانت سلبية أو إيجابية أو حتى منعدمة, وإسقاط ذلك على واقع الحياة له دلالة قوية إذ أن الأفراد متباينون في "من هم" و"ما هم عليه" و"ما هم باحثون عليه وفيه".
* مع الاقتصاد نعي جيدا أن "القيمة" و"السعر" شيئان متلازمان حيث أن مثلا قانون "العرض والطلب" يفيد بأن نقطة تلاقي كل من العرض والطلب لها دلالة قيمية جزئية مرتبطة بثمن المعروض أو المطلوب في ظروف نسبية مرتبطة بالأمكنة والأزمنة على اختلافها وتعددها.
* مع علم النفس نعرف بأن " القيمة "هي كل ما يمكن أن يشكل دافعا للآدميين نحو ما يجمعهم تحت سقف عنوانه " إنسان" متجاوزين بذلك كل ما يصنفهم ويميز "أناهم" عن الباقين من النوع البشري ومترفعين عن الظنون والحسابات والتحيزات على أشكالها في معالم النخبوية.فالقيمة هنا يمكن اعتبارها أحد محركات السلوك البشري نحو الإيجابية سواءا الفردية أو الجماعية.
* مع علم الاجتماع " القيمة " تشكل منطلق وغاية ينشدها الناس لبناء مجتمعي مترابط يكفل للفرد منه التواجد في أي قطر على اعتبار معلومية هذه "المادة" لدى جل أفراد هذا المجتمع.
إن "القيمة" كمفهوم, لها في العلوم الإنسانية دلالة إيجابية طابعها الارتقاء والرفعة, وسيلتها كما غايتها واعدة سامية, مرتبطة بجذور الفطرة الأصل في الإنسان لذلك فاستحسانها غالبا ما يكون عفوي ومناشدتها تأتي باندفاع ذاتي بغير تدخل وإجبار, لأنها تندمج ونقاء الفطرة الضامن الأساس لتعايش الناس مع بعضهم البعض وتقاربهم بالرغم من كل مفرق. لذا كان " إحياؤها " في الدواخل وسماع صداها منطلق مرغوب وترجمتها فكرا وقولا وفعلا نبع فخر وعز, وتخطيها بتجاهلها مدعاة للقلق بل للعلاج والتصالح مع النفس بالانفتاح عليها داخليا وخارجيا, لأن "بتر" القيم من شخص الإنسان ومن مجتمعه ما هو إلا مرض مزمن فتاك ببناء هذا الشخص الآيل للسقوط في أي لحظة بدونها.
من هذا المنطلق وفي محاولة التقرب أكثر من مفهوم "القيم" اجتماعيا وقيمتها في مجتمعاتنا العربية كانت هذه المحاولة لقراءة كتاب "قيمة القيم" للمفكر المغربي الدكتور "المهدي المنجرة".
"قيمة القيم" عبارة عن مجموعة من المداخلات والمحاضرات والمقتطفات للمؤلف وكذا الحوارات التي أجريت معه, فالناظر لأول ولهة في فهرس الكتاب وصفحاته نظرة أولية ينتابه ما يشبه "التشتت" كون مواده تمت في تواريخ متباينة وليست متسلسلة هذا من جهة ومن أخرى يصعب المسك بسهولة برأس الخيط الرابط بين هذه المواد. لكن بالرغم من هذا النوع من "الضبابية" التي قد تنتابنا عند إلقاء إطلالة سريعة على الكتاب فإننا عند المضي قدما في قراءته شيئا فشيئا نكشف تراصا لأفكار "تحتية" تدور جلها في فلك فكرة مركزية التي نخلص إليها بمجرد تقدمنا بتركيز في قراءة الكتاب. والفكرة الجوهرية التي يمكن أن نرتشفها من محتوى الكتاب تدور أساسا حول نوعية الصراعات الحضارية والثقافية التي يضمرها المستقبل للعلاقات الدولية وبين المجتمعات على اختلاف مرجعيتها وتموقعها جغرافيا ووفق معالم التصنيفات على أشكالها.
كتاب "قيمة القيم" عبارة عن ثلاثة أجزاء مثلما يوضحه فهرسه, أما الجزء الأول فبعنوان "القيم والمجتمع" - في هذا الجزء يولي المؤلف الاهتمام بمختلف القيم الموجهة للمجتمع توجيها صوابا سواء من داخله أو حتى فيما يمكن أن يربطه بالخارج من علاقات. فعلى سبيل المثال في الجزئية الأولى منه يقول: "... ورغم كثرة البرامج الدولية للتنمية, لاسيما في أفقر الدول حيث يزداد الاهتمام الدولي, فإن المساهمة الوطنية نادرا ما تمثل أقل من سبعين في المائة من المجموع, وتبقى المساعدة الدولية التي تنتج عن هذا التعاون ضعيفة من ناحية الكم, إذن يصبح من الضروري القيام بمقاربة منظومية في التحليل لتقييم جودة التفاعل الثابت بين المستوى الوطني والمستوى الدولي, والمهم في هذه المساعدة الخارجية هي الأفكار والتصورات الناتجة عنه والتجارب الصادرة منه". بربط هذا المحتوى بالأحداث الراهنة خصوصا بما يتعلق بدول صنفت اقتصاديا ب"دول نامية" أو "في طور النمو", فإن إشكالية تبعية الدول النامية للدول "المتطورة" مستفحلة كلما ارتبطت بما يسمى "مساعدات" من هذه الدول وجعلت معتمدها الرئيس عليها بالرغم من ثبوت ضآلة مساهمتها في النهوض خصوصا بقطاع الإقتصاد الذي أصبح ركيزة أساسية للإعتراف بوجود الدول في معالم القوة. إذ أن أهم ما يمكن أن يساهم في "النهوض" انطلاقا من التعاونات بين الدول مرتبط بعالم الأفكار والتصورات الناتجة عنها.
في الجزئية الثانية ينبه الكاتب إلى أهمية "الثقافة المتوسطية" التي تربط بين دول البحر الأبيض المتوسط بل أكثر من ذلك ربط مستقبل هذه الدول ومستقبل قضاياها رهين بمستقبل الثقافة بها على اعتبار أن الثقافة لها ارتباط عريق وثيق بجميع جوانب الحياة ولا يمكن نسخ ثقافة مجتمع ما أو دولة ما في حيز آخر تحت مسمى "نقل الثقافة", لأن التعدد وارد بحكم أن لا شمولية لثقافة ما من جهة, ومن جهة أخرى باعتبار الثقافة نسبية والموروث الثقافي هو مفتاح من مفاتيح التنمية وبالتالي أي محاولة لتعميم ثقافة ما أو نقلها واستنساخها وإجبارها ما هي إلا محاولة للتشتيت والتفرقة والهدم وليس البتة البناء. في هذا الصدد يقول المؤلف:" إن إحدى القضايا الأساسية بالنسبة لدول حوض البحر الأبيض المتوسط, تتعلق بمستقبل ثقافاتهم, لأن هذا المستقبل مرتبط بجميع الجوانب الأخرى للتنمية, الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية إلخ..أضف إلى ذلك أن هذا المستقبل غير قابل للانقسام لأن هناك ثقافة متوسطية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني سامية".. وعليه فإن مفهوم "الثقافة" بما تضمره من أبعاد لها وقع عميق على مستقبل الشعوب ووجودها وارتباطاتها فيما بينها ولما لها من جذور ضاربة في عمق التاريخ وما تكتنزه لواقع المستقبل, هنا يردف المؤلف بقوله "إن الفرضية السابقة قد يظهر فيها شئ من المبالغة بالنسبة لأولئك الذي لا يهتمون بالماضي ولا بالإطلاع على كتب التاريخ, وحسب تجربتي, فإنني أدرك أنه كلما ازددت اهتماما بالدراسات المستقبلية, زادني ذلك الشعور بالحاجة لترسيخ رؤيتي على أسس تاريخية صلبة".
مركزا على مفهوم "الثقافة" والقيم الثقافية للمجتمعات, يتحدث المؤلف عن "الهوية الثقافية" معتبرا إياها سببا في وجود "منظومة القيم" وبغيابها تفشل المجتمعات في إثبات ذاتها,فيقول بأن "هناك فترات يؤدي فيها الانفتاح التلقائي وليس الانتقائي إلى غزو كبير وإضعاف أعز ما للإنسان: هويته الثقافية وهي الخلاصة وسبب وجود منظومة القيم". ثم يطرح المؤلف في هذا الصدد مجموعة من التساؤلات التي تهم دول الحوض المتوسط والتي لا بأس من سردها لأهميتها البالغة وما تحيل إليه إذ جاءت على النحو التالي:
* هل وصلت الضغوطات السياسية والاقتصادية والثقافية اللامتوسطية إلى درجة من الحدة؟
* ما هي حاليا قدرة منظومة القيم المتوسطية على المقاومة؟
* ما هي قدرة ثقافة المتوسط على التكيف والتطور أمام التطورات الداخلية والخارجية التي تفرغ وتتحمل في نفس الوقت في عالم يزداد اعتماده على التضامن؟
* ما هي درجة وعي سكان المنطقة وحكامها بالمشاكل وأولوية التفكير في حلول مستقبلية؟
بعد ذلك يمضي المؤلف إلى الجزئية الثالثة إذ نلحظ تركيزه على ضرورة صيرورة حركية "التعلم" من المهد إلى اللحد منبها إلى ما يمكن أن يجابه أو يعوق المسيرة العلمية بين هاتين المحطتين مستقبلا, مشددا على أن أهم عناصر التعلم "القيم" قائلا: "وأهم عناصر التعلم هي القيم, وعندما نشير إليها كعناصر فإننا نؤكد على دورها الفعال في عملية التعلم, فقيمة البقاء مع الكرامة يمكن أن تكون ذات آثار مباشرة في التوجيه, ويلاحظ أن ظهور القيم هو ظهور للحد الفاصل بين الذاتية والموضوعية وبين الحقائق والأحكام وبين ما هو كائن وما يجب أن يكون وبين العلم والأخلاق والأحكام وبين العلوم الحقة والعلوم الإنسانية وبين الغايات والوسائل وبين المعقول واللامعقول".
أما الجزئية الرابعة والمعنونة ب"الثورة الفرنسية - تأملات معاصرة" فتعطي تأملات عميقة وبالتالي تساؤلات حول الثورة الفرنسية ونتائجها على منظومة القيم في المجتمع الفرنسي آنذاك وخارجيا أيضا موصولة بالواقع الحالي على اعتبار ارتباطات فرنسا خارجيا واستراتيجيا ثم بربط الفجوات الناتجة عنها بالثغرات التي أفسدت إلى حد ما منظومة القيم.يقول المؤلف: "إن الجهل والنسيان أو تهميش حقوق الإنسان تشكل الأسباب الوحيدة للبؤس الإجتماعي وارتشاء الحكومات".
هكذا يمضى المؤلف في كتابه مركزا في جزئيات الفصل الأول كاملا عن الأخلاقيات والقيم باعتبارها مرجعا وموجها لسلوك الإنسان نحو الإيجابي وكونها الركيزة الأساسية لتقارب المجتمعات على اختلاف جذورها وأن أي تفاضل على مستوى الأخلاق والقيم بإمكانه أن يشكل أهم أسباب التباعد والصراع بين الثقافات والحضارات مثلما يوضح ذلك في جزئية " أي مستقبل للإسلام في أوروبا ؟ ", فيقول المؤلف: " لقد كتب روبرت فيسك مقالا في صحيفة "الإنديبندنت" تحت عنوان "فقدنا بوصلتنا الأخلاقية منذ زمن, فكيف نستطيع إذن أن نخطب على العالم الإسلامي؟" هذا هو السؤال, مثلما كان سيقول شيكسبير , ولعل مشكلة الأخلاقيات,من أهم القضايا عند دراسة مسألة مستقبل الإسلام في أوروبا". ثم يردف المؤلف بقوله "...هكذا سيبقى التسامح المتبادل حاضرا ومستقبلا هو الحل من أجل البقاء", على اعتبار القاسم المشترك وما يمكن أن يقرب بين الثقافات على اختلاف مشاربها وإلغاء خلافات مجتمعاتها يكمن بالأساس في منظومة القيم المجاوزة لأي بعد حضاري ثقافي الذي تطبعه بل تطغى عليه النسبية الزمنية والمكانية.
بعد استفاضة في طرح دور القيم في سلوك الأفراد كما المجتمعات والعلاقات الدولية والجهوية خصوصا بين جهة دول "الشمال" وجهة دول "الجنوب", ينتقل الدكتور المهدي المنجرة إلى الفصل الثاني المعنون ب "القيم والخلق والإبداع" وهنا يولي المؤلف اهتماما بليغا بتعميم التعليم للخروج بشعوب "العالم الثالث" من براثن الجهل كمعطى أساسي بل ومبدأ أول نحو تحقيق المساواة وتبديل علاقات الأفراد فيما بينهم نحو إلغاء التراتبية بكل أنواعها ومشاركة الجميع في تحد أهم بكثير من التحدي الإقتصادي أو التحدي العالمي وهو تحدي البناء الإنساني في أوساط مجتمعاتنا, فيقول: "بعضهم ارتبك عند احتمال تعميم التعليم, ويفترض أنه سيصبح من الصعب العثور على حمال في محطة القطار أو حارس أو كناس أو ما شابه ذلك... إن الخوف قائم بسبب غياب الشجاعة لتصور مجتمع مغاير تطبعه المساواة".
إن العلم لا يخضع حسب المؤلف بدوره إلى توزيع منسجم ومتساو, ومردودية استعمال المعارف غير معقولة لأنها لا تخدم إلا فئة قليلة من البشر سواء في الدول المتقدمة أو النامية, علاوة على هذا فإنه ما لم يكن للعلم مقصد وجيه وظاهر فإنه يصبح مجرد "رحى" تدور في الفراغ وطاقتها تهدر في الهواء دون إنتاج, ثم يشير على أنه ليس مع أولئك الذين يؤمنون بالعلم من أجل العلم, هنا يجعل مدخلا للفن في مسألة الإيمان هذه مشيرا إلى أن العلم من أجل العلم بدون فن يتعارض مع أسمى أهداف العلم. بعد ذلك يخضع المؤلف العلاقة بين القيم والتجديد والتطوير التقني إلى التساؤل حول ما إذا كانت المبتكرات التقنية تتناقض وسلم القيم من حيث الأهداف فيشير بوضوح جلي إلى نقطة تعارض بين الابتكار والقيم من حيث مهمة كل واحد فيهما, على اعتبار أن الأول يعني التغيير في حين تنحصر مهمة القيم في التركيز والمحافظة على أنماط الحياة وأنواع السلوك, كما هو ملاحظ في طرق التربية الحديثة السائدة في العالم المانعة لكل إبداع والحاجزة لانطلاق الخيال الخلاق. وكما يبدو ذلك بوضوح بالغ في الحيز المكاني الذي استأثرت به التقنية لنفسها باستقلال عن العلم مما يبعدها شيئا فشيئا عن القيم الإنسانية, في هذا الصدد يقول المؤلف "..من ذلك ما يؤكده بعض الأخصائيين في مجالات اللآلية والذكاء الاصطناعي والتقنية الإحيائية, من أن تقنياتهم قادرة على توليد تقنيات أخرى دون المرور بالعلم", بعد ذلك يمضي المؤلف إلى مفهوم "الزمن" باعتباره "خميرة القيم الإنسانية" فيستحضر في هذا توافقه مع "جون لادريير Jean LADRIERE"
في فكرة: أن الخلل في المنظومات الثقافية ما هو إلا نتاج للاضطراب في مفهوم الزمن لدى المجتمعات. بعد ذلك يردف المؤلف بتوصيف الدول ب"الفقيرة" تلك التي لا تعيش بدون فن وليست تلك التي لا تملك موارد طبيعية على اعتبار أن الفن من الناحية الجمالية يكمن في مكونات الذهن وكل شخص - حسب المؤلف - يعيش حياة يجهل فيها الجمال أو ينكره فهو شخص حي- ميت.
غير بعيد عن ارتباط العلم بالثقافة والفن وأيضا بالسلطة, يعرب المؤلف أمله في محاربة "جهل الفن" عند المسئولين على اعتبار تواجد الفكر في العلاقة مع أمور الفن ليست بقضية تربوية فحسب بل وتتعداها إلى كونها إشكالية ترتبط بمسلسل تقدم المجتمع وهنا يضرب مثلا للدول المتقدمة في انتقائها لمسئوليها إذ تأخذ بعين الاعتبار العديد من المعايير والشروط الضرورية لولوجهم إلى السلطة من بينها ثقافة المرشح على العكس تماما لما يحدث في الدول "المتخلفة" أو "دول العالم الثالث" إذ يأسف فيها على قيادة "الجهل" أصحابه إلى السلطة ويقصد هنا جهل الفن والجهل الثقافي بالرغم من توفر معايير أخرى للكفاءة, تبقى غير كافية في غياب الحس الفني لارتباطه العميق بمسألة الهوية, وهنا يمكننا استحضار فكرة الدكتور عبد الوهاب المسيري حول مفهوم "الجمال" باعتباره مكون أساسي ضروري في الوجود الإنساني.
ثم الجزء الأخير من الكتاب والمعنون ب"قيم وذاكرة", هو جزء خصصه المؤلف بدرجة كبيرة إلى لفت أنظار ذاكرة القارئ إلى تقدير بعض أعلام المغرب الذين أثروا بإنتاجهم في مجالات مختلفة في قيم وثقافة المجتمع المغربي بل وفي التواجد والبناء الإنساني داخله.
وفي الختام, يمكن أن نخلص إلى أن التغيير بالقيم ظل على مر الأزمان وأصبح وسيبقى الطريق الأقصر والأضمن نحو "مشروع مجتمع" إنساني راق يطمح له كل من يعتقد بأحقية هذه الوسيلة فينتمي إليه انتماءً جوهريا حضاريا ثقافيا فكريا فعليا حتى يحققه أو بوادره داخل منظومة ذاته ثم يترجم ذلك عبر سلوكياته في محيطه, أما عن مستقبل الصراعات بين الدول والمجتمعات فيما بينها, وهي من أهم أطروحات الكتاب, فالمؤلف يربطها بمدى احترام منظومة القيم في كل مجتمع على حدة وكيفية التعاطي معها بل وكيف توظف لتفادي الانهيار الثقافي المتسارع بتواصل, خصوصا في دول العالم الثالث على اعتبار أنه إذا فقدت الثقافة والمبادئ القيمية فلا قائمة مع أي تقدم اقتصادي وسبق على أي مستوى. بل إن انهيار منظومة القيم في المجتمعات وإتلاف معنى الثقافة وحس الجمالية في أوساط المجتمع لا يمكنه إلا أن يقود إلى تراجع التنمية على أشكالها باعتبار الثقافة هي منطلق التنمية بل مفتاحها.
صحيح أن قراءة الكتاب وربط أوله بوسطه ثم بآخره قد يكون أمرا ليس من السهولة بمكان, لكنه يبقى كتاب فريد من نوعه وحتى في محتواه, كون من يغوص فيه متصفحا إياه لا يملك إلا أن يمضي مع المؤلف في طرحه بل وقد يفتح في ذهنه آفاقا جديدة للتساؤل والبحث, وهذا من أهم أدوار الكتب الراقية الهادفة التي بمجرد الإنتهاء من تصفحها تشعرك كأنك ودعت رفيقا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر