دمشق - سانا
تحتوي مجموعة رنيم الطائر الجارح للشاعر فايز خضور عددا من المقاطع الشعرية التي تكون قصيدة واحدة تعبر في مضمونها عن عدد من القضايا الاجتماعية والإنسانية التي تناولها الشاعر من خلال استعارته للطائر كي يستخدمه كرمز دال على مجمل قضاياه الموجودة في القصيدة.
يعبر الشاعر من خلال هذا الطائر الذي استعاره كرمز عن شموخ الإنسان الذي يتمسك بكرامته وعزته فيكون هذا النوع من البشر عالي الهمة يسمو فوق كل الأشياء ليصل إلى النقاء المطلق يقول.. في جبال السماء .. ينحت الحر خيمته .. تاركا للغيوم غبار جناحيه .. يرقب منظومة النجم .. في هذيان ارتعاشاتها.
ويرى خضور أن هذا الرجل الإنسان الذي رمز له بالطائر الجارح أصبح مختلفا في زمن مترد وعبئا على من حوله لأنه يمتلك صفات الشاعر ولانه عندما يتألم لا يبكي لكنه يمضغ القهر فاغترب في سلوكه عن بيئته واختلف معهم في رؤى الحياة يقول.. صار عارا وبيلا .. بتاريخه الحيوي المصدع في كونه أدمن الشعر والخمر.. والنار في محبرات النساء.. عيبه مفرد ...أنه يمضغ الدمع قهرا .. ولا يتلهى بطقس البكاء.
وبرغم كل ما يتعرض له بطل قصيدة خضور يشق سبل الحياة محافظا على منظومته يتحدى الشتاء ولا يأبه ببرده أو ضبابه ويقاوم قيظ الصيف ويخترق سرابه لا شيء يثنيه عن إرادته وبهذه المعاني تبدأ القصيدة باتجاه درامي تصاعدي العاطفة ليأخذ النص شكلا قصصيا رغم كل الدلالات التي توءكد وجود الشاعر والشعور والقصيدة في الألفاظ والبنية المكونة لتسلسل المعاني والتعابير يقول .. يحفر الحلم أيقونة في جبين الضباب .. تلك أحواله في جليد الشتاء .. وفي جمرة الصيف ينقش أسماءه في أجيج السراب.
ويخرج الشاعر إلى الواقع المرير الذي تميز بطغيانه على القيم الإنسانية وهتك مشاعر الإنسان بما يحتويه من قهر وظلم وخنوع واعتداء الإنسان على الإنسان كاشفا ذروة المؤامرة على ذلك الطائر الذي يمثل الإنسان بكل آماله وآلامه وتطلعاته نحو الخلاص يقول .. إثر التفاخر والتبجح والتلذذ .. يوم تقطيع الجسد .. يتدافعون ليجلدوه ويقتلوه ويصلبوه ويحرقوه ويسحبون بذيله حبل المسد.
ويعبر خضور عن هذا الكائن العظيم بأنه قادر أن يتحدى الليل ويبدد الظلام دون ان يخاف من الموت تدله إلى مبتغاه تلك الأشياء النبيلة الموجودة في أعماقه عندما تنعكس في أعماق تطلعاته كضوء يقول .. سريرته ضووءه .... والموت بوصلة الدهر .. تلهو بها راحتاه.
ويوضح خضور مدى الهم والمشقة والآلام التي كابدها وهي تعمل على قهره متحملا صعوبة التنقل بين المغارات دون أن يسلم رأسه لإغراء أو يتساقط لأمر ما يقول .. عاش بين الندامة أمير المغارات .. لم يغره الجاه والضوء من لم تستمله الصروح .. على الناس أن يروا المخلوق بشكل يتلاءم مع صفاته حسب ما يرى خضور لان معاييره مختلفة وطقوسه مغايرة لطقوس الآخرين فحياته كومة أوجاع تدل على قامة سامقة تستحق التقدير وتستأهل العذر والتأمل يقول .. لا تلوموه إذا ما قال عنه الخلق شكاك .. صيفه ثلج وأهوال .. وريح صرصر.
ويبين الشاعر أن كل المواجع التي انتابته وكل المتغيرات التي عاشها هي أشياء قليلة وصغيرة أمام ما يمتلك هذا الإنسان العظيم الذي وجد في الكون كمخلوق لا يساويه أحد يقول .. بكى وراح .. يهز بالأرجوحة السكرى ثمار الحلم .. لم تمسسه أنفاس الرضا.
وتتفرع في قصيدة الشاعر قضايا أخرى من خلال الإنسان الموجود في جملها الذي يعتبر محور الحياة وإن كان كما وصفه الشاعر يمتلك صفات إنسانية كريمة فلا بد من وجود إنسان آخر تختلف أخلاقه ونظمه الحياتية بشكله وسلوكه الرديئين عكس الإنسان الذي جاء بأول القصيدة يقول .. الطلاق بشارعه .. واجتراعاته المذهبية والفلسفية .. ذئب عظيم هو القتل عمدا.
ويتصاعد خط القصيدة البياني فيظهر فيها الإنسان بتقلبات حياته وانعطافات سلوكه وتتباين المواضيع والقضايا فتختلف هذه المرة قصيدة خضور وتحمل في رسالتها طبائع الإنسان وما يترتب عنده وعليه خلال تلك الحياة البائسة يقول.. عما قريب تنتهي الأعراس .. فألتمس لكحلة الرشا حماية .. ومطرحا يقي الفتون.
يذكر أن الكتاب من منشورات اتحاد الكتاب العرب ويقع في 136 من القطع المتوسط .
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر