دمشق - سانا
يقارب كتاب "ألكسندر ألوف وفلاديمير ناعوموف" السيرة الإبداعية لهذين المخرجين السوفييتيين عبر تحليل فني لكل ما أنجزاه سوياً ابتداءً من صداقتهما في المعهد السينمائي في موسكو ومشاريعهما المشتركة مع أستاذهما المبدع أندرييفيتش سافتشينكو مروراً بمجموعة من أفلامهما التي حققت بصمة خاصة في تاريخ السينما السوفيتية ولاسيما افلام السلم القادم.. الهروب.. أسطورة تيل.. الشاطئ.. وغيرها.
ويحاول النقاد المشاركون في تأليف هذا الكتاب الإضاءة على طباع هذين المخرجين المختلفة والتي شكلت نقطة انطلاق لجدالات فنية كانت تنتهي على الأغلب بمشتركات مهمة على الصعيد السينمائي حيث بين مؤلفو الكتاب أن ألوف كان جندياً ومحارباً قديماً وكثيراً ما يشبه في مظهره الخارجي الشاعر بوشكين كإنسان جذاب ومتحفظ في حين ان ناعوموف هو أكثر فتوة وهو شديد الشكيمة في طبعه وذو خيال جموح وفنان موهوب وممثل قدير.
وجاء في مقدمة الكتاب الذي يحمل الرقم 231 ضمن سلسلة الفن السابع التي تصدرها وزارة الثقافة السورية منذ معهد السينما.. بدأ اتحاد مدهش بين هذين المخرجين غير المتشابهين ولكن الضروريين أحدهما للآخر.. لقد امتد هذا التعاون الإبداعي الذي أغنى السينما السوفييتية بأعمال فنية حقيقية لأكثر من ثلاثين عاماً ويقرن هذا التوضع الإبداعي بشكل عضوي بالخيال الجامح والانفجارية في مزاج ناعوموف مع تعمق الوعي للمادة من قبل ألوف المسرحي الحكيم.
ويلفت النقاد إلى أفلام هذين المخرجين التي اقتحمت من قبل الرومانتيكية مثل الفتوة القلقة والريح التي تميزت بحداثة الشكل وبالتركيب التعبيري وتوزيع الممثلين الساطع والانسجام الدقيق للمادة الفيلمية مع اندفاعية الإيقاع والثقافة العالية للمونتاج بحيث أعاد كل من ناعوموف وألوف هذه الشرائط إلى الحياة بأساليبها السينمائية المميزة بعيداً عما كان سائداً من اللغة المنمقة والفخامة الظاهرية الخاوية من الجمال الحقيقي كما أحيا البناء الحيوي والشفافية والدرامية الصدامية والأدب الاجتماعي الشجاع الغني بمجازاته الفنية.
كما يوضح الكتاب الصادر حديثاً كيف نسف هذان المخرجان القوانين الجمالية الكاذبة التي كانت فيما مضى معايير في السينما وبرز ذلك جلياً من خلال فيلم "السلم القادم" الذي أدهش المخيلة بحداثة الأساليب الفنية وبنائها المجازي وكذلك بأداء الممثلين المؤثر ولاسيما أنه أحيا مشاهد من الحرب الوطنية العظمى التي امتدت آثارها غير المرئية في ذاكرة ألوف وناعوموف.
ويبين هذا الإصدار السينمائي الذي ترجمه يونس ديب كيف أن النشاط الإبداعي لهذين المخرجين تميز في فترة من الفترات بالتلاصق مع الأدب الكلاسيكي مثل فيلم "الفكاهة الخبيثة" المأخوذة عن رواية لدوستويفسكي و"الهروب" الذي يجسد مسرحية ميخائيل بولغاكوف و"أسطورة تيل" عن رواية شارل دو كوستير إضافة إلى آخر فيلم مشترك لهما بعنوان "الشاطئ" المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للأديب يوري بونداريف وحصل هذا الشريط على جائزة الدولة لعموم الاتحاد السوفياتي.
وأكثر ما يميز هذا الكتاب هو المجموعة الهائلة من الآراء حول إبداع ناعوموف وألوف السينمائي بحيث يعطي إمكانية لسماع أصوات وحجج النقاد والجدل المثمر بينهم ما يتيح للقارئ تبين ما أثارته أفلامهما من نقاشات سينمائية مطولة لم تقتصر على المضمون والشكل بل طاولته لتحليل البنية السينمائية بكل عناصرها بحيث يسهم كل مقال نقدي بتوسيع دائرة المعرفة حول هذين المبدعين السوفييتيين.
ويذكر الكتاب أنه بعد أن وافت المنية ألكسندر ألوف عام 1983 بعد أن أنهى مع صديقه السينمائي تصوير فيلم الشاطئ كان العمل الأول لـ ناعوموف بعد رحيل شريكه الإبداعي فيلماً وثائقياً عنه وسمي بـ ألوف لكنه لم يقص سيرة ألكسندر فقط بل تناول المصير الشجاع والنبيل لكل جيل المخرجين السينمائيين ما بعد الحرب العالمية الثانية بحيث جاء بمثابة تصوير لذكرياتهما المشتركة بصورة حيوية وذكية تستعيد الزمن وتبرز حركته راسمةً صورة لجيل السينمائيين السوفييت في ذلك الوقت.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر