الجزائر - وكالات
الدكتور محي الدين عميمور درس وامتهن الطب، مارس السياسة من خلال تقلده مناصب سامية في الدولة وزيرا وسفيرا وعضو مجلس الأمة، أما الثقافة فهي توأمه الذي يلازمه، من خلال الكتابة الصحفية والتأليف وعضويته في هيئة المستشارين في مؤسسة الفكر العربي وهو ما جعله يقول في هذا الحوار الذي خص به »صوت الأحرار« إنه يجد ضالته كاتبا ومفكرا، وفي ذات الحوار يعطي الوزير الأسبق انطباعاته حول مواضيع الساعة، مستعرضا معايشته لعديد الشخصيات الوطنية، ليكشف عن جوانب من مسار حياته.تدلون حاليا بشهادتكم حول مسار حياتكم لإحدى القنوات الوطنية الفضائية، ما هي الخلاصة التي تريدون الوصول إليها ؟
● أولا عنوان الحصة هو »شخصيات ومسيرة«، وهذا يعني أن المضمون هو التعريف بأهم الشخصيات التي عرفتها أثناء مسيرتي الطويلة ومتعددة المراحل، وهدفي أن يتعرف الشباب على رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويدركون أن ما بنته الجزائر كان بفضل تضحيات أولئك الرجال، وهكذا نلقم حجرا بقايا من صوتوا ضد الاستقلال والذين يرددون بفسوق غريب وفجور مقرف أننا نعيش في الهم والغم منذ .1962
كيف تقيمون تعاطي السلطات الرسمية مع ملف مرض رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والمعالجة الإعلامية للموضوع ذاته؟
● لست مقتنعا بالأسلوب الذي تمت به تلك المعالجة، وعلى سبيل المثال لا أفهم أن يُطمئن طبيب معالج الشعب على صحة مريضه اعتمادا على أنه تحدث معه هاتفيا، وأنا هنا لا ألوم الطبيب بل ألوم من طلب منه ذلك، أما المعالجة الإعلامية فأذكر بما سبق أن ذكرت به وهو أن الإعلام ظل لعود.
فقدت الجزائر ثلاث رؤساء خلال عام واحد وشخصيات سياسية كبيرة، كيف عايشتم هذه الأحداث؟
● عرفت تلك الشخصيات على مسافات مختلفة البعد، وربما كانت تلك الخسارة واحدة من خلفيات برنامجي المتلفز الذي تساءلت عنه في بداية هذا الحوار السريع، الذي يسجل مواقف لهم عشتها معهم وع غيرهم من القيادات الوطنية.
هناك اختلاف في قراءة الحراك الذي تشهده المنطقة العربية أو ما يعرف بالربيع العربي، ما هي قراءتكم أنتم؟
● هو حراك عربي أصيل انطلق في مجمله من رفض الشعوب لما عانته من الفساد والقمع والطغيان، ومن الطبيعي أن تحاول مصالح أجنبية استغلاله لأن كل طرف في هذا العالم يبحث عن مصالحه، لكن الادعاء بأن الربيع العربي مؤامرة خارجية هو عجز عن قراءة التاريخ وفشل في التعامل مع المستجدات وقصور في مواجهة الأحداث، وكل هذا سينعكس للأسف سلبا على علاقاتنا الحالية والمستقبلية بما حولنا وبمن حولنا وعلى دورنا في المنطقة بل وعلى مصالحنا الحيوية.
والجزائر أين موقعها في هذا الحراك؟
● لا أرى موقعا للجزائر في كل ما يحدث إلا موقع المتفرج العاجز عن فهم ما يحدث، وبالتالي عجزه عن التعامل السليم معه، ويبدو لي أن هناك من لا يريد أن يفهم بأن الجزائر لا يمكن أن تتستر وراء شعارات عدم التدخل إذا أرادت أن تكون قوة إقليمية تدافع عن مصالحها، وتدرك أن أمنها القومي هو أبعد من حدودها الجغرافية.
وبالتالي يجب أن نفهم ضرورة أن يكون لنا دور في كل ما يمكن أن يحدث حولنا، والذكاء يكمن في كيفية التعامل معه، بدون غرور أو تعالٍ، أو تنازل عن حق طبيعي لكل دولة تحترم نفسها.
وأنا أقول دائما أن الدولة الكبيرة ليست مساحة جغرافية شاسعة أو تجمعا سكانيا ضخما ولكنها دور كبير وموقف مؤثر على الأحداث الجهوية بل والدولية
ما هو تشريحكم للوضع السوري والسيناريو الذي تتوقعونه لحل الأزمة في سوريا؟
● كتبت وقلت منذ شهور أن سوريا تتجه نحو وضعية حرب أهلية طائفية، وهذا ما حدث فعلا للأسف، ولا جدال في أن النظام السوري هو نظام مجرم بكل المقاييس، ويكفي أن نلاحظ أن طائرات النظام، التي تقنبل الشعب السوري وتهدم منشآته وتحرق محاصيله الزراعية، لم تقم عبر العقود الأربعة الماضية باختراق واحد للحدود مع إسرائيل لمجرد الاستكشاف، ناهيك عن قنبلة كيبوتزات العدو أو متابعة حشوده.
والهدوء على الجولان خلال أربعة عقود يؤكد أن إسرائيل كانت مرتاحة لوجود نظام الأسد في سوريا ارتياحها لوجود نظام مبارك في مصر.
ومن هنا يمكن أن يتأكد ما قيل عن خلفيات قنبلة إسرائيل لأهداف عسكرية بالقرب من دمشق، وهو ما سمعته من شخصية سورية كبيرة مؤخرا قالت لي أن الجيش الحر كان على بعد 300 مترا من تلك الأهداف العسكرية التي كان سقوطها يعني تهديدا خطيرا لنظام دمشق، ومن هنا، وربما بتوصية أمريكية، قامت إسرائيل بقنبلة تلك الأهداف.
وأعتقد أن بشار لم يعد صالحا ليحكم الجمهورية السورية في حدودها الجغرافية المعتمدة دوليا، وما زلت آمل أن تدرك الطائفة العلوية أن الرئيس السوري الحالي هو ورم سرطاني لا بد من استئصاله ليتعافى الوطن كله، ولتسترجع الطائفة وجودها الوطني الذي نادى به الشيخ صالح العلي ورفاقه من المجاهدين العلويين.
في نظركم، ما هو أهم انجاز حققته الجزائر خلال خمسين سنة من الاستقلال؟
● بما أنك حددت الإنجازات برقم واحد فأتصور أن التعليم كان أهم الإنجازات، برغم عملية التخريب التي تعرض لها في السنوات الأخيرة.
ويكفي أن نعرف أن الجزائر، التي بدأت مدارسها في 1962 بعدد من التلاميذ لا يتجاوز 200 ألف، قدمت للبكالوريا وحدها هذا العام نحو نصف مليون مرشح.
عملتم مستشارا إعلاميا للرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، ما هي نقاط الاختلاف والتشابه بينهما ومع من كنتم ترتاحون أكثر؟
● لكل من الرئيسين صفات مشتركة هي الوطنية والتواضع والغيرة على مصالح الأمة، وهناك اختلافات مرتبطة بطبيعة التكوين ونوعية المسيرة، وهذا كله استعرضته في أكثر من كتاب، والتعرض إليه بالاختصار الذي يفرضه الحجم المتاح لهذا الحوار سيكون نوعا من الكذب بالحذف، وهو أبشع من الافتراء والتجني.
علاقتكم اليوم بالسياسة وبحزب جبهة التحرير الوطني تحديدا؟
● أنا أعيش وضعية المتفرج على الأحداث، مثلي في ذلك مثل العشرات من الرفقاء الذين ساهموا في بناء الدولة، ولم تحاول المؤسسات السياسية القائمة الاستفادة من خبراتهم، لأنهم يعتبرون، كما قال مسؤول معروف، ديناصورات منقرضة.
والمضحك أن كثيرا منا تستفيد به ومنه دول أجنبية تعرف قيمة الرجال، وبوجه خاص، مؤسسات إعلامية شقيقة من بينها من يهاجمه البعض عندنا بما لا يمكن إلا أن يعتبر غيرة حمقاء من نجاحه الأشقاء في استقطاب الشخصيات السياسية والثقافية.
ولا أحب أن أطيل حتى لا يتصور البعض أنني أنتظر خيرا من وضعية هزلت حتى سامها كل مُفلس.
عميمور الطبيب، السفير، الوزير، عضو مجلس الأمة والكاتب، ما هو المنصب الذي تجدون فيه أنفسكم أكثر؟
● الكاتب والمفكر بطبيعة الحال، لأنني أكون فيه سيد نفسي.
ما هو القرار الذي ندمتم على اتخاذه عندما كنتم وزيرا للثقافة والاتصال؟
● القرار الذي ندمت على اتخاذه هو قبولي للمنصب بدون الشروط التي كنت عرضتها على الرئيس بومدين عندما طلب مني العمل إلى جواره.
وأذكر بأنني اشترطت عليه ثلاثة شروط قبلها ضاحكا، رحمه الله، وكانت: أن يكون عملي معه بشكل مباشر، وأن يكون هو من يحاسبني شخصيا، وأن أحتفظ بحقي في أن أقول له رأيي وإنِ اختلف مع رأيه.
وللعلم، فقد اشترطت نفس الشروط على الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمه الله، وكل هذا كتبته منذ سنوات وسنوات، لأنني لست ممن يدعون الحكمة بأثر رجعي.
لو كنتم اليوم وزيرا للاتصال ما هو القرار الذي تتمنون أن تتخذونه؟
● ما عرفته عن الممارسة في قصر القبة خلال عدة أشهر يجعلني أقول أن قراري سيكون الاستقالة الفورية من المنصب، الذي قلت عنه يوما أنه كان مثل الزواج العرفي بامرأة متعددة الأزواج.
معروف عنكم أنكم مدافعون عن اللغة العربية، لكن يلاحظ أنكم لجأتم مؤخرا إلى الكتابة باللغة الفرنسية وأصدرتم كتابا بهذه اللغة، ما مبررات هذا التحول؟
● أنا لم أتوقف عن الكتابة باللغة العربية، لكن رد الفعل على ما عرفه العالم العربي من أحداث جعلني أحس بأن كثيرين ممن لا يقرأون العربية ولا يعرفون المشرق العربي ليست لديهم صورة واضحة عما يحدث، ولهذا رأيت أن أضعهم في صورة القضية كما أراها، وكتابي هو عبارة عن عدة مقالات نشرت في الصحافة الوطنية، وتناولت تطورات كنت كتبت عنها في الصحافة الناطقة بالعربية.
لكنني آسف للقول بأن الكتابة في صحفنا سيئة التوزيع أصبحت كالحراثة في البحر، ولا أفهم أن بلدا مثل أمريكا لا يملك أكثر من عشر صحف كبرى في حين نجد في الجزائر أكثر من 130 صحيفة، وهو ما يطرح أسئلة ربما كانت الإجابة الصريحة على بعضها على بعضها مما يمكن أن يعتبر قذفا في حق أفراد أو مؤسسات.
الشخصية العالمية التي تتأثرون بها وتودون أن تلتقوا بها قريبا؟
● نلسون مانديلا
من هي الشخصية السياسية التي تحظى بتقديركم؟
● الشخصية التي أحترمها وأقدرها هي كل شخصية سياسية تدرك أن هدية ثمينة تقدم لمن يحتل منصبا ساميا أو لأبنائه أو أصهاره هي محاولة لشراء الذمة، وقبولها يعتبر قبولا للرشوة، والله يلعن الراشي والمرتشي.
وهي كل شخصية سياسية تتصرف مثل محمد علي كلاي، الذي أدرك في مرحلة معينة أن الزمن لم يعد في صالحه فتوقف عن الملاكمة، أو مثل لاعب الكرة الذي أدى واجبه كلاعب ثم تفرغ لتدريب أجيال جديدة.
ما هي الدولة الأقرب إليكم وتحبون زيارتها باستمرار؟
● دبي، لأنها تقدر الثقافة والمثقفين .
ما هو الموقف الذي أثر في تكوين شخصيتكم؟
● رفضُ مسؤول طبي جزائري في 1963 الاعتراف بشهادتي الطبية لأنها صادرة من بلد عربي، وعندما اضطر إلى الاعتراف بالشهادة منحني حق فتح عيادة طبية ولكنه حرمني، بقرار مكتوب، من الاستفادة من العيادات الشاغرة التي فرّ منها أطباء فرنسيون، مما حمّلني أعباء مادية قاسية بالنسبة لطبيب مبتدئ، في حين استفاد من تلك العيادات أطباء لم يدرسوا في الوطن العربي.
وكان ذلك تحذيرا لي من مشاكل كثيرة سيتعرض لها المعربون.
هل تتابعون أخبار الفريق الوطني لكرة القدم؟
● لا
فريقكم المفضل لكرة القدم، العالمي والعربي وفي البطولة الوطنية؟
● فريقي المفضل هو الفريق الجزائري عندما يلتقي بفريق أجنبي.
ما هو عنوان كتابكم القادم؟
● أعد كتابا بعنوان ....وزيرا زاده الخيال، على غرار : سفيرا زاده الخيال.
لمن يقرأ الدكتور عميمور حاليا ؟
● أقرأ كتابا عن الثورة الجزائرية أعده الدكتور بوعلام بن حمودة، لأستعين به في إعداد الحصة المتلفزة.
الفنان المفضل لديكم من الفنانين العالميين والعرب والجزائريين؟
●كثيرون، منهم الرسام والممثل والموسيقار والمسرحي.
طبقكم المفضل؟
الشخشوخة، خصوصا مثل تلك التي أكلتها في منزل نذير بولقرون بمناسبة زواج ابنه.
ما هو طموحكم اليوم؟
● أن نخرج من الأزمة الحالية من خلال إرادة جماعية منسجمة تخلق وضعية وطنية تشبه وضعيتنا خلال مرحلة الحوار حول الميثاق الوطني.
كلمة النهاية
● لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
بورتري
طبيب من مواليد القرن الماضي، كما يقول.
انقطع عن الدراسة في 1957 لينضم إلى جيش التحرير الوطني، ثم استكمل دراسته وتخرج في 1963 ليعمل طبيبا للبحرية الجزائرية.
اختاره الرئيس هواري بومدين مستشارا إعلاميا، وتولى نفس المهام مع الرئيس رابح بيطاط ثم الرئيس الشاذلي بن جديد،.
عمل سفيرا للجزائر في باكستان ثم اختاره الرئيس اليمين زروال عضوا في مجلس الأمة ضمن الثلث الرئاسي.
اختاره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للثقافة وللاتصال ولم يطل به المقام في الوزارة، وكان على وشك الاستقالة.
عاد إلى مجلس الأمة وانتخب رئيسا للجنة الشؤون الخارجية.
بدأ الكتابة الصحفية في منتصف الستينيات وأصدر نحو 12 كتابا معظمها تسجيل لذكريات مسيرته السياسية.
اختير في الكويت عام 2001 كرمز للثقافة العربية، وحصل في دبي عام 2010 على جائزة الصحافة العربية، ويحمل عدة أوسمة عربية ودولية.
وهو عضو هيئة المستشارين في مؤسسة الفكر العربية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر