طقوس الإشارات لسعدالله ونوس في طبعة ثالثة بالفرنسية
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

"طقوس الإشارات" لسعدالله ونوس في طبعة ثالثة بالفرنسية

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

باريس ـ المغرب اليوم

عشية تقديم مسرحية الكاتب السوري سعدالله ونوس «طقوس الإشارات والتحولات» على مسرح «الجيمناز» في مرسيليا ثم على مسرح «الكوميديا الفرنسية» في باريس، اعادت دار «أكت سود» للمرة الثالثة طبع الترجمة الفرنسية للمسرحية التي كانت وضعتها رانيا سمارة. ولعلها مناسبة مواتية للعودة الى هذا العمل الفذّ الذي اعتمد ونوس فيه أسلوبَي الحكاية الشرقية والتراجيديا الكلاسيكية لنقد تركيبة السلطة السياسية في بلده والجور والجمود الناتجَين منها. أحداث المسرحية تقع في دمشق خلال القرن التاسع عشر ويمكن تلخيصها على النحو الآتي: في محاولة منه لاسترداد سلطته، ينصب مفتي دمشق فخاً لعميد وجهاء المدينة، عبدالله، عبر إرسال رئيس الشرطة عزة بك إلى داره في ليلة كان عبدالله يمضي سهرة حميمة مع الجليسة وردة. وللتخلص من عزة بك الذي ذهب به الأمر إلى حد فضْحِ سلوك عبدالله أمام أبناء المدينة ورميه في السجن مع جليسته، مما شوّه صورة السلطة، يطلب المفتي من زوجة عبدالله، مؤمنة، الحلول سرّاً مكان وردة في السجن كي يظهر الأمر وكأن عزة بك قد أوقف زوجها بلا سبب. لقبول طلب المفتي المهين لها، تشترط مؤمنة عليه أن يطلّقها من زوجها الخائن. وبعد نجاح الخطة وحصول مؤمنة على مبتغاها، تختار هذه المرأة ممارسة مهنة وردة وتطلب منها تدريبها على ذلك. وبخيارها هذا تصبح بسرعة موضوع شغف معظم أبناء المدينة مما يمكّنها من وضعهم أمام تناقضاتهم ومن إجبارهم على مساءلة أنفسهم كاشفةً الحقائق المتوارية خلف حجاب المظاهر، قبل أن تدفع في النهاية ثمناً باهظاً للفوضى والانحدار الأخلاقي اللذين يعمّان المدينة بسببها. باختصار، نصٌ مسرحي ذو طابع أخلاقي وسياسي نتعرّف فيه إلى شخصيات غنية بالألوان، ومن خلالها، إلى مجتمع محكوم بالخبث والكذب وبصراع عنيف على السلطة يلجأ المتصارعون فيه إلى الحيَل والوسائل لتعزيز مواقعهم والتخلص من خصومهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ونوس سعى منذ بداية مساره إلى ربط ما يتعلق بالتقليد الأدبي الشرقي، وتحديداً الجانب الشفهي للحكايات، برهانات مجتمعه، وحاول بشكلٍ ملتزم ابتكار نموذج كتابي جديد هدفه إخراج المسرح من نخبويته وفتحه على الجزء الأكبر من الناس. وبذلك، لا يبتعد مسرحه عن مسرح جان فيلار الشعبي في فرنسا الذي اطلع الكاتب عليه من دون شك أثناء دراسته في باريس، كما اطلع على مسرح بيتر فايس وصمويل بيكت وبرتولد بريخت. ومحاورة ونوس لهؤلاء العمالقة هي التي تفسّر انغماسه فور عودته إلى دمشق في عالم الإبداع المسرحي العربي وتطويره، بالتعاون مع مخرجين وممثلين عرب، مفهوماً للمسرح يرتبط بالتاريخ ويهدف في الوقت ذاته إلى تعرية الأيديولوجيات المهيمنة على المجتمعات العربية، وإلى وصف خيبة الأمل الكبيرة التي سبّبتها الحركات القومية وتحوّل هذه المجتمعات إلى سجنٍ كبير يسيطر عليه العسكر. وضمن هذا السعي يندرج نصه «طقوس الإشارات والتحولات» الذي كتبه قبل فترة قصيرة من وفاته ويفضح فيه تركيبة حُكمٍ قائم على استبداد عسكري عنيف. وما استحضاره في هذا العمل لمدينة دمشق خلال الاحتلال العثماني لها إلا لإجراء مقارنة مع دمشق اليوم التي تحكمها عائلة واحدة من خلال حفنة من الضباط الدمويين. فمثل هذه المدينة اليوم، تبدو دمشق البارحة داخل نص ونوس في حالة اضطراب ثابت وعرضة لجميع المخاطر، تطغى لعبة السلطة فيها على مرافق الحياة. وتحت هذه التركيبة التي تبدو زعزعتها مستحيلة، لن يلبث أن ينبثق نظام جديد وغير عقلاني يهدد النظام القديم ويرتبط بعالم الرغبات. نظامٌ تؤسّس له مجموعة من الشخصيات تعيش تحت أنظارنا تحولات جوهرية: مؤمنة التي تعبر من العفة والمجتمع الراقي إلى الفجور ومجتمع الجليسات، أفصح الذي ينتقل من وضعية «القبضاي» إلى وضعية المنحرف، عبدالله الذي يتخلى بعد اختباره السجن عن موقعه كعميد الوجهاء ويتبع مساراً صوفياً بحثاً عن تحديدٍ آخر للعلاقة بين الإنسان وبارئه، من دون أن ننسى شخصية المفتي نفسه وهو يشهد تحولاً جذرياً في نهاية المسرحية يتجلى في عبوره من العقلانية والبراغماتية والطموح السياسي إلى الشك والرغبة واللاعقلانية المطلقة. وعن هذا النص، تقول المترجمة رانيا سمارة: «إنه يلمس الكينونة العميقة للفرد المحاصر بالقوانين الاجتماعية والضوابط الأخلاقية، ويندرج داخل المسرح الكلاسيكي الشامل من جهة هندسته الدراماتيكية التي ترتكز على بنية ثنائية للشخصيات أرى فيها كمّاً من الأشباح التي تحيا داخل كل واحد منا». وتضيف سمارة: «حين أقرأ اليوم من جديد هذا النص الذي يشكّل المركز العصبي لأعمال ونوس، أرى في شكل أفضل عظمة - وعمق - عالم هذا الكاتب الذي تنبّأ بالتخريب الذي يحصل حالياً في سورية. أسئلة كثيرة طرحها في نصوصه بدأت تلقى أجوبة، والعالم المشيّد على توازن اجتماعي عارِض لم يكن ينتظر سوى شرارة كي ينفجر».

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طقوس الإشارات لسعدالله ونوس في طبعة ثالثة بالفرنسية طقوس الإشارات لسعدالله ونوس في طبعة ثالثة بالفرنسية



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya