مراكش ـ وكالات
تم الأربعاء بجامعة الأخوين بمدينة إفران تقديم كتاب " تاريخ المغرب: تركيب وتحيين" الذي يعد باكورة المنجزات العلمية التي يعمل "المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب" على إصدارها.ويندرج إصدار هذا الكتاب ضمن خطة المعهد التي تستهدف بالأساس إعطاء الأولوية لإخراج تاريخ تركيبي محين يسعى إلى التعريف بالمسار الوطني تعريفا موضوعيا منسجما مع هوية هذه المؤسسة وطابعها الأكاديمي المواطن .ويعتمد المؤلف على النتائج المستخلصة من أبحاث أصيلة تجمع بين الجدة والجودة، فقد تبنى منذ البداية مقاربة تقوم على تنوع الكفاءات وتلاقح الاختصاصات المتصلة بالموضوع من خلال تعبئة زهاء 50 متخصصا لإنجاز هذا المشروع انتظموا جميعا داخل فرق بحث تمتاز بتنوع الاهتمامات وإن كان يجمع بينها نفس التوجه والمقاربة.ولإنجاز هذا المشروع تم اعتماد آخر الدراسات القطاعية وأوثقها توخيا لإبراز مختلف التطورات الفاعلة المؤثرة مع تطويق مواطن الخلل والإشكال خاصة وأن المؤلفات التركيبية على نذرتها قد تقادم معظمها بينما خطت الأبحاث التحليلية خطوات عملاقة سواء بالجامعة المغربية أو خارجها كما انبرت إلى إنارة جملة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية المستعصية بفضل تفتحها على بقية المعارف الإنسانية والاجتماعية.
ومراعاة لهذا المعطى اعتمد المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب مقاربة متفتحة تداخلية حكمت بتكوين فرق جمعت بين باحثين من مختلف الحقول العلمية مع إتاحة فرص الإسهام بكل من اللغتين العربية والفرنسية في مرحلة أولى وهو الوضع اللغوي الذي نتج عنه الاحتفاظ بفكرة تخصيص كل لغة بمؤلف مستقل يقتسم بالضرورة مع المؤلف الآخر نفس المضمون ونفس المستوى نظرا لأخذه بنفس المقاربة والتوجه .ويحاول الكتاب بنسختيه العربية والفرنسية تقديم نظرة متناسقة تقوم أساسا على قراءة الأحداث بطريقة دينامية تندرج ضمن منظور مجدد كما يظهر من خلال محتوى الفصول التي بلغ عددها عشرة.وخصص أول الفصول للمجال الجغرافي بمختلف مكوناته الجهوية مع إبراز الدور الحاسم للديناميات الجيولوجية في التفرد الجغرافي والتنوع الطبيعي والبيئي للمغرب بينما خصص الفصل الثاني لتناول عصور ما قبل التاريخ اعتمادا على دراسة البقايا العظمية البشرية وتحليل المستحاثات الحيوانية والبقايا النباتية المستدقة والأدوات الحجرية والفخار والرسوم الصخرية وأدوات الزينة والبنيات السكنية والفضاءات الجنائزية .أما الفصل الثالث فقد تناول أوضاع المغرب في علاقتها بظرفية العالم المتوسطي قبل الإسلام أي في علاقة الممالك المورية مع استقرار الفينيقيين بالسواحل ابتداء من القرن الثامن قبل الميلاد وما عرفه المجال بعد ذلك من ظروف طبعتها المواجهة بين قرطاجة وروما بصفتهما أكبر قوتين معاصرتين وذلك قبل خضوعه كبقية البلاد المجاورة للهيمنة الرومانية التي عمت الحوض المتوسطي بأكمله ٬ وهو خضوع لم يحل بين نفس المجال وبين ظهور قوى سياسية محلية في نهاية هذه الفترة وبداية الفترة الإسلامية.واهتم الفصلان الرابع والخامس بالتعريف بالتطورات السياسية والحياة الاجتماعية والحضارية عموما بالمغرب الوسيط حيث ركز الفصل الرابع على تعاقب الكيانات المحلية قبل بروز الدولة المركزية وتبلور نزوعها نحو التوسع ببقية مجال المغرب الكبير بينما وقف الفصل الموالي عند الحياة الاجتماعية من مختلف زواياها الدينية والاقتصادية والثقافية والحضارية.وتم خلال هذا الفصل رصد التنقلات البشرية وما رافقها من تغير على مستوى البنى القبلية والنسيج الحضري وما نتج عن كل هذا من تحولات بنيوية في النشاط الاقتصادي بالإضافة إلى التطور الذي عرفته الحياة الدينية على مستوى المذهب والعقيدة إلى أن ساد المذهب المالكي وعمت العقيدة الأشعرية وانتشر التصوف بالمدن والبوادي.واختتم الفصل بالوقوف عند أبرز المكونات الحضارية على مستوى الهندسة والفنون والمعمار من غير إغفال لمظاهر التأثير والتأثر بين المغرب ومحيطه الإقليمي في هذا المضمار.ونظرا لأهمية المنعطف الحاسم الذي عرفه القرن الخامس عشر، فقد خصص له مجمل الفصل السادس حيث تم فيه الانطلاق من بداية احتلال السواحل وما واكب هذا الاحتلال من اختفاء دول العصبيات الكبرى بزوال الدولة المرينية وتعدد الزعامات المحلية قبل التشديد على تحجر الهياكل الداخلية والبنيات الاجتماعية والاقتصادية.وخصص الفصلان السابع والثامن للمستجدات التي عرفتها الفترة الطويلة اللاحقة التي شهدت تعاقب الأشراف السعديين والعلويين على الحكم والتي تميزت باستفحال الاحتلال الإيبيري وظهور العثمانيين بشرق البلاد ودخول المغرب في علاقات غير متكافئة مع البلاد الأوروبية وتعاظم الضغط الأجنبي وانخراط المخزن في سياسة إصلاحية همت تحديث الجيش والإدارة بالدرجة الأولى.بينما تناول الفصل التاسع الوضع الاستعماري بالمغرب وما شهده المجال الترابي من تحولات جذرية على مستوى المساحة والحدود ثم على مستوى البنيات الاجتماعية والديموغرافية والإدارية.وأبرز هذا الفصل كيف سخر مسلسل التحديث لخدمة المستعمر بالدرجة الأولى مما أدى في النهاية إلى اصطدام المستعمر الفرنسي مع رمز السيادة المغربية ونفي ملك البلاد وعودة المغاربة إلى المقاومة المسلحة قبل أن تضطر الدولة الحامية إلى التراجع والاعتراف باستقلال المملكة سنة 1956.
وخصص الفصل العاشر لتتبع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب المستقل إلى سنة 1999 وذلك من خلال قراءة تركيبية تقوم على تحديد معالم كل من القطيعة والاستمرار بالقياس إلى الزمن الماضي مع أخذ المسافة الكافية عند استعراض الأحداث القريبة من الزمن الحاضر.
كما تم الوقوف عند مختلف التجليات الثقافية والفنية في مستوييها الأكاديمي والشعبي دون إغفال القضايا السياسية والتنموية التي تشغل بال المواطن منذ حصول المغرب على الاستقلال.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر