السوري كارابيت يروي جحيم سجون بلاده
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

السوري كارابيت يروي جحيم سجون بلاده

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - السوري كارابيت يروي جحيم سجون بلاده

دمشق ـ وكالات

في نصّه السردي "رحيل إلى المجهول" الذي صدرت ترجمته الفرنسية حديثاً عن دار نشر "أكت سود" بعنوان "13 عاما في السجون السورية" يسرد لنا  الكاتب آرام كارابيت رحلة عذابه في السجون السورية التي دامت ثلاثة عشر عاما على أثر اتّهامه بالتآمر مع آخرين لقلب النظام بالقوة. وكارابيت هو مهندس كان يعمل في مدينة الحسكة ويناضل سلميا داخل منظمة يسارية تدعو إلى تغيير ديمقراطي في البلادن، وقد أوقفته المخابرات السورية بتاريخ ٢٤ أكتوبر/تشرين الأول ١٩٨٧ واحتجزته في مركز الأمن السياسي بالقامشلي. وفي الأيام الأولى من اعتقاله، يقرّ كارابيت بأنه لم يتم ضربه أو تعذيبه، لكنه استُجوِب بمعدل ١٥ ساعة يوميا بشأن انتمائه لحزبٍ "عدو"، ومصادر تمويل هذا الأخير وعدد المنتمين إليه والدول التي تدعمه، قبل أن يمنحه مستجوبه الذي "تعكس ملامح وجهه فورا اعتياده على الرذيلة" فرصة إخلاء سبيله مقابل الوشاية برفاقه. ونظرا إلى عدم إفصاح كارابيت عن أي اسم، تم نقله إلى سجن الحسكة في ٧ نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٨٧. وخلال هذه الرحلة، سعى بنظره إلى معانقة مدينته المألوفة، كما لو أنها المرة الأخيرة، وإلى استكشاف الوجوه في الشوارع، التي بدت له فجأة غريبة وغير مبالية، كما وجد نفسه يبحث بين هذه الوجوه عن وجه حبيبته. أما داخل هذا السجن فاستسلم لعملية تذكّر شعرية لماضيه." وفي ٣ ديسمبر/كانون الأول ١٩٨٧، نُقل كارابيت إلى سجن عدرا المركزي بدمشق حيث أمضى ثماني سنوات من حياته يخصّص لها فصلا طويلا في كتابه، يتوقف فيه أولا عند استقبال السجناء الحار له، على رغم علامات الحزنٍ العميق البادية على وجوههم، ثم يكشف لنا عن عملية توزيعهم داخل هذا السجن وفقاً لانتماءاتهم السياسية، قبل أن يسترسل في وصف حياتهم الخاضعة إلى تنظيم دقيق نظرا إلى فترات الاعتقال الطويلة لمعظمهم.وفي هذا السياق، يتبيّن لنا أن كل سجين كان يعيش منطويا على ذاته، تلفّه طبقة سميكة من العزلة والتوتر والقلق، ويحاول عبور الأيام بأقل حد من الخسارة المعنوية، مستعينا بأدوات دفاعية معقدة تساعده على حماية نفسه من الانهيار وعلى المحافظة على توازنه، كما يظهر لنا أن لكل سجين قصة مطوية بين صفحات النسيان، سفرا مطوّقا بالألم، وتعاسة مدفونة في القلب.ومع أن معظم نزلاء هذا المعتقَل أوقفوا بسبب آرائهم السياسية، وبالتالي لا يستحقّون السجن يوما واحدا، لكن ثمّة بينهم مَن اعتُقل لأقل من ذلك بكثير، كالسجناء الثلاثة الذين ألقي بهم خلف القضبان لتعبيرهم يوما عن اختفاء البيض من السوق، أو السجين الذي أمضى ١٢ عاماً في السجن فقط لأن أخاه كان ينتمي إلى منظمة معارضة للنظام، أو الفتى القاصر الذي أمضى ثمانية أعوام في السجن لسقوطه عن دراجته أمام مركز للشرطة وعثورهم في جيبه على عدد من جريدة "العلم الأحمر" المعارضة.. ولا يُهمل كارابيت كوابيس السجناء في الليل أو الأمراض الجسدية النفسية التي كانت تقتك بهم الواحد تلو الآخر، بل يصوّر لنا كل شيء حتى تتشكّل أمامنا فكرة واضحة عن مناخ هذا السجن المشؤوم الذي يظهر مشحونا إلى ما لا نهاية "بآمال نائمة وأحلام مؤجّلة". بعد ذلك، يتوقف كارابيت عند مناورات النظام السوري العديدة لإقناعه هو ورفاقه، عبثا، بالتخلي عن حقوقهم السياسية مقابل الإفراج عنهم، ثم ينتقل إلى محاكمتهم التي لم تبدأ قبل فبراير/شباط ١٩٩٣، أي بعد مضي سنوات طويلة على اعتقالهم، وكانت نتيجتها الحُكم على كلّ منهم بسنوات إضافية من السجن، بدلا من إخلاء سبيلهم. وفي هذا السياق، يشير إلى جرأة عدد من السجناء خلال المحاكمة على التشكيك في شرعيتها وشرعية القضاة الحاضرين نظرا إلى كونهم معيّنين من قبل نظام لم تعد تحصى جرائمه، مستشهدين بمجزرة حماة التي أودت بحياة ٣٠ ألف مواطن وبمجزرة سجن تدمر التي راح ضحيتها ألف سجين أعزل وبالتورّط الدموي الفاضح لهذا النظام في الحرب الأهلية اللبنانية.تكمن أهمية نص كارابيت في كشفه وضع السجون السورية المرعب من الداخل وللتحليل السيكولوجي العميق الذي يتناول كارابيت فيه الجلاد والضحية " أما القسم الأخير من الكتاب فينتقل بنا إلى سجن تدمر حيث نُقل كارابيت وعدد من رفاقه في ٣ يناير/كانون الثاني ١٩٩٦ وتعرّضوا فور وصولهم إلى عملية تعذيبٍ منهجية على مستويات عدة. فإلى جانب الضرب المبرح والجَلد حتى الإغماء والإذلال على مدار الساعة ومن دون أي سبب، وُضعوا في حجرةٍ هي أشبه بكهفٍ تدخله الرياح من سقفه العالي والمفتوح وتتجمّع فيه الأمطار على شكل بِرَكٍ.وكما لو أن ذلك لا يكفي، فُرض عليهم النوم على الأرض من دون فراش وبوضعيةٍ واحدة وتمت مراقبتهم طوال الليل من قبل حارسٍ كان يقف على جانبٍ من السقف ويسجّل اسم مَن يتحرّك كي تتم معاقبته في اليوم التالي.وحين نعرف أن كارابيت ورفاقه أمضوا أربع سنوات في هذه الظروف قبل أن يتم إطلاق سراحهم، يمكننا تخيّل ـ وفقط تخيّل ـ العذاب اليومي الذي اختبروه وفهم قوله في مكانٍ ما من نصّه: "للمرّة الأولى تجلّى الموت لي كأملٍ، كرغبةٍ، كواقعٍ محسوس". باختصار، نصٌّ في غاية الأهمية ليس فقط لأنه يفضح همجية النظام السوري التي تتجلّى عبر سجنه وتعذيبه على مدى سنواتٍ طويلة أشخاصا لا ذنب لهم سوى التفكير بطريفة مختلفة عنه، بل أيضاً لكشفه وضع السجون السورية المرعب من الداخل، وللتحليل السيكولوجي العميق الذي يتناول كارابيت فيه الجلاد والضحية معاً وينبثق من اختبار مُعاش، بعكس تحليلات علماء الاجتماع حول هذا الموضوع التي ترتكز على المراقبة الخارجية. وإذا أضفنا لغة النص الجميلة، نظرا إلى سلاسة أسلوبه وغناه بالصور، الواقعية تارةً والشعرية تارةً أخرى، لتبيّنت لنا قيمة هذا الكتاب الأدبية أيضا.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السوري كارابيت يروي جحيم سجون بلاده السوري كارابيت يروي جحيم سجون بلاده



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya