سفينة نوح الهروب من الوطن
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

"سفينة نوح" الهروب من الوطن

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

القاهرة ـ وكالات

لم ينتظر الروائيون المصريون ثورة 25 يناير كي يفضحوا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي البائس في بلدهم وحالة الفساد المتفشّية فيه، ولعل أفضل مثال على ذلك هو جهد الروائي خالد الخميسي في هذا الاتجاه.فبعد رواية 'تاكسي' (٢٠٠٨) التي تناول فيها الواقع المصري المرير عبر حوارات يجريها الراوي مع سائقي سيّارات الأجرة في القاهرة -وقد لقي هذا النص نجاحا كبيرا وتُرجم إلى لغاتٍ عديدة- أصدر الخميسي عام ٢٠٠٩ رواية 'سفينة نوح' التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثا عن دار نشر 'أكت سود' الباريسية، وتصوّر على أكمل وجه عملية هروب المصريين من وطنهم بسبب الواقع المذكور.واختيار الخميسي عنوان 'سفينة نوح' لروايته ليس اعتباطيا، فإلى جانب استحضاره إلى أذهاننا صورة الطوفان الذي غمر اليابسة وقضى على الجنس البشري، يُشكل في الوقت ذاته استعارة قوية للقوارب البدائية التي يستقلها المهاجرون العرب والأفارقة للعبور إلى ضفة المتوسّط الغربية هربا من انسداد الأفق في بلدانهم ومن طوفان من نوع آخر هو اليأس الذي لا يستثني أحدا.وعلى متن قوارب من هذا النوع، أو بوسائل أخرى، تسعى شخصيات الخميسي الرئيسية إلى الهروب من مصر قبل الثورة الأخيرة. وأول هذه الشخصيات هو المحامي الشاب أحمد عزّ الدين الذي يقرر السفر إلى الولايات المتحدة لعدم تمكّنه من دفع الرشوة الضرورية للعمل في مكتب المدّعي العام.ومثل كثير من الشبّان المصريين، نجده يمضي وقته على شبكة الإنترنت باحثا عن امرأة غربية تقبل في الزواج منه للحصول على تأشيرة سفر. ولذلك، يتخلّى عن حبيبته هاجر التي لن تلبث أن ترضخ لمشيئة والدها فتقبل الزواج من رجل يملك مطعما في نيويورك وترحل للعيش معه هناك.وفي هذا المطعم بالذات نتعرّف على الطبّاخ عبد اللطيف عوض الذي دخل إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية بعد رحلة لا تصدّق، اضطرّ فيها إلى عبور معظم دول أميركا اللاتينية قبل بلوغ مبتغاه، كما نتعرّف على رجل الأعمال المحتال طلعت ذهني الذي هرّب ثروته إلى الخارج قبل أن ينتقل إلى نيويورك ويوظّف عبد اللطيف طبّاخا في منزله.وعلى مرّ الصفحات، تتوالى الشخصيات الأخرى للرواية: الشاب فريد، ابن طلعت ذهني، الذي يعيش حياة رفاهية وانحلال في لندن. أستاذ الفلسفة في الجامعة البريطانية التي يدرس فيها فريد، مرتضى البارودي وقريبه الأستاذ ياسين البارودي الذي يفشل في مغادرة مصر ويشاهد بأمّ عينه غرق عدد من المهاجرين الذين برفقته خلال محاولة عبورهم إلى إيطاليا على متن قاربٍ بدائي. الطبيبة القبطية نيفين عدلي التي يقصدها ياسين قبل سفره لبيع إحدى كليتيه وتقرّر بدورها الرحيل بعد عملية اعتداء عليها. المومس سناء مهران والشاب الأسواني حسّونة صبري وغيرهم.باختصار، شخصيات تمثّل مختلف طبقات المجتمع المصري وتتقاطع أقدارها عند نقطة واحدة: الهجرة. ومع أن الظروف التي تحثّها على الرحيل تختلف من شخصية إلى أخرى، إلا أن جميعها يتقاسم شعورا واحدا باستحالة البقاء في بلد لا تتوفّر فيه أي فرصة للعيش الكريم.لكن هذا لا يعني أن كلا منها ينعم بالفرص والإمكانات نفسها للرحيل. فبينما لا يتطلّب ذلك من الشخصيات الثرية سوى ملء ملف في إحدى القنصليات الأجنبية وشراء بطاقة سفر، تُضطرّ الشخصيات الفقيرة إلى بيع ممتلكات أهلها ومواجهة مخاطر جمّة، وأحيانا بيع أحد أعضاء جسدها أو حتى جسدها كاملا كي تتمكن من بلوغ 'فردوس' الغرب، هذا إذا لم تفشل تفشل في تحقيق أمنيتها، على رغم جميع مناوراتها، فتعود أدراجها خائبة أو تُسجن أو حتى تموت غرقا أو رميا بالرصاص. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخميسي لا يعالج تقاسُم جميع هذه الشخصيات حلم السفر من باب الخيانة للوطن الأم بل من زاوية انعدام أي حل آخر أمامها، وبالتالي من منطلق حقّها في البحث عن حرّية وظروف حياة أفضل.وفي هذا السياق، يروي لنا بدقّة وبساطة مؤثّرتَين حياة وأحلام هذه الشخصيات، مستحضرا جميع العناصر الاجتماعية والنفسية الخاصة بكل منها التي تساعدنا على فهم خيارها. وهو ما يجعلنا نتآلف معها إلى حد نشعر به أننا سبق والتقينا بها أو عرفناها، هذا حين لا تشكل إحداها مرآة لنا. ولا عجب في ذلك، فهذه الشخصيات وإن كانت خرافية فإن قصصها وأحلامها مستوحاة مباشرة من الحياة اليومية للمصريين والعرب عموما. ومن خلالها، ينكشف لنا مجتمعٌ على وشك الانفجار من جرّاء الفساد والقمع السياسي والبؤس، الأمر الذي يمنح نصّ الخميسي طابعا تنبؤيا أكيداً على ضوء الأحداث التي تشهدها مصر والعالم العربي منذ عامَين. لكن أكثر ما يشدّنا في هذا النصّ هو الطريقة التي اعتمدها الكاتب لرواية قصص شخصيّاته، والتي ترتكز على عملية سرد دائرية الشكل تنبثق فيها كل قصّة من القصّة التي تسبقها لنبلغ في نهاية المطاف القصّة الأولى.وفي ذلك استحضارٌ لأدب المقامات ولكن أيضا لأسلوب الحكايات العربية الكلاسيكية. غير أن الرواية تُقرأ أيضا كسلسلة قصص مستقلّة لا يربطها سوى تشكيلها تنويعات حول موضوع واحد وأسلوبها العذب الذي يقترب بفعاليّته وانسيابه من الفيلم الوثائقي.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سفينة نوح الهروب من الوطن سفينة نوح الهروب من الوطن



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya