نادر كاظم يرصد هوية الفرد وانتماؤه في خارج الجماعة
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

نادر كاظم يرصد هوية الفرد وانتماؤه في "خارج الجماعة"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - نادر كاظم يرصد هوية الفرد وانتماؤه في

نادر كاظم
الرياض - المغرب اليوم

تعدّ مسألة الفرد والانتماء وتمزّقه بين متطلبات الدولة ومطالب الجماعات، واحدة من الإشكاليات الأساسية في التعددية الثقافية، وهي من القضايا الملحة في هذه المنطقة من العالم. يتناول د.نادر كاظم هذه القضايا من منطلق إشكالي هذه المرة، وذلك في كتابه الذي صدر  حديثاً عن "دار سؤال" في بيروت "خارج الجماعة: عن الفرد والدولة والتعددية الثقافية".

 ويبدو أن مهمة هذا الكتاب تتمثل، إضافة إلى بسط النقاش المفتوح حول هذه القضايا من كل جوانبها، فيمقاومة ضرب عنيد من ضروب الاختزال كما يذهب الكتاب، وهو اختزال الإنسان في انتمائه الجماعي وهويته الثقافية التي يجري تصويرها على أنها قدر المرء الحتمي ومصيره الذي لا مهرب له منه.

وقد سبق لنادر كاظم أن تناول مسألة التعددية الثقافية في أكثر من كتاب من كتبه الأخيرة بما هي وصفة سياسية واجتماعية تضمن التعايش السمح داخل المجتمعات التعددية، إلا أنه في هذا الكتاب يتناول الآثار الجانبية السلبية التي قد تتسبب فيها التعددية الثقافية، ويركّز الكتاب على دور التعددية الثقافية في تعميق انتماء الأفراد إلى جماعتهم، الأمر الذي يمكّن الجماعات من الهيمنة على أفرادها والتعامل معهم كممتلكات خاصة، وهذا يقود إلى ما يسميه الكتاب بـ"الجماعيّة القمعية"، وفي هذه الحالة لا يصبح انتماء الفرد لجماعة ما مجرد خيار متاح بحرية أمام الأفراد، بل واجب على الجميع الالتزام به، وعلى الجماعة عدم التهاون تجاهه.

والكتاب بهذا المعنى يعترف بقيمة الانتماء وحق الأفراد في الانتماء إلى الجماعة، وهذا على خلاف ما يذهب إليه كثير من أطباف الحداثيين من القوميين (الذين يتعاملون مع الانتماء إلى جماعة فرعية على أنه تمزيق لوحدة الأمة، وتقسيم للمجتمع، وتشجيع التعصّب والتخندق الطائفي، والخروج على الإجماع القومي) والتقدميين والطليعيين.

ينطوي الكتاب على مقاربة تأصيلية وتأملية في قضية التعددية الثقافية، وما تنطوي عليه من تقدير ضمني تجاه الجماعة وتجاه الهوية الثقافية أو الإثنية. إلا أن الكتاب ينطوي كذلك على نقد صريح للتعددية الثقافية والجماعيّة القمعية التي تهدّد باختزال الإنسان، وتقليص وجوده إلى كونه مجرد عضو في جماعة من الجماعات، بحيث يكون انتماؤه الثقافي أو الإثني هو عنوان هويته المفردة، ومحور وجوده كله. إن مقاومة هذا النوع من الاختزال هي موضوع هذا الكتاب. ويذهب نادر كاظم إلى القول إن هذه المقاومة ينبغي أن تكون مزدوجة، فالمطالبة بالحرية السلبية ضد "تدخل الدولة" تعني أن من حق المرء أن ينتمي إلى الجماعة التي يريدها ويطمئن إليها، وتعني كذلك أن من حق المرء أن يبقى "خارج الجماعة" بحيث لا ينتمي إلى أية جماعة، كما أن من حقه أن يتعامل مع انتمائه الثقافي بمرونة تسمح له بالانتماء إلى أكثر من جماعة في الوقت ذاته، ومن حقه كذلك أن يقاوم ممارسات الاختزال التي تستهدف تقليص وجوده في انتماء مفرد ومعزول ومغلق إلى جماعة من الجماعات.

 

 فليس من المهم أن يكون المرء منتميا لجماعة أو يعيش "خارج الجماعة"، بل المهم أن تكون لنا الحرية في اختيار الجماعة التي نريد الانتماء إليها، وحرية البقاء داخلها أو مغادرتها، وذلك بعيدا عن سلطة الإكراه التي تمارسها الدولة أو الجماعات بحق أفرادها. وما يشدد عليه الكتاب هو أنه ليس من حق الدولة ولا الجماعات أن تلزم الأفراد بتأكيد انتمائهم لجماعة ما أو لهوية ثقافية ما، وأن من مصلحة الأفراد ألا يتعاملوا مع هذا الانتماء على أنه قدرهم الحتمي الذي لا يتغير ولا يتبدل.كما ليس من حق الدولة إلزام الجميع بتأكيد فردانيتهم وعدم انتمائهم لأية جماعة من الجماعات.

راهن كثيرون على أن انتصار الدولة سيلحق الهزيمة المنكرة بالجماعات والطوائف، وأن التقدم في التحديث السياسي والاجتماعي سيحوّل الجماعات إلى ذكرى من زمن سحيق، إلا أن الكتاب يثبت أن هذا لم يحدث بالصورة التي كان يراهن عليها. صحيح أن الدولة نشأت، وأنها تجذّرت في الواقع بعلاتها وعيوبها، إلا أن الصحيح كذلك أن الجماعات مازالت باقية ومحتفظة بجزء لا يستان به من وظائفها القديمة. وبدل أن تنقرض الجماعات وبنية المديونية القديمة، صار على الفرد أن يخضع لمديونية مزدوجة تجاه الجماعة والدولة معا، وصار كل فرد مطالبا بتقديم الولاء لجماعته ودولته معا. وخلقت هذه المديونية المزدوجة معضلة جديدة أمام الفرد، وخاصة حين تتعارض مصالح الجماعة مع مصالح الدولة.

ينتقد الكتاب تلك الفرضية كثيرة التداول التي تقول إن العلاقة بين قوة الدولة وقوة الجماعات علاقة تناسب عكسي، فكلما قويت الدولة ضعفت الجماعات، والعكس صحيح.لأن الحاصل على خلاف هذه الفرضية، فالجماعات حين تضعف فإنها لا تنقرض، بل تزداد قسوة تجاه أي تقصير من قبل أفرادها. وقد كان نيتشه على حق حينما ربط قسوة الجماعة بضعفها، وتهاونها وتسامحها بقوتها، فـ"كلما ازدادت قوة الجماعة كلما نقص اهتمامها بتقصير أفرادها، ذلك أنهم لا يبدون لها خطرين على وجودها ولا مخربّين مثلما كانوا من قبل (...) وبمجرد ما يظهر فيها ضعف أو خطر محدق تظهر كذلك أشكال العقاب الصارمة. لقد كان (الدائن) دائما يتأنسن بقدر ما يغتني". وبما أن الدولة قد أضعفت من قوة الجماعات بشكل أو بآخر، فلن يكون من المستغرب أن تكشف هذه الجماعات عن وجهها المكفهرّ، بحيث تتعامل بقسوة تجاه أي تقصير من قبل أفرادها، كما تتعامل مع أي نقد قد يطالها على أنه خطر يهدد البقية الباقية من وجودها.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نادر كاظم يرصد هوية الفرد وانتماؤه في خارج الجماعة نادر كاظم يرصد هوية الفرد وانتماؤه في خارج الجماعة



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 08:25 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

8 مليارات رسوم امتياز شركتا "اتصالات" و"دو"

GMT 05:17 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي أفكار مبتكرة لتزيين نوافذ المنزل بالورود والزهور

GMT 16:05 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

توقيف أربعيني في أغادير بحوزته مليون يورو مزوّرة

GMT 08:31 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

جبل بثرة في الطائف من المزارات السياحية المميزة

GMT 18:10 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

اعتداءات على مشجعي الرجاء البيضاوي في غانا
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya