المكان العُماني في شعر زاهر الغافري
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

المكان العُماني في شعر زاهر الغافري

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - المكان العُماني في شعر زاهر الغافري

بيروت ـ وكالات

كتابة المكان في القصيدة العربية الحديثة- والأحدث- لا تعني العودة إلى جذورها الأولى التي انشغلت برسم ما أحاط بالشاعر القديم من مفردات بيئته وعناصر حياته، وإنما هي كتابة تمثل روح الشعر وجوهر طبيعته في كل زمان ومكان. والشعراء الذين تفتقد في قصائدهم رائحة المكان وتجليات ملامحه وانعكاسها على ذواتهم الإنسانية المستيقظة من جهة، وفي شعرهم من جهة أخرى، ليسوا سوى مقلدين حتى لو أوغلوا في حياة العصر وأحسنوا في توصيف مستحدثاته. فالشاعر هو ابن المكان، مكان طفولته ومراتع صباه وشبابه، أو مكان إقامته وترحاله، وما تحفل به الأمكنة من مشاهد ومعالم ورؤى وأطياف وما تزخر به من مفارقات يغتني بها الشعر. وإذا كان التواصل الحميم مع الأمكنة من طبيعة الشعر، فإنّ حساسية هذا الاتجاه في أعمال شعراء الجزيرة العربية يبدو أكثر وضوحاً منه لدى زملائهم في بقية أنحاء الوطن العربي. وفي «عُمان»، البلد الذي تسبح بعض أقدام جباله في البحر، يأخذ الشعر- الجديد منه خاصة- هذا المنحى الذي كان وما زال يمثله ببراعة الشاعر الكبير سيف الرحبي حيث يتجسد المكان في أعماله الشعرية في صور وإحالات مدهشة. ومنذ أيام وقعت في يدي المجموعة السابعة للشاعر العماني زاهر الغافري «كلما ظهر ملاك في القلعة» فأدهشني توظيفه الشعري اللاواعي لموضوعية المكان والرحيل في تفاصيله الدقيقة، من دون أن يسافر بعيداً عن عالم الشعر وأجوائه الواقعي منها والمتخيل. زاهر الغافري شاعر دائم التنقل، وهذا ما توحي به أعماله الشعرية التي تحمل نكهة الأمكنة التي أقام فيها. وإذا كان زاهر من عشاق الأسفار فمعنى ذلك أنه من عشاق الأمكنة، ويبقى المكان العماني عالقاً في ذاكرته وفي ثنايا لغته مهما أوغل في البعد عنه غرباً إلى الولايات المتحدة، وشمالاً إلى السويد بالقرب من سقف الدنيا. يكتشف قارئه أنّه شاعر مشدود إلى وطنه الأول، ولن تفاجئك صورة عُمان، في ثنايا النصوص التي تتوزعها أعماله الشعرية المتتابعة وآخرها «كلما ظهر ملاك في القلعة» (دار الانتشار العربي)، ومن النصوص الموحية بهذا المعنى: الجبال بعيدة/ وهذا الألم الطالع من الأمواج/ بلا ملوحة/ ليس خطأ بعد الآن/ أن يمرح السحرة/ فوق الغيوم/ المنازل خالية/ وكلّ وجه أصادفه صقيل/ كحجارة الوادي المغمورة/ في ضوء القمر (ص37). هذه صورة عمانية صرف ترخي بظلالها على مكان ما في ذلك البلد، وهي تجمع بين الجبال والبحر، والمنازل الخالية وحجارة الوادي وضوء القمر الذي لم تعد العيون تراه إلاّ في قرانا العتيقة والقريبة من الصحراء. وطالما كان النص الشعري لوحة أو مرآة نقرأ فيها وجه الشاعر وننصت إلى إيقاعات مشاعره فإن انخراط زاهر في عالم السفر ومغامراته في العالم الجديد بمشاكساته ومدلولاته، وما اتسم به من مغايرة وغرابة لم تفقد شعره الظلال ولا الإطلالات التي تحفظ كينونته الأولى (حنينه الدائم) المتعلق بوجوده الأول: «تمشي على حافة العالم/ لتصل إلى الوديان التي أضعتها/ في طريقك تشع الحجارة/ كذهب الذكرى/ الرحلة طويلة للغاية/ الريح تتبع تلويحة اليد/ واليأس يضيء/ عينيك الحالمتين/ بالنجوم» ( ص50). إنها صورة مكتملة مما اختزنه الشاعر عن مراحل طفولته وأوجاعه التي لا تنفك تستيقظ كلما رأت ما يغايرها أو يذكّر بها، بما في ذلك الحديث عن المرأة الأسكندنافية الباكية، من دون أن تذرف دمعة واحدة والتي نطالع وجهها الباكي في نصّ من أجمل نصوص هذه المجموعة، كما لم تنسه الإشارة إلى «ابن فضلان» الرحالة العربي الذي اقتحم أوروبا بمفرده، ورسم في رحلته كيف كان الأوروبيون يتمرغون في حالة من الفوضى والتخلّف، وإشارته هذه لا تزيد عن سطور ثلاثة: «من هنا/ مرّ ابن فضلان/ في سفن القراصنة» (ص76). وهنا يتكشّف حنين الشاعر إلى المكان الأول بطبيعته وناسه وتاريخه.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المكان العُماني في شعر زاهر الغافري المكان العُماني في شعر زاهر الغافري



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya