بسمة صابر قصة قصيرة لسامح جويدة
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

"بسمة صابر" قصة قصيرة لسامح جويدة

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

القاهرة - المغرب اليوم

(إحنا لازم نطاطى عشان نعيش يا صابر) وربنا يغفر للجميع .. قالها الشيخ سليمان وهو يربت على كتف صابر لينهى حديثه وينصرف.. وبالكاد سمع صابر جملته الأخيرة فقد كان مثل المحموم يلف نفسه تحت عباءته الرثة ويرتعش، لم يجد سوى بيت الله ليبتعد عن ذنوب البشر.. هرب من نفسه ومن أهله ومن كل الذين حوله واختبأ فى المسجد ليلتقطه الإمام العجوز ويعظه بأن (يطاطى) عشان يعيش، وماذا عرف صابر فى حياته غير ذلك، فمنذ جاء إلى الدنيا و هو لا يعرف فيها إلا الخنوع والجوع والفقر، فهل يدفن نفسه حياً حتى يعيش؟، فعمره تجاوز الثلاثين عاما ولا يذكر فيهم لحظة كبرياء أو غضب إلا فى الكارثة الأخيرة، هل كان يجب أن يسكت وقتها ويبتلع الإهانة وذبح شرفه؟. و لكن إمام المسجد عنده حق. فماذا أخذ من الثورة والغضب؟، هل عادت كرامته أو صان شرفه؟ إنه خانع خاضع خائف مختبئ بالمسجد من كل من حوله، ضعيف حتى أمام ظله، إنه "مطاطى" كالمعتاد يا مولانا و لا يحتاج لمواعظك الحسنة .. فقد تربى على ذلك، فعلى مدار عمره لم يعرف (صابر) إلا الصبر على مشقة الحياة والتعايش مع الفقر . ولكن ما أصعب كليهما حين يزيد عليهما الخوف والقلق وممن؟.. من عائلة (الغرباوى) أولاد عمومته و أسياده الذين لم يعرف شيئا فى حياته سوى خدمتهم والعيش فى أراضيهم، فهو وأخوته مجرد خدم يزرعون فى أراضى تلك العائلة منذ أن ولدوا، رغم أنهم فى الأصل أبناء عم . فصابر وإخوته يحملون نفس اسم العائلة إلا إنهم جاءوا من جدة أخرى تزوجها الغرباوى الكبير أثناء إقامته فى الصعيد وعاد بها إلى بيت زوجته الأولى بنت الحسب والنسب التى عاملتها كخادمة، حتى أنها منعت الرجل من معاشرتها و أسكنتها مع ابنها الوحيد (فرج ) فى كوخ حقير وسط مساكن الخدم. ومن يومها يتوالد نسلهم كالعبيد لخدمة هذه العائلة. حتى حينما مات الجد الكبير لم يعطوا لأبيه (فرج) إلا خمسة أفدنة أقنعوه بأنها ميراثه الوحيد من التركة الهائلة التى تركها جدهم الأكبر. ورضخ أبوه مرغما فهو ضعيف ووحيد فى مواجهة سطوة وجبروت إخوته، لذلك أصر فرج على أن تكون له عزوة من ذريته، فجاء صابر أولا و من خلفه سبعة من الأشقاء والشقيقات وعاشوا جميعا على خدمة أبناء عمومهم وعلى الملاليم التى تخرج من الفدادين الخمسة، وليت الأيام تركتهم على ذلك، فقد سقط أبوهم (فرج) مريضا فجأة بعد صراع طويل مع الفقر والذل وهو يخدم سارقى ماله، ولم يشفع له الدم ولا الخدمة بل رفض أخوته تحمل مصاريف علاج كبده و أرغموه على بيع نصف فدادينه الخمسة لهم وبالسعر الذى حددوه فميراثه مجرد قطرة فى محيط أملاكهم، ومات الرجل مقهورا وترك حمل ثقيلاً على أكتاف ابنه الكبير صابر الذين لم يكمل وقتها خمسة عشر عاما . و استمر صابر وأمه وإخوته الصغار فى خدمة أعمامه وأبنائهم الذين تبرأوا من نسبهم ليريحوا ضمائرهم و هم يعاملون أبناء عمومتهم كالعبيد . حتى أنهم صفعوه وهو صغير لمجرد أنه قال لأحدهم يا عمى. ومن يوم الصفعة و هو يفكر كثيرا فى الرحيل و لكنه يفكر أكثر، (إلى أين؟)، فكيف يسافر ويترك كل ما يملك ويسحب خلفه ثمانية أرواح لا يعرف أين سيسكنون أو ماذا سيأكلون. أم تراه يرحل بعيدا وحده، ولكن كيف؟ فحبه لأمه وأخوته طالما منعه من ذلك، خاصة اخته "بسمة " فهى الأصغر و الأحن عليه والأقرب إلى قلبه. مات أبوه وهى لم تكمل العامين.. قطعة لحم كان عليه أن يرعاها حتى تعيش . ومرت الأيام ثقيلة واختفى معها حلم الرحيل . خاصة بعد أن تزوج، أقنعته أمه بابنة أحد الأجراء الذى مات مريضا مثل أبيه، فتزوجها لتأت له بأربعة أطفال فى خمسة سنين حتى أنه كره الاقتراب منها .. ولكن ماذا يفعل فى ليله الطويل غير ذلك. لم يكن يضىء حياته إلا أخته "بسمة" كانت تكبر أمامه مثل شروق الشمس كانت أجمل طفلة تراها العين وصارت مع الأيام أجمل فتاة . أدخلها المدرسة لفترة ولكنه خاف عليها من العيون خاصة عيون أسياده المفترسة التى كانت تلاحقها فى الذهاب والإياب وهى كالوردة التى تتفتح مع كل يوم وتزداد فتنة.. فأجلسها فى البيت لتكمل تعليمها (منازل) ومنعها من العمل فى بيوت (الغرباوية) أو مزارعهم.. وتفرغت بسمة لخدمة أمهم المريضة وباقى أخوتها، وكانت تجلس مع صابر كل يوم بالساعات لتقرأ له المجلات والصحف القديمة أو يحكى لها هو بعض الحكاوى التى تحدث خارج الدار .. حتى أصبحت حكاية اخته الصغيرة فجأة على كل لسان.. فلم تكاد بسمته تكمل عامها السابع عشر حتى حدثت الكارثة!! .. فقد مرض (حسن الغرباوى) عمه الأكبر بدور انفلونزا شديد وكان على زوجة عمه أن تسافر لرعاية ابنتها الحامل فى شهرها الأخير .. فطلبت الست هانم (بسمة) بالاسم لتخدم العم الكبير فهى متعلمة وواعية والحاج حسن فى مقام الأب .. رضخ ساعتها مستسلما فهو لم يتعلم أن يرفض طلبات أسياده من قبل.. وانتقلت الصغيرة لتقيم عدة أيام فى القصر.. لم يفهم منها هل كانت سعيدة أم حزينة ولكنها دخلت عليه فجأة بمصيبة!! ... الحاج حسن كبير العائلة تحرش بالصغيرة.. فلما منعته وصرخت و بكت . ضربها الخنزير بعصاه على رأسها فسقطت وفض بكارتها بيديه لأن رجولته عاجزة.. جاءته طفلته بدموعها و قطرات الدم على ثوبها تنتحب وتولول تطلب نجدة أخيها .. فخرج كالثور الهائج لقصر كبيرهم ومن حوله إخوته . وضرب غفراء القصر ودخل على الكبير ليفتك به .ولكن الناس تجمعت وعلى رأسهم إمام المسجد وأقنعوه بألا يضيع نفسه وأن يبلغ الشرطة. ومن يومها بدأت الدوامة .. اضطر أن يقدم بلاغا يفضح فيه عرضه وتم التحقيق فيما أدعته بسمة على الحاج حسن. الذى اتهمها بدوره بالكذب وبأنه ضربها على رأسها بعصاه حينما دخل عليها فجأة فوجدها تسرق مصاغ زوجته المسافرة.. سبها العجوز ولعنها أمام الناس والنيابة والشرطة وأقسم أنها فضت بكارتها بيديها حتى تدارى على عملتها الوسخة ولتجبره على عدم اتهامها بالسرقة.. لم يصدقه أحد حينذاك، حتى النيابة رفضت إخلاء سبيله بعد التحقيق مع بسمة التى كانت تبكى أكثر مما تتكلم حتى أغمى عليها مرتين، وذهب العجوز إلى السجن تحت ذمة التحقيق تلاحقه لعنات الجميع حتى أن بعض أبنائه و أخوته سبوه و قالوا: إن عجزه قد جننه، و فجأة أصبحت القرية بلا كبير حتى ظهر الحاج (حمدى الغرباوى) أخو الحاج حسن ليتحمل مسئوليات أخوه الكبير فى إدارة الأراضى ومزارع الدواجن والمواشى ومخازن الغلال. جاء بضحكة سمجة لم يفهما صابر حتى الآن .. فرغم أنه كان يصر على أن ينادى صابر قائلا: ابن اخويا إلا أن فى نظرته شيئا مقلقا و فى أفعاله شيئا مريبا. و من يوم مجيئه والبلد تعيش فى أحداث عجيبة .. زادت أعمال السرقة و النهب بشكل مخيف . و نزل المئات من مطاريد الجبال ليسرقوا منازل الغلابة والفلاحين أو يقطعوا الطريق على السائرين . بل سرقوا الغلال من مخازن عائلة الغرباوى، الذين توقفوا بدورهم عن دفع رواتب الأجراء والفلاحين بحجة أن المسروقات مسئولية الأهالى الذين يقيمون حول المخازن وصوامع الغلال .. وبدأ ينتشر بين الناس إشاعات غريبة.. فمطاريد الجبل جاءوا للانتقام لعم حسن أو نزلوا لأنهم لم يكونوا يخافوا إلا من حسن أو أن الله غاضب لما حدث للحج حسن.. كان الناس يجتمعوا حول كبيرهم الجديد حمدى الغرباوى فلا يأخذوا منه غير ابتسامة خبيثة و وعود جوفاء بأن تتحسن الأحوال و يعود للناس الأمن و الأمان و الأجور .. ولكن الأحوال استمرت إلى الأسوأ .. حتى انقلب أهالى القرية على بسمة ولعنوها فى السر والخفاء . فقد كسرهم الجوع والخوف وحطم كل ما فيهم من عقل ومروءة، رموا على المسكينة كل بلائهم فهى التى جوعت أطفالهم وسرقت أملاكهم وأجلست الرجال كالنسوان خائفين عاطلين فى البيوت.. قالوا (بأن القرية لن تعيش بغير كبيرها حسن وأنه الوحيد القادر على أن يخيف مطاريد الجبل ويعيد للمكان أمنه وهيبته ويعيد لنا أجرنا الذى نسد به أقل طلبات العيال) .. حتى أن بعض إخوان بسمة اقتنعوا بنفس الكلام إما من وجع الفقر أو خوفا من القهر .. لم يرحموا بسمة و لم يقدروا عذابها، فظلت على حالها مكتئبة صامتة حتى خبت.. أذلها الكبير بعصاه وأهانها الناس بالكلمات والشائعات فوصفوها حيناً بالسارقة وحيناً بالعاهرة وحيناً بالمشئومة، كانت تموت فى سكون وهى ترى أخوها صابر يدخل عشرات المعارك والمشاجرات بسبب كلمات الناس المسمومة.. قالوا إن حسن برىء من دماء الصغيرة الفاجرة و أنها لصة قذرة لطخت أهل القرية كلهم بالعار . وصابر المسكين يموت كل يوم ألف مرة بعد أن صارت بسمته الجميلة مصدر عار .. وأطفاله الأربعة لا يجدون ما يأكلوه بعد أن بخلت عائلة الغرباوى عليهم بكل شىء حتى اللقيمات الصغيرة التى تبقى أطفاله عائشين ..ظلت الحكاية تدور بين النجوع والقرى. والشائعات تزيد عن لعنة بسمة و قذارتها أو خيانة صابر لأسياده.. حتى أن بعضهم اتهمه بأنه هو الذى شجعها على السرقة ولما ضبطها الكبير متلبسة خاف صابر على نفسه فأمرها بفض بكارتها واتهام الكبير بالفاحشة. أصبح فجأة رجسا من عمل الشيطان بعد أن كان بطلا و صاحب حق ... و الآن يختبئ فى المسجد ضعيفا جبانا لينصت لموعظة الشيخ سليمان بأن "يطاطى" لكى يعيش هو وأولاده.. و لو جاءت حياته على حساب ضياع بسمته الوحيدة.. جلس يرتعش فى عباءته القديمة ويبللها بدموع مقهورة.. والناس تعوى و تصرخ بالخارج .. ملتفين كالذئاب المسعورة حول بيته، يريدون أن يقتادوا ما تبقى من بسمته الصغيرة إلى قسم الشرطة .. لتعترف بأنها كانت لصة حقيرة فضت بكارتها بيديها وأن الحاج حسن برىء برىء برىء..

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بسمة صابر قصة قصيرة لسامح جويدة بسمة صابر قصة قصيرة لسامح جويدة



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 20:01 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي الشحانية القطري يعلن غياب 3 من لاعبيه الأساسيين

GMT 13:59 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الجديدي لكرة السلة يحتفي بنجمه السابق الصبار

GMT 15:49 2019 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

قصة جديدة لفئة اليافعين بعنوان "لغز في المدينة"

GMT 10:50 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

زوج يطعن نفسه بسلاح أبيض بسبب خلافات زوجية

GMT 05:24 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

شواطئ ماوي السياحية تستقطب محبي رياضة الغوص

GMT 11:05 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

تمتعي بأجواء صيفية لا مثيل لها في موريشيوس
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya