الرباط - وكالات
الكاتية العراقية هدية حسين في روايتها "صخرة هيلدا" تجعل الواقع يغوص في نفسها مع براعة في التقاط تفاصيل الحياة وتحويلها إلى خيوط من حالات نفسية.
بطلة الرواية يملأها الحزن والشعور بالوحشة والالم والحنين. انها وحيدة في كندا لكنها تقول انها كانت ايضا وحيدة في بغداد لكن هناك فرقا بين الوحدتين.
والروئية بارعة في جعل لحظات تفاصيل الحياة تتحول إلى حالات من الحزن ومن مأساة الإنسان خاصة ذلك المشرد العراقي الهارب من الموت والدمار اليوميين الكاسحين اللذين لا يميزان بين إنسان وآخر وكأن الإنسان الذي ضربه التوحش يتحول إلى مسخ جبار يعتقد انه يمتلك مصير الآخرين وهم لا قيمة لهم عنده.
جاءت الرواية في 182 صفحة من القطع الوسط وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.
رواية هدية حسين رواية فكرية إلى حد بعيد يملأها التساؤل عن الحياة والموت من خلال حوار تقيمه البطلة مع راحلة دفينة تدعى هيلدا وذلك عند صخرة تعرف باسمها والكاتبة تتوهم انها تستمع اليها. انها تروي عن كل الاشياء في حياتها بشكل جذاب.
انها تقيم حوارا مع الاموات.. هيلدا من طرف واحد وصديقة البطلة المدعوة سارة في العراق. وهو هنا حوار مستعاد او متخيل من طرفين.
حوارها مع سارة يتناول المجتمع والوطن والحب والحقيقة. اما الاحياء فالبطلة تكاد لا تقيم حوارا معهم او تجري حديثا. كانت تعتقد ان سارة انتحرت الى ان التقت في كندا صديقتهما المشتركة سمر وعلمت منها ان شقيق سارة قتلها بشكل يبدو الامر فيه انتحارا وذلك لانها مطلقة ممنوع عليها التصرف بشيء من الحرية.
تبدأ البطلة بالحديث عن الحرب والموت في العراق. انفجار يقتل امها ويفصل رأسها عن جسدها. رحلت بعد موت امها المفجع. "تقلبت الايام وقلّبتها بين مدن تشيلني انا التي كنت اظن انني سأبقى في بغداد وأموت فيها.. وأخرى تحطني" لتحط اخيرا في مدينة هاملتون الكندية وتسكن في غرفة قديمة لا احد يكلمها او تكلمه. تتلقى المساعدة الشهرية من الحكومة وتدفع فواتيرها.
تقول انها عندما حدثت موظفة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كان "جسدي يرتعش وأنا احكي عن رأس امي المقطوع" وأعطتها الموظفة عنوان احد الاطباء النفسيين لتراجعه. قال لها الطبيب ان عليها ان تدرب نفسها على النسيان "فستجدين حياة جديدة بانتظارك... وها انا في كندا ادرب نفسي على النسيان."
تقول انها الآن "في مكان ما على حافة العالم اجلس او امشي. اشعر بنوع من الاستقرار لم اشعر به في بلدي." وتتحدث عن قصتها وأسلوبها في روايتها فتقول "لا ارتب الحكايات من الالف الى الياء. لقد اختلط زمنها وضاعت بعض ملامحها. قد أبدأ من الياء وأمر بحروف الحكايات من دون ترتيب زمني. وقد لا اعود الى الالف لانه سيكون قد تشوه بفعل تراكم المحتويات وثقلها. لقد تلاعب بي الزمن من دون رحمة فلماذا اجهد لكي ارتبه."
تورد بعض سمات حياة الكنديين فتصف مشهدا قرب بحيرة اونتاريو حيث تجلس. ينقطع هدوء جلستها "بفعل مجموعة اطفال نزلوا من سيارة كبيرة بصحبة رجل وامرأة... انهم يغنون ويضرب بعضهم بعضا مزاحا. انشغل الرجل بنصب خيمة على العشب وحملت المرأة كلبها الابيض ذا الفرو الكثيف وقبل ان تطلقه فوق العشب امطرته بالقبلات وحكت فرو رقبته."
تريد ان تقول انه حتى الحيوان يعيش معززا مكرما في ذلك البلد بينما يعامل الانسان في بلادنا معاملة الكلب وفق معاييرنا نحن. تقول "الكلاب هنا مدللة لها حقوق لا تضاهيها حقوق الإنسان."
اما صخرة هيلدا فصخرة نادرة في وجودها وشكلها المنحوت كأنها سفينة في الماء وعليها حفرت جملة هي "مورياك يحبك يا هيلدا" التي رحلت عن عمر بلغ عشرين عاما. وعلى مقربة منها مصطبة خشبية لمن يريد الاستراحة بعد تعب "وأنا المرأة المتعبة التي عبرت المحيطات بحثا عن سلام لروحها القلقة لا تدري ان كانت ستجده ام لا."
وتحدثت عن آلامها وذكرياتها وقصة حبها الفاشلة وقالت "وهنا وقرب صخرة هيلدا سأعلن موت الماضي وأخرج الى الحياة امرأة بلا متعلقات."
تقف عند صخرة هيلدا وتخاطبها قائلة "جئتك من اقبية الدخان والخذلان من بلد هو الوحيد في العالم يقيم مهرجانات للاحزان ويتوجس من الافراح والمسرات.
"بلد اذا زلت فيه المرأة اقاموا عليها الحد والحد عندنا مرهون بأطراف السيوف والخناجر.. سيوف وخناجر لامعة وصقيلة لا نستحي من رفعها شعارات على اعلامنا ومنارات تسير تحتها الجموع مغيبة عن الوعي.
"الامان هنا هو القاعدة وفقدانه هو الاستثناء وهناك في بلادي وشقيقاتها فقدان الحياة هو القاعدة والامان هو الاستثناء ولذلك فالكل خائف هناك."
تتحدث عن عيد الخوف اي الهالوين في كندا "حيث يتنكرون بأزياء وأشكال مخيفة من اجل التسلية" وتقارن ذلك ببلدها وتقول انه في البلد الذي تركته "اعياد الخوف كثيرة بأدوات حقيقية.. فؤوس وسكاكين وسيوف وخطى قريبة تتبعك... فيمضي كاتم الصوت او السكين الى صدرك... وقد يفجرون اجسادهم فتتشظى لحظة لانهم يعتقدون انهم بموتك سيتزوجون من الحور العين."
بعد مرض وعلاج في المستشفى تشعر بأن كل ما في رأسها من ذكريات ومقلقات اختفى وبقيت صورة شاهين الذي احبت لكنه فضل الدخول في الجيش للدفاع عن الوطن وذهب إلى الحرب.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر