دمشق ـ سانا
تتمتع رواية جندي من الشام للكاتب نزار نجار بأسلوب لغوي رصين ومفردات اخاذة تفوق أحيانا سن الطفولة لما تمتلكه من قوة في أسلوب السرد التعبيري الذي يعمد آليه خلق الحدث منذ البداية.
ويصور نجار الحياة الاجتماعية وحراك الباعة والتجار عندما ينتهى النهار وهم يغلقون دكاكينهم بعد أن مضى النهار والغلمان يدفعون عرباتهم وصناديقهم وهم يتصايحون هنا وهناك لقد جاء المساء ولابد أن تأخذ الاجساد نصيبها من الراحة والهدوء بعد عناء العمل والكسب والجهد.
ويجسد نجار صورة المحارب البطل وكأنه يرسم لوحة تشكيلية يعبر فيها عن صورة البطل وهو يمر بين الباعة والغلمان غير آبه أم مهتم إلا بسيفه وفرسه داخلا إلى بيته مصورا فرحة الأطفال بمجيء والدهم البطل.
يختلف في الرواية موقف الزوجة فلم تبدو عليها آثار الفرحة لأن زوجها لم يأت بالغنائم التي يأتي بها المنتصرون لتحقيق أحلام زوجاتهم بعد أن توسعوا في البلاد شرقا وغربا حيث قامت بمعاتبة زوجها الذي لم يكترث لفقر أسرته حسب تفكير الزوجة.
يعمل نجار على تكوين مفارقة أخلاقية يجسد من خلالها موقف الزوج الذي لا يهتم إلا بنصر جيشه ووطنه.. والزوجة التي بدأت تطالب بالمال والغنائم هادفا من ذلك زرع قيمة حب الوطن بنفوس الأطفال من خلال تهديد الزوجة بترك البيت ما لم يأت زوجها بالمال والغنائم وإصرار الزوج على موقفه المشرف والصحيح.
يجعل نجار القيمة الوطنية فوق كل القيم وتسمو على كل شيء إذ قدم نفسه لقائد الجيش ليكون أول من يفتح ثقبا في سور قلعة الأعداء بعد أن رفض الجميع تلك المهمة وكانت تمر بذاكرته مواقف زوجته وطلباتها وأن الجوائز التي أعلنها القائد لمن يفتح الثقب في سور الأعداء مغرية وتحل كل المشاكل وتعيد الزوجة إلى البيت وبعد أن غامر بنفسه وفتح الثقب وتحقق النصر رفض الجائزة والترقية معتبرا أن الوطن أسمى من كل الشيء والتضحية من أجله لا تقدر بمال.
تتراجع المرأة في الرواية عن موقفها عندما يعود الزوج منتصرا وتستقبله بحفاوة تقديرا لمواقفه البطولية وسمو حب الوطن عنده على كل شيء حيث عمت الفرحة المنزل وفرح الأطفال بعودة والدهم منتصرا إلى بيته وتغيير الزوجة موقفها والتزامها بموقف الزوج.
وتتجلى القيم الاجتماعية والأخلاقية متفوقة على النزعة المادية وعلى الخلافات العائلية التي تسببها المادة فتقنع المرأة بوجهة نظر زوجها معتبرة أن النصر هو أهم من أن تفكر بالمادة أو الهدايا.
ويستخدم الكاتب نجار أسلوبا روائيا تقليديا يعتمد على أسس منهجية فكانت الحبكة أهم الأشياء التي ارتكز عليها محور الموضوع عندما قبل الفارس الشاب بمبادرة الإقدام على ثقب باب القلعة والمجازفة بحياته مقابل الانتصار حيث كانت الإثارة وصلت إلى أوجها عندما بدأ بالحفر ورفاقه الجنود يحاولون إشغال العدو عنه.
ويعمد نجار على استعارة الأحداث التاريخية ليعمل على إسقاطها نظرا لمقدرتها الفائقة على اقناع الأطفال وترسيخ الحوادث في أذهانهم مستخدما الفرس والسيف بدلا من استخدام البندقية والدبابة نظرا لاقتران تلك الأشياء بالنصر خلال التاريخ وما روي فيه تناسب الرواية كل المراحل العمرية عند الأطفال ابتداء من السن الذي يسبق المدرسة وصولا إلى بداية الفتوة وذلك يعود للأسلوب السردي الذي تمكن الكاتب من استخدامه ومعالجة الحالة الوطنية من خلاله.
يذكر أن الكتاب من منشورات الهيئة العامة للكتاب ويقع في 31 صفحة من القطع المتوسط معتمدا على مجموعة من الرسومات للفنان محمود مقوس التي تمكن من خلالها موازاة الأحداث التي حرك شخوصها الكاتب.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر