بينما أكد وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير أنه لن يتم تقديم أي تنازلات للولايات المتحدة، مقابل الإعفاء المؤقت للاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية الأميركية، أقرت سيول الاثنين بأنها وافقت على خفض صادراتها من الصلب إلى الولايات المتحدة بنسبة 30 في المائة، وعلى تمديد رسوم جمركية تفرضها واشنطن على سيارات الـ«بيك أب» الكورية الجنوبية، وذلك لإنقاذ اتفاقية التبادل الحر التي تربطها بواشنطن، وتفادي الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب.
ورغم أن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة حليفان يواجهان معا تهديدات كوريا الشمالية المزودة بالسلاح النووي، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يهدد بالتخلي عن اتفاق تبادل حر موقع بينهما عام 2012.
وقررت إدارة ترمب في يوليو (تموز) معاودة التفاوض حول هذه الاتفاقية المعروفة باسم «كوروس»، كما فرضت واشنطن الأسبوع الماضي رسوما جمركية على واردات الصلب من عدة بلدان بما فيها الصين، ما أحيا المخاوف من قيام حرب تجارية.
وبعد أسابيع من المفاوضات، أكد وزير التجارة الكوري الجنوبي كيم هيون شونغ، الاثنين، أن الطرفين توصلا إلى اتفاق «مبدئي» لمراجعة اتفاقية التبادل الحر والرسوم الجمركية على الصلب.
ويعتمد اقتصاد كوريا الجنوبية إلى حد بعيد على التجارة الخارجية، والولايات المتحدة هي ثاني شركاء سيول، وبحسب الصيغة الجديدة لاتفاق التبادل الحر الأميركي الكوري الجنوبي، تفتح سيول سوقها للسيارات بشكل أكبر أمام الشركات الأميركية، وتوافق على تمديد الرسوم الجمركية الأميركية بنسبة 25 في المائة على سيارات الـ«بيك أب» الكورية الجنوبية لعشرين عاما حتى 2041.
وبالنسبة للصلب، توافق سيول على تحديد حصة سنوية من الصادرات إلى الولايات المتحدة تبلغ 2.68 مليون طن، أي 70 في المائة من متوسط صادراتها السنوية في السنوات الثلاث الأخيرة.
ويعفى الصلب الكوري الجنوبي ما دون هذه العتبة من الرسوم الجمركية الأميركية، فيما تفرض عقوبات على أي كميات تفوق هذا الحد، وفق ما أوضح الوزير. وقال إن المفاوضات كانت «شاقة» لكن «يمكنني القول بصفتي مفاوضا، إنني لم أشعر بنفسي في موقع دوني».
غير أن اختصاصي التجارة الدولية في جامعة «سوغانغ» البروفسور هيو يون، لا يوافقه الرأي، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وقال الخبير إن «الولايات المتحدة حصلت على ما كانت تريده. كانت إدارة ترمب بحاجة إلى تحقيق نتيجة يمكنها إبرازها أمام أنصارها»، محذرا بأن واشنطن قد تفرض في المستقبل «رسوما جمركية على أشباه الموصلات»، وهي صادرات أساسية لسيول. وتابع: «لا أدري إن كنا لا نزال نملك ورقة مساومة لمقاومة ضغوط الولايات المتحدة».
ويندد الرئيس الأميركي منذ فترة باتفاق «مروع... يقضي على الوظائف»، يصفه بأنه غير متوازن، مشيرا بهذا الصدد إلى الارتفاع الحاد في عجز الميزان التجاري الأميركي مع سيول.
وأوضح كيم أن عدد السيارات الأميركية التي يمكن استيرادها إلى كوريا الجنوبية من دون أن تنطبق عليها معايير السلامة المعتمدة من سيول، سيضاعف إلى خمسين ألف سيارة في السنة.
وكشف أن كلا من شركات السيارات الأميركية الثلاث الكبرى: «جنرال موتورز» و«كرايسلر» و«فورد»، صدرت ما لا يقل عن عشرة آلاف سيارة إلى كوريا الجنوبية عام 2017، ملمحا إلى أن الوضع لن يتطور كثيرا في الوقت الحاضر.
وفيما عدا إعفاء الصلب من الرسوم الجمركية ضمن الحصة المحددة لكوريا الجنوبية، لم يعلن الوزير عن أي تنازل آخر لواشنطن. وتمكنت سيول من الدفاع عن «خطها الأحمر» فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية والحفاظ على بعض الإعفاءات المطبقة حاليا، بحسب ما أوضح.
لكن كيم توقع اضطرابات تجارية جديدة مع واشنطن. وقال: «ثمة مخاطر على الدوام في المبادلات. أعتقد أن الرئيس ترمب سيفوز بولايتين، وسيبقى ثماني سنوات في البيت الأبيض. برأيي، ستكون هناك مخاطر خلال هذه الفترة». ومن المقرر أن يجتمع الطرفان قريبا لوضع اللمسات الأخيرة على الصيغة الجديدة للاتفاق. وكوريا الجنوبية من الشركاء التجاريين السبعة الذين أعفتهم الولايات المتحدة من الرسوم الجمركية على واردات الصلب التي تستهدف الصين بالمقام الأول.
وبحسب وزارة التجارة الأميركية، فإن العجز في الميزان التجاري الأميركي حيال كوريا الجنوبية ارتفع من 7.7 مليار دولار عام 2012، إلى 18.6 مليار دولار عام 2015، قبل أن يتراجع إلى 10.3 مليار دولار عام 2017.
وعلى صعيد متصل بمعركة رسوم الصلب، أكد وزير الاقتصاد الألماني بيتر أنه لن يتم تقديم أي تنازلات للولايات المتحدة مقابل الإعفاء المؤقت للاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية الأميركية.
وقال ألتماير أمس الاثنين، لإذاعة «برلين - براندنبورغ» الألمانية، إنه لم يقدم أي عروض ملموسة، مؤكدا أنه لا يمكنه القيام بذلك مطلقا. وتابع قائلا: «لا تتفاوض دولة بمفردها، وإنما الاتحاد الأوروبي سويا. وكانت مهمتي في واشنطن أيضا الاهتمام بألا ينقسم الاتحاد الأوروبي بعضه عن عن بعض، لذا لم أقدم عروضا، ولم أقبل عروضا».
يذكر أن الاتحاد الأوروبي حصل الأسبوع الماضي على استثناءات من الرسوم الجمركية الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم التي دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي. ولكن الإعفاء يسري حتى شهر مايو (أيار) القادم فقط. ولا يزال السعي يتم من أجل التوصل لحل دائم.
وأضاف ألتماير أنه سيتم الاتفاق مع الولايات المتحدة على أنه لا يمكن تحرير التجارة العالمية إلا إذا كانت عادلة، وقال إن «أوروبا مستعدة للتحدث مع الولايات المتحدة بشأن هذه القضايا. ولكننا لا نرغب في فعل ذلك تحت ضغط وقت».
وحذر الوزير الألماني في تصريحات لصحيفة «باساور نويه تسايتونغ» الألمانية، من أنه «تتم المخاطرة بملايين الوظائف على مستوى العالم، وآلاف منها في ألمانيا أيضا» في إطار حرب تجارية. وأكد أنه سيتم فعل كل شيء «من أجل الحيلولة دون حدوث تصعيد والوصول إلى حل ودي».
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر