لندن - كاتيا حداد
يتسبّب الأبناء الذين يعودون إلى منزل العائلة بعد فترة وجيزة في الجامعة، في انخفاض كبير في نوعية ورفاهية حياة والديهم، وكشف تقرير جديدة للمرة الأولى، تأثير "جيل المرتدين" في الحياة الأسرية في أوروبا، وتُظهر الدراسة التي أجرتها كلية لندن للاقتصاد (LSE) أنه بعد عقود من الاستقلال المتنامي بين الشباب والتراجع الكبير في الإقامة المشتركة بين الأجيال، فإن الاتجاه يتحوّل الآن إلى طريق آخر، فمع تزايد عودة الأبناء البالغين إلى منزل العائلة بسبب ارتفاع تكاليف السكن وانعدام الأمن الوظيفي، أصبح هناك عواقب وخيمة على الآباء والأمهات.
ووجد الباحثون أن الأزواج، الذين استمتعوا بحياة جديدة مع ترك أطفالهم للعش العائلي، ومع تحسن العلاقات الزوجية والاهتمام الجيّد بالهوايات الجديدة، قد يعتبرون عودة أبنائهم على أنه "انتهاك" لمرحلة مثيرة في حياتهم، ومع ما يقرب من ربع الشباب في بريطانيا يعيشون الآن مع والديهم - وهو أعلى رقم منذ بدء السجلات في عام 1996 واتجاه يتم تكراره في جميع أنحاء أوروبا - يبدو أن التأثير على حياة الأسرة واسع الانتشار.
ويعتبر بحث كلية لندن للاقتصاد، الذي يعتمد على تحليل البيانات الطولية منذ أكثر من 50 عامًا في 17 دولة أوروبية في الفترة ما بين عامي 2007-2015، أول بحث عن تأثير الظاهرة المتنامية، في حين يقر التقرير بأن الأبناء الراشدين المقيمين يمكن أن يكونوا مصدرًا للدعم العاطفي والعملي للوالدين الأكبر سنًا، إلا أنه يقول أيضًا أنه مصدر للنزاع والتوتر في منزل العائلة، وباستخدام مقياس جودة الحياة استناداً إلى 12 مؤشرًا رئيسيًا، نظرت الدراسة في إحساس المشاركين بالتحكم والاستقلالية والسرور وتحقيق الذات، تراوح المقياس من 12 إلى 48 حيث أن الدرجات الأعلى تساوي نوعية حياة أفضل، ووجد الباحثون أنه عندما يعود الطفل البالغ إلى منزله إلى عشه الفارغ في السابق، انخفضت الدرجة بمعدل 0،8 نقطة مما يشير إلى تأثير جوهري على الرفاهية المماثلة لما يمكن رؤيته عندما يقوم يصاب شخص ما بعجز مرتبط بالعمر.
وقال أحد مؤلفي الدراسة إلى جانب البروفيسور إميلي غروندي من قسم السياسة الاجتماعية في كلية لندن للاقتصاد، الدكتور ماركو توزي، إنه يمكن ملاحظة اتجاه مماثل عبر الدول الأوروبية، رغم أن التأثير كان أكثر بروزًا في الدول البروتستانت مقارنة بالدول الكاثوليكية، وأضاف: "يبين عملنا أنه في السياقات التي تُعزز فيها التوجهات الأسرية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية استقلال الأفراد، فإن إعادتهم من قبل الأبناء البالغين لها آثار سلبية على سلامة الأهل، فعندما يغادر الأطفال منزل الوالدين، تتحسن العلاقات الزوجية ويجد الآباء توازناً جديداً، يتمتعون بهذه المرحلة من الحياة، لإيجاد هوايات وأنشطة جديدة، عندما يرجع الأبناء الكبار، فهذا يعد انتهاكا لهذا التوازن. "
وردت إحدى الأمهات، التي عادت ابنتها البالغة من العمر 23 عاماً إلى منزل العائلة وبقيت هناك، للنتائج التي توصل إليها التقرير قائلة: "أحب حقاً وجود ابنتي في المنزل ولكن دورنا كآباء هو أن نحرص على أن يكون أطفالنا مستقلين، يصدق كل شيء في نفسي أن هذه الشابة يجب أن تعيش بشكل مستقل، أشعر أن كل شيء فيها يقول"يجب أن أعيش بشكل مستقل"، وتوضح دراسة "عودة الأطفال إلى المنزل والتغييرات في رفاهية الآباء في أوروبا": "خلال نصف القرن الماضي، انخفضت الإقامة المشتركة بين الأجيال بشكل كبير في البلدان الغربية، ومع ذلك، فقد تغير هذا النمط مؤخرًا، وفي بعض البلدان، ازدادت الإقامة المشتركة متعددة الأجيال، وهو التحول فُسر بأنه استجابة عائلية لمعدلات البطالة المرتفعة، وضعف فرص العمل، والمشقة المالية التي يواجهها الشباب، وتشير النتائج إلى أن العودة إلى المنزل كانت مرتبطة بانخفاض نوعية حياة الآباء عندما لم يكن هناك أطفال آخرون في بيت الوالدين، حيث يتمتع الآباء باستقلالهم عندما يغادر أطفالهم المنزل، ويمكن اعتبار إعادة ملء العش الفارغ انتهاكًا لمرحلة الحياة هذه ".
وتم نشر التقرير في الطبعة الأخيرة من مجلة العلوم الاجتماعية والطب، واستند إلى بيانات من فرنسا وألمانيا وسويسرا والنمسا ولكسمبورج وبلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان وسلوفينيا ، الجمهورية التشيكية واستونيا وبولندا، وقال الدكتور توزي على الرغم من أن الدراسة لم تعتمد بشكل مباشر على البيانات الواردة من بريطانيا ، فمن المرجح أن يكون لها تأثير مماثل ، خاصة أنها كانت دولة بروتستانتية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر