الرباط - ادريس الخولاني
يسمونها بمدينة "الألفية " تعتبر مدينة وجدة من اقدم المدن المغربية، و" المغرب اليوم" ستسلط الأضواء على الماضي التليد لتاريخ وجدة و الحاضر الموشوم بالتهميش و النسيان.
يوجد الحي القديم وسط مدينة وجدة، فيتشكل من مجموعة من الأحياء الشعبية "كحي القصبة،" "وحي احراش ""،آيت يعقوب "،أولاد الكاضي "وغيرها من التجمعات السكنية. فالحي القديم يعتبر القلب النابض للمدينة على المستوى التجاري ،إذ يطل على العديد من الأسواق الشعبية ، كسوق السمك ، والجزارين "والصاغة" بائعو الدهب و المجوهرات والعطارين " بائعو التمور و التوابل وسوق الخضر إضافة إلى مجموعة من القيساريات التي تضم العديد من المحلات التجارية التي تعرض فيها مختلف السلع والبضائع ، إضافة إلى العديد من المحلات الخاصة بالصناعة التقليدية كالخياطة والصناعة الجلدية ،وغيرها ،وإن كانت بعضها قد انقرضت في السنين الأخيرة "كالحياكة "و"صناعة السيوف التراثية " والسروج" للخيول .
يمكن لزائر أن يزور وجدة دون أن يلج ويتجول داخل أسواقها ،حيث تشهد ازدحاما كبيرا وحركة كثيفة للمواطنين الذين يأتون من كل أنحاء المدينة من أجل التبضع حيث تنطلق الحركة منذ الصباح الباكر إلى ان يرخي الليل بسدوله .
زقاق ودروب ضيقة تفوح منها عبق التاريخ و الذاكرة وواقع أسوار تدمي القلوب
ويؤكد إدريس الخولاني أن المدينة العتيقة تتميز بضيق دروبها وأزقتها ،شأنها شأن باقي المدن التاريخية ببلادنا مع اختلاف بسيط ،وتتوفر على مآثر تاريخية مهمة "كباب سيدي عبد الوهاب "،"وباب الغربي" و"ثلاث اسقاقي" و"المسجد الأعظم "وغيرها، وإن كانت بعض هذه المآثر في السنين الأخيرة إهمالا كبيرا بسبب غياب الصيانة والمراقبة من طرف الجهات المعنية ولا سيما باب سيدي عبد الوهاب الذي أصبح محتلا من قبل الباعة المتجولين حيث بدأت أسواره تتآكل وتتلاشى بسبب الإهمال والتهميش الذي طالها ، فحي المدينة القديمة اشتهر بالتصوف والدليل على ذلك تواجد العديد من الزوايا الدينية كالزاوية الخلوفية والقندوسية والزاوية الفاضلية التي لعبت دورا أساسيا في التأطير الروحي والديني ناهيك عن وجود العديد من الأضرحة ،كضريح باب سيدي عبد الوهاب ،سيدي شافي ،وسيدي أحمد التونسي.
ويضيف أن كتب التاريخ تقول إن تأسيس مدينة وجدة ينسب للزعيم المغراوي زيري بن عطية الذي استطاع أن يؤسس مملكة في المغرب الأقصى وكان في صراع مفتوح مع المنصور بن أبي عامر في الأندلس، والفاطميين وأنصارهم من الصنهاجيين في المغرب الأوسط. في هذه الظروف السياسية الصعبة، فإن زيري بن عطية -وحسب أغلب الروايات التاريخية- فكر في ضرورة توسيع مملكته شرق عاصمته فاس وحماية ظهره من كل الأخطار المحدقة به من الناحية الشرقية، لهذا قرر بناء مدينة وجدة في شهر رجب سنة 384 هـ / 994 م. وقد قام بتحصين المدينة عبر إحاطتها بالأسوار العالية والأبواب التي كان يتحكم الحراس في فتحها وإغلاقها. وظلت مدينة وجدة تتأثر بموقعها الحدودي طيلة تاريخها الذي يتجاوز ألف سنة.
ويؤكد الخولاني أن كتب التاريخ تُجمع على أن من أحاط مدينة وجدة بالأسوار هم الموحدون ثم تم تدمريها في عهد المرينيين بعد صراعهم مع بني عبدالواد ثم أعيد بناء القلعة سنة 1336م وتم تجديدها في عهد المولي إسماعيل سنة 1679م. ويبلغ علو أسوار القصبة ما بين 6 و7 أمتار وقاعدتها مترا واحدا و30 سنتيمترا وبنيت بالطين المضغوط. وخلال أحداث آخر القرن التاسع عشر من هجومات القبائل المجاورة والتي كانت مدينة وجدة مسرحا لها وبعد تنامي الأحياء خارج الأسوار وحماية لها قرر عامل المولى عبد العزيز على وجدة ادريس بن عيش بناء سور وكان ذلك مابين تشرين الأول/أكتوبر 1895 ونيسان/أبريل 1896 بسواعد سكانها.
"من يجهل التاريخ يجازف بتكراره "
ويوضح الخولاني أن الفاعلون المتقفون والمهتمون بالتراث الثقافي المادي واللامادي المحلي يعتبرون أسوار مدينة وجدة ذبحت حضاريا و تراثيا بسبب تدخل مافيات سُيّاس و بتواطؤ مكشوف من مجلس الجماعة الحضرية للمدينة، حيث تتعرض المآثر الداخلية للمدينة إلى الإهمال والضياع من طرف المسؤولين على الشأن المحلي وكذا المواطنين بـ"مساهماتهم" في تلويث المحيط و إحداث الفوضى و العبث من قبل الباعة المتجولين والقارين والتجار واحتلال الملك العمومي من أرصفة ومسالك ومداخل المساجد دون احترام حتى الأماكن المقدسة.
علاوة إلى ذلك تتعرض الأسوار التاريخية لتشويه حضاري ببناء محلات تجارية على جوانبه و"سقاقي ثلاثة"والواجهة الغربية للمسجد الأعظم" أو "الجامع الكبير" كما يحلو للوجديين تسميته والذي بني في عهد أبي يوسف يعقوب المريني سنة 1296/1296 م، حيث ترمى القمامة بأكوام بأركانه وتفعل بها الحرارة والمياه النتنة ما تفعل حيث تجد جميع أنواع الحشرات ما تحتاج إليه قبل أن تنضاف إليها مجموعة من القطط والكلاب الضالة.
منتخبون عديمو الثقافة التراثية يكرسون المنطق المادي
و يضيف إدريس الخولاني أن المجلس البلدي لمدينة وجدة وقّع على وضع المدينة الألفية خارج سياقها التاريخي و التراثي ، بعد أن رخص لشركات حافلات النقل الحضري بركن حافلاتها التي لا تتوقف محركاتها طيلة اليوم، على سور المدينة العتيق وباب الغربي وحديقة لآلئ مريم التي تُعد من معالمها.
تاريخ المدينة القديمة ومآثرها، تتعرض لاغتيال بعد تفويت ساحاتها ومحيطها وأزقتها لاستعمالها مواقف للسيارات انطلاقا من ساحة القصبة وعلى أسوارها التي أرَخّت لها لأكثر من ستة قرون ونصف القرن منذ عهد الموحدين.
يُذكر أن المدينة القديمة خضعت لإعادة تهيئة في إطار برنامج ضخم تضمن تزفيت الطرقات وترصيف الأزقة وبعض الساحات بغلاف مالي بلغ 6.95 مليون درهم، وتدعيم البنايات الآيلة للسقوط وترميم دار السعادة وتنقية الخرب 5 ملايين درهم، وإعادة بناء الأبواب التاريخية وترميم الأسوار "2 مليون درهم" وتهيئة حديقة للامريم "9 ملايين درهم"، وتهيئة ساحة وقيسارية المغرب العربي "5.79 مليون درهم"لكن واقع حال الأسوار التراثية تبكي حظها العاثر من التهميش و النسيان و بعضها يتلاشى يوما بعد يوما في غياب من يثمنون الثراث و الثقافة لاعادة المجد التاريخي و الهوية و التراث ولو النزر اليسير منه.؟ و نختتم بقول الشاعر : ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا "وتأتيك بالأخبار كما لم تزود" .
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر