سيدات القمر رواية بريئة من مُحاكاة القيم الأوروبية
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

بعد فوزها بالجائزة العالمية "مان بوكر"

"سيدات القمر" رواية بريئة من مُحاكاة القيم الأوروبية

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

لروائية العُمانية جوخة الحارثي
لندن- المغرب اليوم

أثار فوز الروائية العُمانية جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر العالمية للرواية لعام 2019 عن رواية "سيدات القمر"، الصادرة عن "دار الآداب" ببيروت، التي ترجمت للإنجليزية بعنوان "أجرام سماوية"، ردود أفعال إيجابية في وسائل الإعلام المكتوبة على وجه التحديد.

وقد حظيت الرواية بدراسات نقدية معقمة في الصحف والمجلات العربية إثر صدورها عام 2010، ثم تضاعف هذا الاهتمام بعد فوزها الناجز على 5 منافسين من مختلف أنحاء العالم. ورغم كل ما كُتب عنها من مقالات تقريظية، فإنّ هناك منْ يعترض، ويقف في الصف المناهض لمنح هذه الجائزة المرموقة لكاتبة عربية، مستندين إلى حجج واهية تقلل من أهمية الفائزة، وتدمغها بمختلف النعوت لأنها "غازلت" الغرب، وكتبت ما يلائم منظومتهم الفكرية والأخلاقية والثقافية. غير أنّ منْ يقرأ هذه الرواية التي ترجمتها مارلين بوث إلى الإنجليزية تحت عنوان «الأجرام السماوية» لا يجد فيها مثل هذا التحيّز أو الغزل المزعوم للقيم الأوروبية. فالتيمة الروائية للنص السردي تتمحور على مفهومي الحُب والحرية، وما بينهما من انتصارات وانكسارات، كما أنها تلمّح إلى سنوات الخلاف بين السلطان الذي يحكم المناطق الساحلية، والإمام الذي يبسط نفوذه على المناطق الداخلية، أي أنّ الزمن الروائي يمتد إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويمر بمرحلة الاستعمار البريطاني، والتمرّد الشيوعي في ظفار، ومرحلة التحول الاقتصادي بعد إنتاج النفط في سبعينات القرن الماضي، والنهضة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد، وغيّرت وجه البلد الذي بدأ يستجيب لاشتراطات الحداثة، والتقدم العمراني الذي زحف حتى على القرى النائية وغيّر ملامحها، كما هو الحال في قرية "العوافي" التي يدور فيها الجزء الأكبر من أحداث الرواية التي تفحص التاريخ العُماني وتتمثله جيداً، من دون أن تقع في فخاخه المموّهة.

الرواية سلسة الأسلوب، متدفقة الأحداث، والشخصيات الرئيسة فيها تنمو باضطراد، وتتغير تبعاً للتغيير الذي يحدث في أورقة المجتمع العُماني، فلم تعد التقاليد الموروثة قادرة على الوقوف بوجه التغييرات الجذرية التي طالت عموم المدن والقرى والبوادي النائية.

وتركّز جوخة الحارثي على الأُسَر المتنفِّذة في قرية «العوافي»، مثل أسرة الشيخ مسعود، والتاجر سليمان، وعزّان وأسرته التي ستكون بؤرة الرواية وعمودها الفقري الذي يمتد من الجملة الاستهلالية حتى الجملة الختامية من هذا النص السردي الذي ينطوي على لغة متوهجة لا تجد حرجاً في التعالق مع الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية والمحكية العُمانية. كما تُطعّم الكاتبة روايتها ببعض القصائد الغزلية لكبار الشعراء العرب، أمثال المتنبي وابن الرومي وقيس بن الملوّح وأبي مسلم البهلاني، وثمة تلاقحات كثيرة مع التصوّف والدين والفلسفة، وقد انتظمت هذه المحاولات كلها ضمن أنساق سردية منسابة تشابكت مع نسيج النص، وأصبحت جزءًا من مادته الأولية التي يستمتع بها القارئ على اختلاف مستوياته الثقافية، فالرواية لا تقتصر على الحُب والخيانة والهجرة وحرية التعبير، وإنما تغوص في السحر والقصص الخرافية والفلكلور العُماني وقضية الرقّ والمتاجرة بالعبيد، وما إلى ذلك من موضوعات حسّاسة لم تغادرها بعض شرائح المجتمع العُماني حتى الوقت الحاضر.

وتهيمن الشخصيات النسائية على النص السردي الذي يُروى بضمير الغائب تارة، وبضمير المتكلم تارة أخرى، سواء على لسان عبد الله أو بقية الشخصيات التي تصنع الأحداث، وتأخذها إلى الذروة قبل أن تنحدر بها إلى النهاية المنطقية التي تُقنع القارئ، وتترك له فرصة التأمل وإعمال الذهن في تيمة النص الذي قرأه. غير أن هذه الشخصيات لا تنجح في قصص الحب التي تتقد بينها وبين المُحبين، خصوصاً الشقيقتين ميّا وخولة، ويمكن أن نستثني هنا علاقة أسماء بالفنان التشكيلي خالد، كما لم ينجح والدهنّ غزّان في قصة حبه مع نجيّة البدوية، الملقبّة بـ«القمر»، مثلما تتعثر علاقة الطبيبة «لندن» بأحمد، الشاعر المثقف الذي بدأ يراقبها ويُحصي عليها أنفاسها.

اقرأ أيضًا:

جوخة الحارثي تتحدث عن تجربتها في الكتابة ضمن شهادات وتجارب إبداعية

ولكي نوضح الهيكل المعماري للرواية لا بد من الوقوف عند هذه القصص العاطفية الخمس التي تبدأ بميّا وعبد الله ابن التاجر سليمان الذي لم تكن تحبه لأنها كانت معجبة بعلي بن خلف الذي عاد من لندن بلا شهادة، وكانت تردد دائماً أنها لا تريد شيئاً سوى أن تراه! ومع ذلك، فقد تزوجت عبد الله، وأنجبت بنتاً سمتها «لندن»، خلافاً لكل الأسماء المتعارف عليها في «العوافي»، مثل مريم وزينب وصفية.

تُعدّ قصة أسماء مع خالد ناجحة، فهو خريج كلية الفنون الجميلة، ومولع برسم الخيول، وقد وافق على أن تكمل دراستها، فنالت دبلوم المعلّمات، وأصبحت «الزوجة الحرّة في حدود فلكه، وليس خارجه».

أما قصة الأخت الثالثة فهي الأكثر درامية، ربما لأنه كانت تحب ابن عمّها ناصر حُباً جماً، وقد رفضت كل العرسان الذين تقدّموا إليها، كما أنها شخصية مثقفة قارئة نهمة، وكانت تقرأ الكتب التراثية لأبيها، وتحتفظ لنفسها بالكتب والروايات الحديثة. وحين تزوجها ناصر، تركها بعد مدة قصيرة، عقب أن استولى على الإرث، وغادر إلى مونتريال، حيث تنتظره الزوجة الكندية التي آوته في بيتها عشر سنوات، قبل أن تطرده من منزلها وحياتها نهائياً. عندها، قرر العودة إلى بلده بعد أن أنجبت له أسماء خمسة أطفال، واطمأنت على مستقبلهم، فطلبت منه الطلاق، لتطرده هي الأخرى من حياتها.

تتقن جوخة الحارثي اللعبة السردية، وتضبط إيقاعها الهادئ الذي لا يلتزم بوحدة النص، ولا يضطر لاتباع الزمن الكرونولوجي، فلا غرابة أن تتداخل الأزمنة والأمكنة والأحداث، ثم تنتظم في فصول قصيرة لم تستعمل فيها الروائية الترقيم أو العناوين الداخلية، ومع ذلك فقد جاء النص الروائي شيقاً مرناً لا تعيقه العثرات السردية الناجمة عن تكرار بعض الأحداث أو جزء منها في المتن الروائي.

أما القصة الرابعة فهي قصة الطبيبة «لندن» التي أحبت أحمد، الشاعر المتمرد، قبل أن تكتشف خيانته، فقد أهانها أكثر من مرة، فقررت أن تفسخ خطوبتها، وتُبطل العقد الذي يربطهما، فهي امرأة شاعرية تحلم بأن تجلس فوق الغيم.

وتُعدّ قصة نجيّة البدوية مع عزّان أخطر القصص على الإطلاق لأنها تطعن في الموروث البدوي المتأصل في تلك المضارب، لكنها تتناغم مع الحسّ الإنساني لأي كائن بشري، بغض النظر عن جذره الاجتماعي، سواء أكان بدوياً أم قروياً أم مدينياً، فهو إنسان بالنتيجة، وله مطلق الحق في التعبير عن مشاعره ورغباته الداخلية. فنجيّة وقعت بطريقة غريبة في حُب عزّان، فهي تقول: «سيكون لي، ولن أكون له... سيأتيني حين أشاء، ويذهب حين أشاء». اختفت البدوية، فانتشرت الإشاعات التي تتحدث عن مرضها، أو استعانة زوجة عزّان بالسحر، أو قتلها على يد ابنها المنغولي الذي علموه استعمال المسدس. ورغم تعدد القصص الرئيسة، فإن جوخة الحارثي تؤثث المتن السردي بقصص جانبية كثيرة عن الاستعمار البريطاني والعبودية والهجرة إلى الكويت ومصر وكندا، والتحولات الكبرى التي شهدتها عُمان خلال السنوات التي أعقبت اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية كبيرة غيّرت وجه البلاد وألسنة أهلها الذين بدأوا يتحدثون بالإنجليزية في المطاعم والفنادق الراقية. وقد أصدرت جوخة رواية «منامات» 2004، و«نارنجة» 2016، إضافة إلى سبعة كتب أخرى في القصة القصيرة، والنقد الأدبي، وأدب الأطفال.

قد يهمك أيضًا:

مازن معروف يُؤكِّد أنَّه حقّق إنجازًا بوصول مجموعته القصصية للقائمة الطويلة

الروائية العمانية جوخة الحارثي تفوز بجائزة "مان بوكر الدولية" في لندن

 

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيدات القمر رواية بريئة من مُحاكاة القيم الأوروبية سيدات القمر رواية بريئة من مُحاكاة القيم الأوروبية



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:00 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجوزاء

GMT 16:57 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

المذيعة سماح عبد الرحمن تعلن عن عشقها للإعلام

GMT 14:49 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ليفربول يواصل سلسلسة انتصاراته وأرقامه المميزة

GMT 06:05 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية جوية على أهداف لـ"حماس" شمال غزة

GMT 14:56 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

الترجي التونسي يخوض 60 مباراة في موسم واحد

GMT 19:41 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصرع سبعة أشخاص في تفجيرين قرب القصر الرئاسي في الصومال

GMT 06:11 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

كتاب يكشف طقوس تساعد الإنسان على السعادة والاسترخاء

GMT 10:04 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ألوان مميزة تعزّز ديكور منزلك في صيف 2018

GMT 02:11 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

مهندس يعيد بناء كوخ بعد أن دمره تمامًا

GMT 12:15 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سعر الدولار الأميركى مقابل دينار جزائري الإثنين

GMT 12:30 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حسن أوغني يعود لتدريب فريق النادي القنيطري

GMT 03:41 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

فيلم "the shape of water" يقترب من حصد جوائز النقاد في 2018

GMT 00:42 2016 الثلاثاء ,12 تموز / يوليو

اكتشفي أسباب عدم بكاء الطفل حديث الولادة

GMT 04:18 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الملابس الصوفية عنوان المرأة العصرية لموضة هذا الشتاء

GMT 17:48 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

طوني ورد يطلق تشكية La Mariée الحصرية لفساتين الزفاف
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya