إدغار موران يؤكد أن التربية ضرورية من أجل السلام ومقاومة روح الحرب
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

يحمل في طياته اليقين بالحقيقة المطلقة والدفاع عن القضية الأكثر عدلًا

"إدغار موران" يؤكد أن التربية ضرورية من أجل السلام ومقاومة روح الحرب

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

اليونسكو
الجزائر - المغرب اليوم

ذكر البيان الأول ل اليونسكو، عند تأسيسها، أن الحرب توجد في العقل قبل كل شيء، وكانت اليونسكو تريد تعزيز التربية من أجل السلام. إلا أن تعليم كون السلام أفضل من الحرب، شيء تافه في واقع الأمر، لأنها مسألة بديهية في أوقات السلم. لكن المشكلة تطرح عندما تهيمن روح الحرب على العقليات، إذّاك يُصبح التعليم من أجل السلام مقاومةً لروح الحرب.ومع ذلك، حتى في أوقات السلم يمكن أن يظهر مظهر متطرف من مظاهر روح الحرب، وهو التعصب، الذي يحمل في طياته اليقين بالحقيقة المطلقة، والقناعة بالدفاع عن القضية الأكثر عدلا، والرغبة في استعداء وتدمير الذين يعارضونها، والذين ينتمون إلى جماعة منحرفة أو مشؤومة، أو المشككين (الذين يعتبرون خارج الملة).

تركيبة ذهنية مشتركة
لقد شهدنا في تاريخ المجتمعات البشرية مظاهر عديدة للتعصب الديني والقومي والأيديولوجي، وفي حياتي الخاصة عشت تجربة النازية والتعصب الستاليني. نذكر جميعا تعصب الماويين، وتلك الجماعات الصغيرة التي نفذت هجمات، في بلداننا الأوروبية، في زمن السلم، لم تستهدف المسؤولين عن علل المجتمع فحسب، بل المدنيين أيضا، وبشكل عشوائي، على غرار جماعة الجيش الأحمر "بادر ماينهوف" في ألمانيا، والالوية السوداء والألوية الحمراء في إيطاليا، وانفصاليي الباسك في إسبانيا.

ويتم استخدام كلمة "الإرهاب" في كل مرة للتنديد بهذه السلوكات القاتلة، رغم أنها لا تدل إلا على ذُعرنا، وليس على ما يحرك منفذي تلك الهجمات. والأهم من ذلك، مهما اختلفت الأسباب التي دفعت المتعصبين فإن التركيبة الذهنية للتعصب هي نفسها في كل الأماكن وفي كل الازمنة.

هذا ما جعلني أدعو، منذ عشرين سنة، إلى أن يدمج في مدارسنا، ابتداءًا من نهاية التعليم الابتدائي وفي الثانوي، تدريس ماهية المعرفة، أي تدريس مسببات أخطائها وأوهامها وانحرافاتها.

ذلك أن احتمال الوهم والخطأ يكمن في طبيعة المعرفة نفسها. فالمعرفة الأولى، التي تعتبر إدراكية، تتم دائما من خلال ترجمة تأثير المثيرات على أعضائنا الحسية إلى شفرات النظام الثنائي داخل شبكاتنا العصبية، وبعدها تتم عملية البناء الدماغي. الكلمات ثمرة الترجمة إلى اللغة، بينما تمثل الأفكار إعادة بناء الأنساق.

الاختزالية والمانوية والتشييء.
ولكن، كيف يمكن للمرء أن يصبح متعصبا، أي أن ينغلق داخل منظومة وهمية مغلقة من التصورات والأفكار حول العالم الخارجي وحول الذات؟ لا أحد يولد متعصبا، بل يمكن أن يصبح كذلك تدريجيا إذا انغلق في أنماط معرفية وهمية شاذّة. هناك ثلاثة عوامل ضرورية لتشكيل أي تعصب: الاختزال والمانوية والتشييء. ويتعين على التعليم أن يعمل بلا كلل من أجل التعريف بها، وشجبها، واجتثاثها من جذورها. لأن الإجتثاث من الجذور وقائي في حين أن مكافحة التطرف تأتي بعد فوات الأوان، عندما يكون التعصب قد ترسخ.

الإختزال هو نزوع العقل نحو الاعتقاد بمعرفة الكل بمعرفة الجزء. وهكذا، في العلاقات الإنسانية السطحية، نعتقد أننا نعرف الشخص من مظهره، أو من بعض المعلومات، أو من سمة بدت عليه في حضورنا. وحيثما نشعرنا بالخوف أو الكراهية، نختزل هذا الشخص في أسوأ ما فيه، أو بالمقابل عندما يتعلق الأمر بالتعاطف أو الحب، يتحول إلى أفضل ما فيه. والحال أن اختزال أنفسنا في أفضل ما فينا، والآخر في أسوأ ما فيه، سمة نموذجية لروح الحرب، وتؤدي إلى التعصب.

هكذا يؤدي الاختزال هو الآخر إلى روح الحرب، وعلى الخصوص إلى صيغته في أوقات السلم، ألا وهي التعصب.

المانوية < يقصد الديانة الفرنسية التي تعتقد بوجود اله النور وإله الظلمات > تنتشر وتتطور في أعقاب الفكر الاختزالي. ذلك أنها لا تقتصر على الصراع بين الخير المطلق والشر المطلق، بل تضفي الاطلاقية على الرؤية الأحادية الجانب للاختزالية، لتصبح نظرة إلى العالم تسعى فيها المانوية العمياء إلى ضرب توابع الشر بكل الوسائل، ما يتسبب في مانوية العدو، فيعتبر بدوره أن مجتمعنا هو الأسوأ، ومواطنيه هم الأسوأ، لكي يجد مبررا لرغبته في القتل والتدمير. وبالتالي فإننا، بحكم شعورنا بالتهديد، نعتبر أن أسوأ ما في البشر هو العدو الذي يهاجمنا، ونجد أنفسنا إلى حد ما غارقين في المانوية.

ما زلنا في حاجة إلى عامل آخر، يفرزه العقل البشري، للوصول الى التعصب. هذا العامل يمكن أن يطلق عليه التشييء: تقوم العقول في الجماعة بإفراز أيديولوجيات أو نظرات للعالم كما تفرز آلهة، تتحول إلى واقع عظيم ومتعالٍ. فالأيديولوجية أو المعتقد الديني، بطمسها للواقع، تصبح بالنسبة للعقل المتعصب واقعاً حقيقياً. والأسطورة، والإله، رغم أنهما من إفراز العقل البشري، يصبحان أقوى من هذه العقول ويأمرانها بالخنوع والتضحية والقتل.

هذا كله ظهر باستمرار وليست حكراً على للإسلام. أكيد أنه خلال العقود الأخيرة، مع تراجع التعصبات الثورية (التي يحركها هي الأخرى إيمان قوي بالخلاص الدنيوي)، وجد في عالم عربي إسلامي مر من عظمة قديمة إلى النكوص والإذلال تربة خصبة لظهوره. إلا أن أمثلة الشباب الفرنسيين من أصل مسيحي الذين انضموا إلى التيارات الإسلامية يدل على أن الحاجة إليه يمكن أن تُحصر في الإيمان الذي يأتي بالحقيقة المطلقة.

معرفة المعرفة
ويبدو اليوم مهما أكثر من اللزوم، أن تُدرج "معرفة المعرفة" في التعليم، من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة، من أجل تمكين التلاميذ في سن المراهقة، حيث يتشكل العقل، من تمييز الانحرافات، ومخاطر الوهم، ومقابلة الإختزالية والمانوية والتشييء بمعرفة قادرة على الربط بين جميع جوانب الواقع، حتى المتعارضة منها، والتعرف على التعقيدات داخل الشخص الواحد، والمجتمع الواحد، والحضارة الواحدة. باختصار، إن نقطة ضعف عقولنا هي ما نعتقد أنه أفضل ما طورناه، وهو في الواقع الأكثر عرضة للعمى، ألا وهو المعرفة.

بإصلاح المعرفة، نوفر لأنفسنا الإمكانيات لكشف مصادر العمى الذي تؤدي إليه روح الحرب لدى المراهقين، وكذلك الوقاية، جزئيا، من العمليات التي تؤدي إلى التعصب في أوساطهم. يجب أن يضاف إلى هذا، كما أشرت (في دراسة المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل)، التعليم لفهم الآخر، والتعليم لمواجهة اللايقيني.

رغم ذلك فإن المشكلة لم تحل كلياَ بعد، حيث بقيت الحاجة إلى الإيمان، والمغامرة، والتمجيد. مجتمعنا لا يوفر شيئا من هذا، الذي لا نجده إلا في حياتنا الخاصة، في حبنا، وأخوتنا، ولقاءَاتنا العرضية. مُثل الاستهلاك ومحلات "السوبر ماركت" والأرباح، والإنتاجية، والناتج الداخلي الخام، لا يمكن أن ترضي أعمق تطلعات الإنسان المتمثلة في تحقيق ذاته كشخص داخل جماعة متضامنة.

الإيمان بالحب والأخوة
ومن جهة أخرى، فقد أشرفنا على زمن اللاّيقين وعدم الاستقرار، ليس بسبب الأزمة الاقتصادية فحسب، بل بسبب أزمة الحضارة والأزمة العالمية التي تتعرض فيها البشرية لأخطار كبرى. إن عدم اليقين ينتج القلق، ومن ثم يسعى العقل إلى تحقيق الأمن الجسدي، إما عن طريق الإنغلاق حول هويته الإثنية أو القومية، لأن الخطر من المفترض أن يأتي من الخارج، أو الإنغلاق حول وعد الخلاص الذي توفره العقيدة الدينية.

وهنا يمكن للأنسنة المتجددة أن تنتج وعيا بالمصير المشترك الذي يوحد جميع البشر، والشعور بالانتماء إلى وطننا الأرضي، والشعور بالانتماء إلى مغامرة الإنسانية الرائعة وغير المضمونة العواقب، بفرصها ومخاطرها.

وهنا يمكننا أن نكشف عما يحمله كل واحد منا في نفسه، ولكنه يختفي وراء سطحية حضارتنا الحالية: قدرتنا على الإيمان بالحب والأخوة، اللذان يمثلان احتياجاتنا العميقة، هذا الإيمان يعطينا الشعور بالقوة، ويمكننا من مواجهة اللاليقين ورد الألم.

قد يهمك ايضا :

ختام فعاليات الأسبوع الثقافي بمناسبة السنة الأمازيغية في مليلية المغربية

نقل "ملوك وآلهة مصر" إلى المتحف المصري الكبير وسط إجراءات أمنية مشددة

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدغار موران يؤكد أن التربية ضرورية من أجل السلام ومقاومة روح الحرب إدغار موران يؤكد أن التربية ضرورية من أجل السلام ومقاومة روح الحرب



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya