ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين

بغداد – نجلاء الطائي

حين تسير في أحد شوارع محافظة كركوك وتعترضك فتاة متسولة تطلب منك مبلغاً مالياً باللهجة السورية، فهي ليست سورية بالضرورة، إذ أن حالة التنافس التي أنتجها انتشار المتسولات السوريات في كركوك مع نظيراتهن العراقيات، دفع الأخيرات إلى انتحال صفة اللاجئات السوريات، بغية الحصول على تعاطف أكبر، وبالتالي أموال أكثر. وللتسول في كركوك حكايات أخرى، لعل أكثرها لفتاً للانتباه خروج البعض عن السياقات الرتيبة التي يتبعها المتسولون عادة، واعتماد طرق تعد مبتكرة في المجتمع العراقي، كالقيام بحركات بهلوانية مقابل الحصول على مبلغ مالي معين ممن يرغب في المشاهدة. وتقابل هكذا حكايات لا تخلو من ظرافة، حكايات تدعو للأسى، منها حكاية "سرى الدمشقي"، الفتاة السورية ذات الـ14 عاماً، والتي نزحت مع عائلتها إلى العراق، عقب مقتل والدها في قذيفة من قذائف الحرب الشرسة الدائرة في بلادها. ترتدي الدمشقي الزي الإسلامي، وتتخذ من إحدى تقاطعات طريق بغداد وسط مدينة كركوك موقعاً لممارسة التسول، وكسب قوتها وقوت عائلتها. وتوضح الدمشقي، في حديثها إلى "المغرب اليوم "، أن "الحديث معي عن أهلي يولد المواجع لي، فأبي قتل في معركة لم يكن طرفاً فيها، إذ خرج لجلب الإفطار والخبز لنا، وسقطت قذيفة مجهولة المصدر مزقت جسده، وحين خرجنا والجيران إلى موقع التفجير وجدت أبي وعدداً من الجثث ممزقة في الموقع ذاته، وحينها لم يبق لنا أي معيل سوى رب العباد". قطعت حديثها وأجشهت بالبكاء، ثم استأنفت حديثها عن الأسباب التي دفعتها إلى امتهان التسول مبينة أن "التسول أقصر الطرق لكسب المال، وقلوب الناس، تحت مسميات عدة، والعراقيون معروفون بالكرم"، مشيرة إلى أن "معدل الدخل من التسول يختلف من شارع لآخر، وأهم الشوارع التي تدر علينا النقود شارعي الجمهورية والأطباء، ولكننا نعاني من مضايقة المتسولات العراقيات، اللاتي نجد منهن منافسة شديدة"، لافتة إلى أن "الوجه الحسن والجمال يسهمان برفع المدخولات المالية التي نجنيها من التسول"، مؤكدة في الوقت نفسه أن "التسول ليس مهنتنا، ولكن الحاجة أجبرتنا على ذلك". وتتوقف عن الحديث، وتنسحب لتجلس على حافة الطريق الرئيس في شارع بغداد، وتسحب من حقيبتها السوداء زجاجة ماء صغيرة، لتغسل وجهها من حرارة الشمس، وتعاود حديثها "جمال المرأة يلعب دوراً مهماً في كسب ود من يدفع لنيل ثواب الدنيا والآخرة، لكن البعض يبحث عن لذة دنيوية زائلة، والكثيرون يتحرشون بنا جنسياً، لكننا لن نسير في هذا الطريق"، لافتة إلى أن "الكثير من العوائل النازحة إلى كركوك ومدن كردستان هم من الأطفال والنساء، وبعض العوائل التي لديها فتيات بعمر الزواج قامت بتزويجهن من عراقيين"، موضحة أن "مهورهن تتراوح بين 100 إلى 300 دولار". متسول سوري آخر يدعى جمال (55 عاماً)، يقف وسط شارع الأطباء، في قلب مدينة الذهب الأسود، حيث منعت السيارات من دخول الشارع، تزامناً مع عيد الأضحى، فيما يبدو أن ملامح وجهه أتعبتها صروف الزمان. ويوضح جمال، في حديثه إلى "المغرب اليوم"، أن "الظروف وما تمر به سورية أجبرتنا على التسول، وإلا كيف تعيش عائلة مكونة من 12 فرداً"، ويضيف "تركنا منزلنا في ريف دمشق، وهربنا بجلدنا ودخلنا العراق عبر إقليم كردستان، وتم تسجيلنا رسمياً لدى منظمة الأمم المتحدة، لكننا تركنا المخيم، واستقرت بنا الأحوال في كركوك، حيث نتخذ من أحد الفنادق ملجأ لنا، ونتسول لكسب قوتنا". ويتفق جمال مع مواطنته سرى الدمشقي على أن "التسول هو أقصر الطرق لكسب المال"، مبيناً "أنا لدي طفل معاق ومن خلاله أستطيع الحصول على المال". ويتوقع جمال أن "القتال في سورية من الصعب أن يتوقف"، مشيراً إلى أنه "بدأ يعتاد على حياة التسول"، لكنه يشكو من "مواجهة شرسة من المتسولات في شوارع كركوك"، ويؤكد أن "النساء المتسولات أكثر بكثير من الرجال"، موضحًا أنه "من خلال عملي في التسول تمكنت من عد ما يقارب الـ40 متسولة، وهن من غير أهالي كركوك، ويمتلكن نفوذًا في شوارع المدينة" لافتًا إلى أن "الكثير من المتسولات العراقيات، بعد أن اكتسح السوريون السوق، بدأن ينتحلن صفة سوريات، ويحملن أوراقاً كتب عليها بأنهن لاجئات من سورية". ويروي متسول يدعى صابر، إلى "المغرب اليوم"، شيئاً من خبايا مهنة التسول، إذ يؤكد أنها "ليست كما يظن البعض مهنة حرة، ومتوفرة لكل من يرغب بالتسول، فهناك قوانين ولجان مشكلة من قبل أكبر المتسولين، وتضم عناصر نسوية وشباب وحتى الأطفال"، موضحًا أن "هذه اللجان لديها مهام، حيث تقوم بتوزيع المتسولات والمتسولين على شوارع المحافظة، وكذلك الأطفال والحالات المرضية، إذ أن اللجان تحرص على أن تكون صورة المتسول جاذبة للذي يدفع النقود". ويتطرق صابر إلى متسول اختار طريقة مختلفة في ممارسة مهنته، وهذا المتسول يدعى "جمال أبو الدقلات"، وله جمهور بدأ يتسع في أحد شوارع كركوك الرئيسة. و"الدقلة" في اللهجة العراقية هي القفز والدوران في الهواء، وهي مشابهة للحركة التي يؤديها السبّاح عند القفز من المنصة المرتفعة. ويقول صابر "جمال أبو الدقلات معروف لدى جميع المتسولين، فقد ابتعد عن خط الدعاء والتوسل لكسب النقود، لأنه بارع في الحركات البهلوانية، ويمتاز بطوله الذي يصل إلى مترين". وبحسب رواية زميله صابر، يقف "أبو الدقلات" يومياً وسط شارع الجمهورية وسط المحافظة، ويصيح "وينهم أهل الدقلات والحركات؟ خمسة بألف"، والكثيرون يدفعون له ألف دينار ويقوم بتأدية حركات بهلوانية مقابل ذلك. وعن النساء المتسولات، يشير صابر إلى أن "السوريات موجودات ولكنهن قليلات، إلا أن بعض المتسولات العراقيات لجأن إلى انتحال صفة اللاجئات السوريات، بغية كسب تعاطف الناس معهن بصورة أكبر". ويرى ناشط في مجال حقوق الإنسان أن "الحد من ظاهرة التسول أمر ضروري، لأن الموضوع بالغ الخطورة"، فيما يعزو مجلس المحافظة سبب عدم القضاء على الظاهرة إلى "الوضع الخاص لكركوك"، لكنه يؤكد ،في الوقت ذاته، أن "هناك إجراءات متبعة، أسهمت في التقليل من أعداد المتسولين". ويوضح الناشط عبد الرحمن علي، إلى "المغرب اليوم "، أن "ظاهرة التسول من المواضيع المهمة، وعلى إدارة ومجلس محافظة كركوك والأجهزة الأمنية متابعة هذا الملف، لما فيه من مخاطر كثيرة أمنياً واجتماعياً"، مشدداً على "ضرورة منع ظاهرة التسول، في ضوء وجود مافيات وعصابات تستغل الأطفال والنساء حتى جنسيًا". بدورها، تبين رئيس لجنة حقوق الإنسان والمرأة والطفل في مجلس محافظة كركوك جوان حسن عارف، في تصريح إلى "المغرب اليوم"، أن "مجلس المحافظة يعمل منذ فترة للحد من ظاهرة التسول في المحافظة، ولكن بسبب الوضع الخاص لمحافظة كركوك لم نستطع إيجاد حل نهائي للموضوع"، عازية أسباب انتشار ظاهرة التسول إلى "سهولة دخول هؤلاء المتسولين إلى المحافظة، آتين من مناطق مختلفة من العراق". وتشير عارف إلى أن "هناك متعهدين وشبكات"، مؤكدة أن "مجلس المحافظة قام بإجراءات عدة، بالتعاون مع شرطة كركوك والقائممقامية، تمثلت في تنفيذ حملة لملاحقتهم، وإلقاء القبض على رؤساء الشبكات، والمتعهدين الذين يستأجرون أطفالاً ويجندونهم، وقد نجحت الحملة في تقليل أعداد المتسولين".

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,12 شباط / فبراير

تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - تعرف على أبرز إطلالات شرقية فاخرة من وحي النجمات
المغرب اليوم - عودة الرحلات الجوية عبر مطار ميناء السدرة النفطي

GMT 16:10 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021
المغرب اليوم - الألوان الدافئة والاستلهام من الطبيعة أبرز صيحات ديكور 2021

GMT 04:36 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

انهيار امرأة إندونيسية أثناء تطبيق حُكم الجلد عليها بالعصا

GMT 11:45 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

تمويل "صندوق الكوارث" يثير غضب أصحاب المركبات في المملكة

GMT 15:37 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكرة الطائرة بطولة الأكابر الكلاسيكو يستقطب الاهتمام

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 09:21 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يعترض تقنيا على إشراك مالانغو

GMT 22:02 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مجوهرات المرأة الرومانسية والقوية لخريف 2019

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد فتة الحمص اللذيذة بأسلوب سهل

GMT 03:11 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

6 علامات رئيسية يرتبط وجودها بفقر الدم الخبيث

GMT 01:10 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالة مُثيرة لـ "سكارليت جوهانسون" بفستان أحمر

GMT 19:50 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الكاس يجدد عقده مع نهضة بركان لموسمين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya