باريس ـ المغرب اليوم
تتوقف في ساعة مبكرة من كل صباح شاحنة صغيرة أمام دكان للخبز الحلويات يقع في شارع ريمون لوسيران في باريس. إن سائقها يأتي لنقل الأرغفة الساخنة إلى قصر «الإليزيه»، بعد أن فاز صاحب المخبز الشاب التونسي رضا خضر بالجائزة الأولى في المسابقة السنوية لأفضل رغيف فرنسي «باغيت» يصنع في المدينة.
ليست الشهرة الإعلامية العابرة هي ما توفره المسابقة للفائز الأول فيها، من بين 3 آلاف مشترك، بل يحصل الفائز على امتياز تجهيز القصر الرئاسي بكل ما يحتاجه الرئيس وشريكته وضيوفهما من الخبز اليومي، بالإضافة إلى طاقم العاملين في «الإليزيه» من مستشارين وموظفين ومساعدين وسكرتيرات وخدم وحراس. ورغم أن فرنسوا هولاند كان قد اتبع نظاما غذائيا صارما وفقد الكثير من وزنه، قبل خوضه الانتخابات الرئاسية، فإنه ما زال معروفا بنهمه وحبه للطعام والحلويات، وبهذا فإن خبز رضا خضر لن يسهل عليه مهمة الحفاظ على الرشاقة.
وقال رضا خضر (41 عاما) المولود في القيروان، لـ«الشرق الأوسط»، إن السر في رغيفه المميز اللذيذ يكمن في وصفة للعجن والتخمير تعلمها من والدته التي تعلمتها، بدورها، عن والدتها. وأضاف أن نشأ في سوسة، في عائلة من الفلاحين، وكانت أمه تعد العجين كل ليلة وتتركه ليتخمر جيدا قبل أن تشكله في أقراص مدورة كبيرة وتخبزه مع الفجر. وما زال هناك المئات من الزبائن الذين يقصدون دكانه لكي يشتروا «الخبز التونسي» الذي نقله التوانسة عن الإيطاليين، بالإضافة إلى الفرنسي. وهو صار يتفنن في الوصفة وينوع في أشكال القمح ويضيف للعجين أنواعا من الزيتون أو الزبيب أو الجبن ويموه الرغيف بالسمسم.
هاجر رضا من تونس في سن الخامسة عشرة، سعيا وراء الرزق، والتحق بشقيقه الكبير الذي كان يعمل خبازا في باريس وعملا معا. ومع الزمن اكتسب فنون إعداد الحلويات الفرنسية على أشكالها وفتحها الرزاق في وجهه وتزوج وأنجب ابنة تدرس، حاليا، لتصبح طبيبة بيطرية. وفي عام 2006 افتتح مخبزه الخاص الذي سماه «جنة النهميين»، وكان من بين زبائنه عمدة باريس، برتران ديلانويه المولود في تونس والذي ما زال مخلصا لمسقط رأسه.
تقدم رضا للمسابقة التي تقضي بأن يودع كل خباز رغيفا لدى هيئة التحكيم المؤلفة من رجال ونساء متعددي التخصصات والأذواق. وبعد التصفيات الأولى نجح في البقاء مع 200 متسابق، ثم مع 100 متسابق في القائمة القصيرة، وكان رقمه هو 87 لأن أسماء المشاركين كانت تحجب عن المحكمين منعا للتلاعب بالنتائج. وفي الخامسة والنصف من عصر 25 أبريل (نيسان) تلقى الخباز التونسي اتصالا هاتفيا يبلغه بأنه فاز بالجائزة الأولى. وبعد أيام رسم رضا خضر شعار الجائزة على الواجهة الزجاجية لمخبزه لكي يراها كل المارة. ويقول الخباز الذي يحافظ على لياقته بممارسة الرياضة، يوميا: «عشية الفوز زارتني أمي، رحمها الله، في المنام وأخبرتني بأن نهرا كبيرا من المياه يسري إلي». ولعل النهر هو تدفق الزبائن الذين تضاعف عددهم بحيث إن هناك صفا طويلا منهم يقف على الرصيف أمام الدكان الصغير الأنيق، والكل ينتظر رغيفه الذي يأكل منه الرئيس شخصيا.
يتمنى رضا لو يوسع خبرته وأن يفتتح فروعا في مدن عربية. وقد زار دبي ويأمل أن يحقق مشروعا مشتركا هناك.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر