طارق يحاصر حقوق الإنسان بين تأصيل الحرية ومأزق الهوية
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

طارق يحاصر حقوق الإنسان بين "تأصيل الحرية ومأزق الهوية"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - طارق يحاصر حقوق الإنسان بين

لحسن طارق الأكاديمي المغربي المحلل السياسي
الرباط - المغرب اليوم

صدر حديثا لحسن طارق، الأكاديمي المغربي المحلل السياسي، كتاب جديد بعنوان "حقوق الإنسان أفقا للتفكير من تأصيل الحرية إلى مأزق الهوية"، عن دار توبقال للنشر.

ويرى محمد سبيلا، المفكر المغربي، في تقديمه للكتاب الجديد، أنه "بحث جينيالوجي حول الجذور الفكرية لحقوق الإنسان في الثقافة العربية والكونية والمغربية، وبحث في المسار والتطور وفي نفس الوقت بحث في شروط التلقي، وتتبع للتوازي بين دينامية الأحداث ودينامية الأفكار، أي في التوازي بين انخراط المغرب في أتون الحداثة عامة، والحداثة الفكرية والسياسية، وسياقاتها الاستعمارية من جهة، وبين آلية الوعي بها كما انعكس ذلك في فكر النخب الثقافية المغربية في وجهيها التقليدي والتحديثي، عند: الحجوي، والسليماني، والقادري في مرحلة أولى، ثم لدى علال الفاسي وبلحسن الوزاني وعبد الله إبراهيم في مرحلة ثانية، ثم لدى الجيل اللاحق للمدرسة الحداثية المغربية الذي من بين أعلامه: الجابري، والعروي، والجيل الذي لحقه...".

ويؤرّخ كتاب حسن طارق، حسب سبيلا، لـ"لتحول معرفي ضمني يتراوح بين التلقائية والوعي بأن العلوم السياسية في المغرب تعيش مخاض التنازع بين النزعة الوضعية الخطية والوصفية من جهة، والنزعة الاشتباكية متعددة الأبعاد للفكر الإشكالي النقدي"، مؤكّدا في هذا السياق أن ذلك "مخاض إيجابي لأنه يعبر عن طموح ثقافي نحو الانتقال أو المزاوجة بين البعد الوصفي والنقد الإشكالي".

سياقات حقوق الإنسان

يذكّر حسن طارق، في مقدّمة كتابه، بأن فكرة حقوق الإنسان قد ارتبطت بالاتجاه الفرداني، الممجد لحرية الفرد وإرادته وعقله، وفكرة العقد الاجتماعي، كأساس ضابط للأصل البشري التعاقدي حول السلطة، وفكرة الحق الطبيعي القائمة على وُجود حقوق طبيعية راسخة وقبلية لدى الإنسان، أهمها "الحرية"، داخل مُناخ تنويري، تميَّز بالنضال ضد النزعة المطلقة في الحكم وضد النزعة التعسفية والاستبدادية.

واستنتج طارق أن مفهوم "حقوق الإنسان" مفهوم حديث، لم يكن من الممكن تاريخياً أن يتبلور خارج السياق الفكري والسياسي للحداثة، وخارج الموقع الذي صار "الإنسان" يحتَلُّه داخل النظرة الجديدة إلى العالم، ثم بيّن أن عُمق الإشكالية يكمنُ في كون حُقوق الإنسان ليست مُجرد لائحة حقوق، بل هي تصوُّرٌ أخلاقي يحمل معه نظرة محددة إلى العالم والإنسان والعلاقات الاجتماعية، ويتطلب مُراجعة صارمة للعديد من المقولات والمفاهيم التي "اعتدنا أن نصف بها أنفسنا ونحاكم بها غيرنا"، وهو ما يتطلب "إعادة قراءة تاريخنا الخاص وتجديد فكرنا الديني".

ويبرز الكاتب المغربي ضرورة إعادة القراءة هاته بإعطاء مثال بحق الحياة الذي يفترض مُراجعة التصورات عن المرتد وحكمه، وبكون استنبات حق الحرية يتطلب إعادة النظر في الموقف من المخالف دينياً، وبكون حق التعبير عن الرأي يتطلب توسيعاً، مقلقاً، لدائرة المسموح بالتفكير فيه.

وخَلُصَ في هذا السياق إلى أن ذلك يجعل حركة "حقوق الإنسان" في بلادنا اختبارا يومياً للحداثة، وامتحانا مستمراً للقدرة الجماعية على الانخراط في المغامرة الإنسانية. وهو ما يجعل من طلائعية المطلب الحقوقي داخل مُجتمع في قلب تحولاته المعقدة نحو الحداثة والديمقراطية والحرية، غير مُغنٍ عن المعركة الثقافية والفكرية الكبرى الجديرة بالأفق التاريخي للدولة والمواطنة؛ لأن حركة "حقوق الإنسان" في المغرب ما تزال في مرحلتها التنويرية، بسبب استمرار عيش المجتمع، ثقافياً، في بعض الأزمنة السابقة على الحداثة والتنوير.

تراكم تأصيلي لحقوق الإنسان

ذكّر حسن طارق بـ"الجُهد الموصول في التشريع منذ بدايات الاستقلال مع ظهائر الحريات العامة ذات النفحة الليبرالية الواضحة، ومسار البناء المؤسساتي المتسارع منذ تسعينيات القرن الماضي، والدرجة المتقدمة من الاعتراف الدستوري ومن الانتباه إلى المرجعية الدولية الكونية".

وعبّر الكاتب عن ضرورة "استحضار جيل تأصيل فكرة الحُرية في التربة المغربية، في أعمال علال الفاسي وبلحسن الوزاني وسعيد حجي وعبد الله إبراهيم... التي شكّلت قاعدة تأسيسية حاسمة في استيعاب الفكر السياسي لجملة من المفاهيم الحديثة وعلى رأسها "الحرية"، وهو الجهد التأًصيليُّ الفكري لحقوق الإنسان والحريات الذي سيتواصل مع إسهامات نوعية لعبد الله العروي، ومحمد عزيز الحبابي، ومحمد عابد الجابري، وعلي أومليل... ثم مع أعمال رموز الجيل الثاني من الفكر المغربي المعاصر، من قبيل محمد سبيلا، وكمال عبد اللطيف، ومحمد المصباحي، وعبد السلام بنعبد العالي...

ويقدّم حسن طارق أمثلة على هذه الجهود الفكرية التي عملت على استيعاب أحد مكتسبات الحداثة السياسية، مثل "توَفُّقِ محمد سبيلا في نحت تعبير بليغ هو «تصادم الحقوق»، في سياق وقوفه على التوتُّر الناشئ عن التقاء الحق في الحميمية مع الحق في الإعلام، وما يطرحه الحق في الاختلاف الذي يضفي مشروعية على الحقوق كُلِّها، ويُلغّمها بإضفائه المشروعية على وجود ثقافة الأقليات وتشكيله في نفس الآن أداة تفتيت وتذويب لا نهائي للهويات التي يقر لها بالمشروعية".

ويورد أيضا "دعوة محمد المصباحي، المفكّر المغربي، إلى «تقييد الحق في الاختلاف» حتى لا يتم إلغاء الشمولية لصالح الخصوصية، والمساواة لصالح اللامساواة، وحتى لا يتم نسيان مُثل الحداثة والتنوير لصالح التقليد والتراث والثقافات الموروثة، مع أخذ مدخرات الثقافات المحلية القابلة للتحديث بعين الاعتبار ضمن حوار شامل في فضاء سياسي حر، مع الرهان على تمكين المواطنة من أن تُصبح أداة لتجاوز الهوية الضيقة ووسيلة لإغنائها في نفس الوقت إذا تجاوزت بُعدَها الواحد، دون أن يؤدّي الحق في الاختلاف إلى القضاء على المواطنة بوصفها انتماء سياسيا للدولة كمجتمع سياسي لا كمجتمع ثقافي"، بتعبير الكاتب.

سياقات لا بد من استحضارها

يحيل كتاب "حقوق الإنسان أفقا للتفكير" على إشكال أعقد من المعادلة الأخلاقية الواضحة لـ"مُواجهة الحق مع الشطط أو التمييز أو العُنف"، لأن الأفضلية الأخلاقية والقيمية لا تبدو سهلة المنال عندما يُواجه حق من حقوق الإنسان حقاً آخر من نفس المنظومة".

هذا التصادم يجعل جدول أعمال المدافعين عن حقوق الإنسان حافلا، لضرورة الوعي الحاد بالتأسيس الثقافي والدعوة الفكرية لهذه الحقوق، ثم المواجهة الميدانية اليومية للخروقات والانتهاكات التي تطالُها، فضلاً عن الترافع من أجل ملاءمة التشريع وتجويده وإصلاح القضاء وأنسنة الأمن وإدماج مقاربة الحقوق في السياسات، والوقوف، في الآن نفسه، على الثغرات والوعي بالحدود والمفارقات وتدبير التصادمات الواردة داخل مرجعية حقوق الإنسان.

هذه التحديات تفرض على أنصار حقوق الإنسان، بحسب الكتاب، "مُواجهة خطابات التشكيك والعدمية المُستندة إلى ثقافات سياسية مُعادية لفكرة حقوق الإنسان استنادا إلى الدين أو الثقافة أو السياسة أو الاجتماع أو الإيديولوجيا، وبذل الجُهد اليومي للدفاع عن هذه الحقوق والتأسيس لها والدعوة إليها والترافع من أجل تكريسها، مع الحاجة الماسة لاستيعاب الإشكاليات والأسئلة المرتبطة بحقوق الإنسان كما تُطرح اليوم، وهو ما تتجلّى صعوبته في طبيعة اللحظة التاريخية التي تعيشها مجتمعاتنا، وتتمثَّلُها نُخبنا، نظرا لطرح أسئلةِ ما بعد الحداثة، مثل: الحقوق الثقافية والحق في الاختلاف، دون استكمال التفاعل مع أسئلة الحداثة السياسية، من قبيل: المواطنة والحقوق المدنية والحريات... وهو نفس الإشكال الذي يتجلّى في الحديث عن الحكامة دون استكمال الديمقراطية في شروطها الدنيا، أو الحديث عن الديمقراطية التشاركية دون تكريسِ الديمقراطية التمثيلية"، يقول حسن طارق.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طارق يحاصر حقوق الإنسان بين تأصيل الحرية ومأزق الهوية طارق يحاصر حقوق الإنسان بين تأصيل الحرية ومأزق الهوية



GMT 12:33 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مغربي خبير في الطاقات والتعدين يربط ألمانيا بدول إفريقيا

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 12:15 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مصطفى الرميد ينادي بالتوفيق بين الإسلام وحقوق الإنسان

GMT 12:09 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

الدفاع الجديدي يتطلع للتألق مع الجزائري عبد القادر عمراني

GMT 12:05 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عمر بلمير يتخلى عن شقيقته في أول أغنية "راي"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 04:36 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

انهيار امرأة إندونيسية أثناء تطبيق حُكم الجلد عليها بالعصا

GMT 11:45 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

تمويل "صندوق الكوارث" يثير غضب أصحاب المركبات في المملكة

GMT 15:37 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكرة الطائرة بطولة الأكابر الكلاسيكو يستقطب الاهتمام

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 09:21 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يعترض تقنيا على إشراك مالانغو

GMT 22:02 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مجوهرات المرأة الرومانسية والقوية لخريف 2019

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد فتة الحمص اللذيذة بأسلوب سهل

GMT 03:11 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

6 علامات رئيسية يرتبط وجودها بفقر الدم الخبيث

GMT 01:10 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالة مُثيرة لـ "سكارليت جوهانسون" بفستان أحمر

GMT 19:50 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الكاس يجدد عقده مع نهضة بركان لموسمين

GMT 20:28 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

توقيف قطار من أجل مواطنة روسية في محطة فاس

GMT 15:33 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

احتجاجات في المغرب بارتداء السترات الصفراء على غرار فرنسا

GMT 07:21 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز وجهات شهر العسل في كانون الأول

GMT 17:17 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل محاكمة راقي بركان إلى غاية كانون الثاني المقبل

GMT 09:08 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على Amilla"" أفضل منتجع في جزر المالديف الخلابة

GMT 02:41 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

استخدمي مكياج خريفي سريع في ثلاثة خطوات

GMT 22:19 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

"شاومي" تكشف عن هاتفها "Redmi Note 6 Pro"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya