دور تاريخي للصحف يجعلها أكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في الرأي العام
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

رغم التهديد الوجودي لمكانتها في منظومة الإعلام الحديث

دور تاريخي للصحف يجعلها أكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في الرأي العام

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - دور تاريخي للصحف يجعلها أكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في الرأي العام

الصحف الاجنبية
واشنطن - ليبيا اليوم

تحتفظ الصحف بتأثيرها في الرأي العام، بالرغم من التهديد الوجودي لمكانتها في منظومة الإعلام الحديث، ويظهر تأثيرها تحديدًا فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، حيث أنها في مثل هذه القضايا تُعد الوسيلة الأكثر مصداقية، وللصحف دور جذري تاريخيًا في التعامل مع قضايا اجتماعية وسياسية وبعضها أسهم في تغيير توجهات الرأي العام فيما يتعلق بقضايا مثل: منح النساء حق التصويت، والمساواة في الحقوق، ومساندة حركات التحرير الوطنية، وتبني قضايا التفرقة العنصرية. وحديثاً تبرز قضايا حيوية أخرى مثل المحافظة على البيئة ومحاربة الفساد وتحسين الرعاية الصحية، وهي قضايا كان للصحف تأثير قوي في التعريف ورفع الوعي بها.
العوامل التي تجعل الصحف أكثر مصداقية في تناول هذه القضايا هو أنها تلتزم بقواعد المهنة ويعمل بها صحافيون محترفون في تخصصات متعددة، وبها صفحات للرأي، وهي عوامل يفتقر إليها بعض مصادر الإعلام الأخرى مثل منشورات الإنترنت. وما زالت الصحف مؤثرة في قضايا حيوية ربما كانت آخرها قضية العنصرية في الرياضة التي تسهم أكثر من صحيفة بريطانية في حملات لمكافحتها.
تاريخياً، كانت قضية التفرقة العنصرية من أهم القضايا التي واجهت أميركا والعالم في بدايات القرن العشرين. وتناولت الصحف آنذاك هذه القضية من زوايا متعددة منها ما كان يدافع عن المساواة ومنها ما كان يتمسك بالوضع القائم بل ويشجع جماعات عنصرية بيضاء. ولعل قصة الصحافي ويليام مونرو تروتر وصحيفة «بوسطن غارديان» التي أسسها في عام 1901 تصلح مثالاً لما يمكن للصحف أن تحققه في رفع الوعي العام.
نشأ تروتر في عصر العنصرية المتفشية في أميركا ضد السود حتى بعد تحرير العبيد حيث كانوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية يعانون من الاضطهاد وهجمات من جماعات عنصرية مثل «كوكلوكس كلان».
وأسس تروتر صحيفته لكي تكون «مرآة للمجتمع يرى فيها الوجه القبيح للعنصرية». نادى تروتر بالمساواة والديمقراطية للسود وشجع الثورة ضد التفرقة في كل المجالات. وفي الوقت نفسه كانت صحيفة «غارديان» البريطانية الأكثر شهرة تصدر من مدينة مانشستر وتشجع الليبرالية البريطانية وتنادي بالإصلاح المتدرج لقضية التفرقة العنصرية في أميركا.

قصة تروتر
وُلد ويليام مونرو تروتر في عام 1872 في حي هايدبارك في مدينة بوسطن، وتخرج في جامعة هارفارد عام 1895. ورغم أنه كان من عائلة ميسورة من الطبقة المتوسطة فإنه نشأ في أوج عصر التفرقة العنصرية في أميركا. وسادت في هذا العصر ممارسات مثل شنق السود بلا محاكمات في الولايات الجنوبية ومنعهم من الملكية والفصل بينهم وبين البيض في المجال العام من وسائل المواصلات إلى القاعات العامة.
ورفض تروتر عرضاً للتدريس في الولايات الجنوبية العنصرية لعدم رغبته في التعامل مع القيود المفروضة على السود في ذلك الوقت. وفكر تروتر وقتها في الهجرة إلى أوروبا قائلاً: «على الأقل سوف يعاملونني كرجل هناك».
ولكنه قرر أن يبقى وأن يحوّل اهتمامه إلى مكافحة هذا الوضع الرديء الذي يسيء معاملته لمجرد أنه رجل أسود. فقرر أن يؤسس صحيفته كأداة للدفاع عن السود من السود أنفسهم. ولم يكن تروتر هو الأول في هذا المجال فقد سبقته في عام 1827 صحيفة «فريدوم جورنال» في نيويورك التي أعلنت أن الوقت قد حان لكي ينتهي خداع الرأي العام من البيض الذين يتحدثون باسم السود. وفي الوقت نفسه كان استعباد السود سائداً في الولايات الجنوبية، وكانت الصحف البيضاء تبرره لأسباب اقتصادية وتطالب بتوسيع نطاق الاستعباد إلى الشمال الأميركي وبالتخلص من الهنود الحمر.
وفي أول افتتاحية لصحيفة «بوسطن غارديان» قال تروتر لقرائه إن «الصحيفة يجب أن تُعرف بما تفعل لا بما تقول. والغارديان ليست مثل الصحف السوداء الأخرى تقول شيئاً وتفعل عكسه. نحن نطلب للجنس الأسود الكرامة التي حرمنا منها العالم. ولن نعتذر أو نتراجع. ولن يكون أحدنا حراً ما لم يكن الجميع أحراراً».
كان تروتر يطالب بثورة تحرير من العبودية الرأسمالية على نحو مماثل لما كان كارل ماركس ينادي به لتحرير عمال العالم من رأس المال المستغل. ولتحقيق ذلك بدأ تروتر حملة من خلال صحيفته من أجل تدبير المال اللازم لسفره إلى مؤتمر فرساي للسلام بعد الحرب العالمية الأولى كممثل «لديمقراطية السود في العالم».
ولكن تروتر فشل في الحصول على جواز سفر ولكنه استطاع السفر إلى فرنسا بحراً متنكراً في شخصية طباخ. وقدم مطالب السود في مؤتمر فرساي. ولكنه لم يحظَ بذكر مطالبه في قرارات المؤتمر وكان نجاحه الوحيد أن الصحف الأوروبية كتبت عن حضوره.
ورغم فشله الواضح في التأثير على القرار السياسي الأوروبي فإنه نجح في استخدام صحيفته كأداة لكشف الحقيقة بالنيابة عن هؤلاء الذين استغلهم النظام السياسي والاقتصادي العالمي. ونجح تروتر أيضاً في تحقيق بعض المساواة للجنود السود في الجيش الأميركي في عام 1906، وفي كشف أبعاد الفيلم العنصري «مولد أمة» الذي عُرض في عام 1915، وأيضاً في إصدار قانون فيدرالي في عام 1920 يمنع الحكم على الزنوج بلا محاكمات في الولايات الجنوبية.
لم يكتفِ تروتر بالنشر وإنما حاول تحريك المجتمع المدني لكي يعارض الممارسات العنصرية في ذلك العصر مثل خروج السود للاعتراض على فيلم «مولد أمة» الذي كان يبرر ممارسات منظمة «كوكلوكس كلان» العنصرية ضد السود. وأشار تروتر في مقالاته إلى أن فيلم «مولد أمة» شحن الجماهير البيضاء بالعنف والكراهية ضد السود.
ودعا تروتر السود للخروج في مظاهرات ضد الممارسات العنصرية ولم يكتفِ بالمناقشات القانونية حول حرية التعبير. ورغم ذلك مُني تروتر بفشل آخر عندما عُرض الفيلم وعادت منظمة «كوكلوكس كلان» قوية في ولاية جورجيا لممارسة عنصريتها.
لكنّ فشل تروتر في وقف عرض الفيلم العنصري، كما سبق وفشل في إقناع مؤتمر فرساي بقضيته، لم يثنه من عزمه في محاولة تحريك الجماهير السوداء للمطالبة بحقوقها. ولكنّ طريقه لم يكن سهلاً.
وللأسف لم تكن نهاية قصة تروتر سعيدة، ففي عام 1934 تراكمت الديون والمتاعب على صحيفة «بوسطن غارديان» وأشرفت على الإفلاس مما دفع تروتر إلى الانتحار بالقفز من شرفة علوية في منزله.
ولكن جهوده ما زالت تعيش في الضمير الأميركي للمواطنين من أصل أفريقي. وكما وصفه أحد معاصريه، كان تروتر متفانياً في انتمائه إلى قضية حصول السود في أميركا على حريتهم وحقوقهم. لم يكن يخشى وصفه بأنه متطرف أو بصداقته مع الهنود الحمر الذين جمعته معهم قضية مشتركة. ويبدو أن القضايا التي حارب تروتر من أجلها ما زالت في بعض أوجهها ماثلة بعد رحيله بقرن كامل، حيث يعد تروتر مثالاً لما يجب أن تقدمه الصحف في تناولها لقضايا عامة تهم شرائح مظلومة في المجتمع إذا كان لهذه القضايا أن تجد حلاً.

تأثير الصحف الغربية يظهر وقت الانتخابات
هنالك العديد من القضايا العامة المشتركة التي لا تختلف عليها الصحف، أو الإعلام بوجه عام، مثل قضايا البيئة والتعليم والصحة، ولكن الاختلاف بينها يظهر وقت الانتخابات العامة والتي تنقسم بشأنها الصحف وفقاً للأحزاب التي تساندها. وقد ظهر هذا التأثير على وجه الخصوص في الانتخاِبات البريطانية الأخيرة.
وتعرض جيريمي كوربن رئيس حزب العمال، لحملة ممنهجة من الصحف اليمينية بزعامة «ديلي ميل» أسفرت عن ابتعاد الناخب الإنجليزي التقليدي عنه وتحوله إلى حزب المحافظين حتى في المناطق العمالية التقليدية. وكانت النتيجة هي فوز ساحق لحزب المحافظين تحت شعار «من أجل إكمال بريكست».
هذا الفوز الساحق غير المتوقع كان رغم إجماع الخبراء على المخاطر التي تحيط بالاقتصاد البريطاني في حالة الخروج بلا اتفاق من الاتحاد الأوروبي. ولكن الحملة اليمينية اعتمدت على تخويف البريطانيين من الهجرة الأوروبية المفتوحة من تأثيرها على ازدحام المدارس والمستشفيات وتراجع الخدمات.
قد يكون حجم طباعة الصحف البريطانية قد انخفض، كما هو الحال في الدول الغربية الأخرى، ولكن تأثيرها على الرأي العام لم يتراجع. ومع ذلك تحرص كل صحيفة في عدم الظهور منحازة بالكامل لفريق ضد آخر حتى لا تفقد مصداقيتها ونسباً من القراء التي تدعم أحزاباً أخرى.
وفي الولايات المتحدة تبدو الصورة أكثر وضوحاً على الصعيد السياسي من حيث دعم أي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فحتى الصحف التي تصف نفسها بأنها محايدة تُبدي آراءها بقوة مثل صحيفة «يو إس إيه توداي» أكثرها توزيعاً التي أعلنت حيادها في انتخابات 2016 الرئاسية ولكنها نشرت أن «دونالد ترمب لا يصلح أن يكون رئيساً».

قد يهمك ايضا

إعلامية لبنانية شهيرة تؤكد موافقتها على توطين الفلسطينيين في لبنان

عرض أزياء يكرم الراحل كوبي براينت خلال أسبوع الموضة في أميركا

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دور تاريخي للصحف يجعلها أكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في الرأي العام دور تاريخي للصحف يجعلها أكثر وسائل الإعلام تأثيرًا في الرأي العام



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya